منذ أيام قليلة أثيرت حالة من الجدل داخل الحقل الأثرى بعدما قال بسام الشماع، باحث المصريات، إن الملك توت عنخ آمون مات بعد أن تعرض لضربة فى الوجه، ضاربًا بعرض الحائط النظريات العلمية والدراسات التى أجريت على مومياء الملك توت عنخ آمون، من قبل 20 عالما، أثبتوا أنه توفى بسبب سقوطه من على العجلة الحربية.
واستند "الشماع" الذى قال إن توت عنخ آمون مات بعد ضربه بالبلطة إلى التمثال الخشبى للملك والذى يعرض فى المتحف المصرى بالتحرير، حيث يوجد به شقوق فى الوجه، وهو ما جعله يقول إن الوجه ضرب بآلة حادة، ونسى أن هذا التمثال الخشبى تم تصميمه عندما كان الملك توت عنخ آمون طفلاً، وهذا يعنى أن افتراضية بسام الشماع تؤكد أن الذى نحت التمثال تنبأ بأنه سيموت بـ "البلطة"، وهذا ما جعل علماء الآثار المتخصصين يستعجبون من ذلك.
التمثال الخشبى للملك توت عنخ آمون
كما أن الشماع لم يلفت أن المصريين القدماء عندما ينحتون تمثالا لملك فرعونى كانوا لا يظهرون عيوبه إن وجدت، فيظهر التمثال فى حالة جيدة، وهذا أيضًا ما أكده العديد من علماء الآثار على رأسهم العالم الكبير الدكتور زاهى حواس.
وحسب افتراضية بسام الشماع معتمدًا على أنه رأى شقوق فى وجه التمثال الخشبى للملك الذهبى وهو طفل، فإذا نظرنا إلى تمثال شيخ البلد فستشعر بأنه كان يتعارك مع بلطجى، على غرار فيلم إبراهيم الأبيض للفنان أحمد السقا، لما يحمل وجهه العديد من الشقوق، وكأنه خارج من معركة عنيفة.
التمثال الخشبى لشيخ البلد
وقال المتخصصون إن ما يحدث فى التمثايل الخشبية أمر طبيعى، وهذا ما أوضحه الدكتور عيسى زيدان، مدير عام الترميم الأولى بالمتحف المصرى الكبير والمشرف على مشروع ترميم مركب خوفو، عن أن هناك عوامل عديدة تساعد وتؤدى إلى تلف الأخشاب وحدوث تشقق بها.
واستعرض عيسى زيدان، فى تصريحات خاصة لـ "اليوم السابع"، أن من هذه العوامل على سبيل المثال: ارتفاع وانخفاض فى درجات الحرارة، وكذلك ارتفاع وانخفاض الرطوبة النسبية وتغيرها المستمر، ويحدث مع تلك العوامل عملية التمدد والانكماش للأخشاب الأثرية.
ويقول "زيدان" إن الأخشاب تتمدد نتيجة لامتصاص الرطوبة، وتنكمش نتيجة لفقدان الرطوبة وتكمن هنا الخطورة على الأخشاب وعلى المكونات الأساسية للأخشاب التى تتمثل فى السليلوز والهيموسليلوز واللجنين، والسليلوز والهيموسليولوز وهم المحور الأساسى لعملية التمدد والانكماش.
وأشار إلى أن عملية التغير فى الرطوبة ينتج عنه التغير فى أبعاد الأخشاب أيضًا سواء عند الجفاف أو تشربها للماء أو بخار الماء الأمر الذى ينتج عنه شقوق وانفصال فى الأخشاب، وتكمن الخطورة إذا حدث الانكماش للخشب فى الاتجاه المماسى وهذا يسبب تشقق أكبر، وغالبًا ما يكون التشقق فى المكان الذى تكون فيه المسافة من السطح إلى النواة هى الأقصر، كما أن التغير فى الرطوبة النسبية أيضًا يساعد على انفصال وتشقق طبقة الجسو والألوان إن وجدت.
ونتيجة ما تم استعراضه من خلال خبير الترميم أكد أن موت الملك توت عنخ آمون لا يمكن أن يكون نتيجة ضربة بـ"البلطة"، مشيرًا إلى الدراسات التى أجريت على المومياء والتى تثبت وقوعه من على العجلة الحربية، وهى التى تسببت فى وفاته، وما يثار عكس ذلك ليس له أساس علمى على الإطلاق، موضحًا أن هناك عجلة حربية من مقتنيات الملك الذهبى بها نفس الشقوق، بالإضافة لتمثال شيخ البلد، وهى ترجع لنفس الأسباب التى تم توضيحها سابقًا.
وقال إن التمثال الذى أشار إليه بسام الشماع، هو تمثال خاص يصور الملك توت عنخ آمون فى هيئة الإله "نفر ـ توم" إله الشمس المشرقة، والتى تخرج من زهرة اللوتس، وإنه تم تصنيعه فى عصر العمارنة عندما كان الملك الذهبى يعيش بها وتصور ملامحه عندما كانت طفلاً صغيرًا، وهذا يؤكد أن النحات المصرى القديم، لم يكن لديه التنبأ بموت توت عنخ آمون بضربة البلطة ولا يمكن أن يصور الملك خلال نحته بصورة تسىء إليه أو تظهر عيوبه.
وحول ما أثير أيضًا عن أن القناع الذهبى لتوت عنخ آمون به زيادة طفيفة فى أحد الجوانب عن الجانب الآخر، قال عيسى زيدان، كان عليه أن يقدم لنا النظريات العلمية والفحوص والتحاليل التى من شأنها وصل إلى هذه النتيجة، لأن هذا الأمر يحتاج إلى فحوص وتحاليل من نوع خاص على أيدى متخصصين فى هذا المجال، ومستعدون لعقد مناظرة بشرط التحدث بدلائل علمية وليس بمجرد كلام وفقط .
لكن بداية المعركة وقعت عندما قال بسام الشماع، إن الملك توت عنخ أمون اغتيل من خلال الضرب على الوجه، معتمدًا فى ذلك على تماثيل توت وقناعه الذهبى والمومياء التى كشفت ذلك.
وأوضح بسام الشماع، أن هناك أسبابًا عديدة جعلته يبحث عن السبب الحقيقى وراء موت توت عنخ أمون، منها ضعف النظريات العلمية التى كانت تقول إنه سقط من عجلته الحربية أثناء رحلة صيد وأصيبت قدمه، ما أدى إلى حدوث الوفاة، مضيفًا أن هذه نظرية ضعيفة للغاية ولا يوجد نص هيروغليفى واحد يؤكد هذه القصة.
وأشار بسام الشماع إلى أنه استند على التمثال الخشبى للملك توت عنخ أمون الذى يتواجد بالمتحف المصرى، والذى يظهر فيه أن الجانب الأيسر من وجه التمثال به شق مقصود وكأنه مضروب بـ "أزميل"، مضيفًا أن الوجه الأيسر للتمثال المذهب الآخر به نفس الشق أيضًا.
وأضاف بسام الشماع أنه من الممكن أن يكون ضرب بـ بلطة، أو فأس أو آلة حادة، مؤكدًا أن هذه النظرية الأقرب إلى وفاته، خاصة لأن الحالة السياسية فى عهده فى ذلك الوقت تسمح باغتياله نظرًا لأنه ابن اخناتون الذى مارس سلطاته فى تل العمارنة، وبعد وفاته رجعت ممارسة الحكم فى الأقصر، وأيضًا تغير الحالة الدينية للمعابد.
ومن جانبه عقب الدكتور زاهى حواس، قائلاً: إنه إذا كان الملك توت عنخ أمون بالفعل اغتيل بسبب ضربه على وجهه، فهل كانوا سيشيدون تماثيل له وهو مضروب على وجهه؟ بالطبع لا، والشقوق التى توجد فى التماثيل الخشب نتيجة طبيعية لما يصيب الأخشاب عبر الزمن، وليست كما يزعم المتفوه بأنه استدل على موته بشق فى الخشب.
وأشار الدكتور الكبير زاهى حواس، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إلى أن هناك دراسة علمية تمت على مومياء الملك الفرعونى توت عنخ أمون، بالأشعة المقطعية على أعلى مستوى اتضح منها أن الفكرة التى سيطرت على العالم بأن توت عنخ أمون مات مقتولاً خاطئة، كما تم اكتشاف فتحة خلف الرأس اتضح أن المحنطين فتحوها لوضع السائل الخاص بالتحنيط، وتوجد مثل هذه الفتحة فى مومياء أحمس الأول، إذن فكرة موته مقتولا خاطئة.
وتابع "حواس" أنه اتضح من الدراسات التى قام بها نحو 20 عالما متخصصًا فى علم المصريات والأشعة وكل التخصصات، أن الملك الذهبى مات وهو فى سن 19 عامًا، وكان يعانى من "الفلات فوت"، والدم لم يكن يصل إلى أظافر رجليه، وأنه كان مريضًا بالملاريا، ومن فحص المومياء بالكامل اتضح أن هناك فتحة بالقدم اليسرى تؤكد لعلماء الأشعة سواء الأجانب أو المصريين عام 2005، أن هذه الفتحة عبارة عن حادث وقع له قبل وفاته بساعتين فقط.
وعقب عالم الآثار الكبير الدكتور زاهى حواس، على من قال إنه يلقب نفسه بمؤرخ، قائلا: إن المؤرخ لابد أن يكون كتب ما لا يقل عن 200 مقالة علمية، وكتب ما يقرب من 40 كتابًا، لكن الشخص الذى يتفوه بكلام دون علم مثل الذى قال إن الملك توت عنخ أمون مات بسبب ضربة بأزميل فى وجهه ويبنى كلامه على وجود فتحة فى الوجه بالتماثيل الخشب، ليس على دراية بالعلم، وسيجعل العالم يضحك علينا، فأرجو ألا نجعل علم المصريات بهذه التفاهة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة