رجل شجاع يدافع عن حقوق السود، وبكل قوة يوجه الاتهامات لأمريكا لأنهم ارتكبوا أفظع الجرائم بحق الأمريكان السود، ويصفه محبوه بأنه واحد من أعظم الأفريقيين الأمريكيين وأكثرهم تأثيرًا على مر التاريخ، نحن نتحدث عن مالكوم إكس الذى تحل ذكرى ميلاده اليوم 19 مايو من عام 1925.
مر مالكوم إكس الشهير بالحاج مالك الشباز، بالعديد من المحطات فى حياته منذ مولده وحتى وفاته على يدى أحد المتشددين، الذى سنروى قصته بعد سطور قليلة، ولكن حتى نصل لتلك اللحظة لابد أن نوضح مسيرة إكس الذى صحح مسيرة الحركة الإسلامية التى انحرفت بقوة فى أمريكا.
مالكوم إكس
فى البداية نقول إن والد مالكوم إكس قس مسيحى اغتالته إحدى المجموعات المتطرفة من العنصريين البيض بسبب دعوته لتقوية مجتمع السود.
لم يحرم مالكوم من أبيه فقط بل حرم من والدته أيضًا، التى عانت بعد موت زوجها بسبب محاصرتها اجتماعيًا، فأصبحت عاجزة عن حماية أبنائها، ونتج عن ذلك قيام الرعاية الاجتماعية بتولى شئون الطفل الصغير ليتربى داخل مؤسساتها التعليمية والتربوية الخاصة، وسط آلاف الأطفال مجهولى الأصل.
يروى مالكوم فى سيرته أن شغفه الخاص وحلم أمه له كان أن يدرس القانون ويصبح محاميًا، ولكن كل شىء تواطأ ضد مالكوم وضد حلمه، حيث رفضت المؤسسات التعليمية والتربوية التى تعهدت بتنشئته، والمعلمون المقربون من مالكوم، فكرة أن يكون محاميًا، وكانت أسباب الجميع واحدة: أسباب بيولوجية وعرقية منحصرة فقط فى كونه أسود اللون. كان هذا سببًا رئيسيًا فى مرض نفسى طويل أصاب أمه، حسبما يروى مالكوم إكس.
وتوضح سيرة مالكوم إكس التى كتبها أليكس هاليى، أنه بعد فقدانه أى أمل فى الاندماج بالمجتمع الأمريكى كمواطن له نفس الحقوق والواجبات، عمل مالكوم كعامل فى القطارات متنقلاً بين الولايات والمدن الأمريكية، حيث أورد فى سيرته أن تنقله الدائم فى محطة القطار أنقذه من الانضمام إلى الجيش الأمريكى أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية.
خرج مالوكم إكس من الرعاية الاجتماعية ليبحث عن عمل يستطيع من خلاله مواصلة حياته، فذهب إلى حى هارلم لمدينة نيويورك، ليعمل فى السكك الحديدية، وهناك قام بأعمال غير قانونية مثل بيع المخدرات والانضمام إلى عصابات السود، وتنظيم المراهنات والتهريب، ولكن تلك التجربة شكلت وعى مالكوم حول تمرده الواعى على العنصرية فى المجتمع الأمريكى، فيقول فى مذكراته "إن فرد العصابة مثله كمثل أى فرد فى جماعة مهمشة، هو نتاج أساسى للتمييز العنصرى، بل والطبقى، داخل المجتمع.
وقع مالوكم إكس فى قبضة الشرطة بعد سطوه على العديد من المنازل وسرقة السيارات، وحكم عليه فى عام 1946 وقضى بالسجن 6 سنوات ونصف داخل زنزانة وصفها بالكئيبة، وهنا تبدأ حياة جديدة له والتى غيرت مجرى حياته رأسًا على عقب، وخصوصًا بعد اعتناقه للإسلام، عقب تعرفه على أعضاء حركة أمة الإسلام، داخل محبسه.
لم يكتف "إكس" من سماع أعضاء حركة أمة الإسلام، لكنه بدأ فى قراءة العديد من الكتب حول الأديان وفلاسفة الشرق والغرب وتعاليم بوذا، والإنجيل، والسماع من محمد إلايجا زعيم منظّمة أمة الإسلام آنذاك، الذى كان يتفق مع جميع آرائه، فى التفريق بين الأمريكان السود والبيض، وتحريض السود على البيض ويغذى أفكار العنصرية لديهم.
كان مالكوم يتمتع بقدرته على التنظيم والقيادة والخطابة وهذا ما جعله سرعان ما جعله الداعية الأول خلف مؤسس الجماعة فى أمة الإسلام، وبالفعل استطاع رفع عدد أعضاء الحركة من 500 شخص عام 1952 إلى 30 ألف شخص فى 1963، وتقلد إكس المتحدث الرسمى للحركة، ولكن بسبب خلاف بينه وبين محمد إلايجا زعيم منظّمة أمة الإسلام، ترك الحركة نهائيا واتجه إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحاج.
إلايجا محمد
كان لرحلة الحاج لدى مالوكم إكس أثر بالغ، ويتضح ذلك من رسالته لزوجته ورفاقه يقول فيها: من مكة، مدينة الإسلام المقدسة، كتبت لأصدقائى بأمريكا، لم أشهد مثل هذا الترحاب وهذه الأخوة الصادقة، التى أراها تمارس على هذه الأرض العتيقة المقدسة، أرض سيدنا إبراهيم، وسيدنا محمد، وأرض كل رسل الله العظيم، ربما تُصدمون لأن هذه الكلمات تصدر منى، ولكن ما رأيته يدفعنى لأعيد ترتيب معظم أنماط تفكيرى التى عشتُ بها، وأن أُلقى بمعظم استنتاجاتى السابقة.
مالك محاط بوسائل الإعلام بعد عودته من الحج
ثم عاد مالكوم إلى أمريكا، حاملا اسم الحاج مالك الشباز معلنا عن انفصاله عن حركة أمة الإسلام، ورفض بشكل قاطع مقولتها الأساسية بأن الرجل الأبيض هو عدو الإسلام رغم معرفة مالكوم بالتاريخ الاستعمارى القمعى الطويل الذى مارسه فى شتى أرجاء العالم، إلا أنه بلغ من السماحة والتحرر من العرقية حد رفض العنصرية، وحاول إقناع زعيم حركة أمة الإسلام بأخطائه بل دعاه إلى زيارة الكعبة والصلاة، لأنهم كانوا داخل الحركة لا يعرفون الصلاة، لكنه غضب بشدة واعتبره منشقًا عن الحركة، وخلال مواصلة الحاج مالك دعوته لتغيير مفهوم الإسلام لدى المتشددين والعنصريين، صدر قرار من حركة أمة الإسلام بقتله فأضرموا النار فى بيته فى 14 فبراير 1965 لكنه نجى.
مالكوم يؤدي الصلاة
لم يكف مالوكوم إكس عن دعوته لنشر مفهوم الإسلام الحقيقى وحاول تصحيح مفاهيم جماعة أمة الإسلام.
وفى 21 فبراير 1965، وخلال حديثه عن الإسلام الصحيح من على منصة فى قاعة مؤتمرات بمدينة نيويورك، فجأة افتعل اثنان من الحضور مشاجرة، وبينما تتوجه أنظار الجميع إلى المشاجرة بما فيهم حراس مالوكوم، تسلل رجل من بين الصفوف موجها مسدسه نحو مالكوم مطلقا عليه رصاصة سكنت صدره، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل لحق بالرجل الأول رجلان أمطرا مالكوم بوابل من النيران فأردياه قتيلاً، ليرحل بعد إصابته بـ 16 رصاصة، ويتم القبض على القتلة الذين اتضح بعد ذلك أنهم من رجال منظمة أمة الإسلام.
مالكوم في الكفن قبل الدفن