وصلت السفينة التى تقل الأمير عبد الكريم الخطابى«بطل الريف المراكشى» إلى السويس، يوم 29 مايو،«مثل هذا اليوم» عام 1947، حسب الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «فاروق وسقوط الملكية» عن «مكتبة مدبولى-القاهرة»، كانت الباخرة فرنسية، وكان مع الأمير أسرته وحاشيته قادمين من منفاه بجزيرة «رينيون»بالمحيط الهادى، متوجهين إلى فرنسا، وتنقل«سالم»عن السفير البريطانى فى القاهرة إلى حكومته بأن«الأمير لم يكن فى نيته النزول بمصر، ولكن ممثلين مصريين ومغاربة صعدوا إليه، وكانت النتيجة أن غادر الباخرة فى بورسعيد، غير أن جريدة «الإخوان المسلمين» فى عددها«7 يونيو1947»، قالت:«كان هناك خطة أعدت لالتقاطه، فعندما علم رجال مكتب المغرب العربى بالقاهرة بالتوقيت اتفقوا على انتهاز فرصة مرور الأمير بالأراضى المصرية وإنقاذه، وعرضت الفكرة على«المقام السامى» الملك فاروق، فلقيت من حامى العروبة والإسلام ما هو منتظر من القبول والترحيب».
كان«الخطابى» منفيًا منذ مايو1926، باتفاق فرنسى أسبانى بعد سنوات من مقاومته لهما بوصفهما استعمارًا لبلاده، وبعد 21 عامًا من المنفى قررت فرنسا نقله إليها، وفى الطريق إليها وقعت مسألة إدخاله إلى مصر، وتمت فى سياق ماتسميه«لطيفة سالم»:«شغف فاروق للعلاقات العربية.. وألا تقتصر مكانته على المشرق العربى وإنما تمتد إلى المغرب العربى»، وتنقل«سالم» عن«الأهرام»، أول يونيو1947، أنه فى السويس صعد للأمير محافظها حاملًا له رسالة ملكية ورافقه مندوب من الجامعة العربية ومغربيان، أحدهما ممثل مراكش فى اللجنة الثقافية التابعة للجامعة العربية، والآخر ممثل مكتب المغرب فى القاهرة، وتم الاتفاق على خطة نزوله، وفى بورسعيد صعد إليه محمد حلمى حسين موفدًا إليه من قبل الملك، ولبى المجاهد الرغبة الملكية، وبمجرد أن وطأت قدماه الأرض صرح بأن فاروقا«حامى الأحرار وناصر العروبة والإسلام»، واتجه مباشرة إلى قصر عابدين وسجل اسمه فى سجل التشريفات معلنًا التجاءه لحمى الفاروق بعد سنوات المنفى طلبا للراحة والطمأنينة».
وتؤكد«الأهرام» أن «الخطابى»،ختم كلمته«بالدعاء للملك ليبقى زخرًا لمستقبل العروبة، ثم توجه إلى بيت المغرب فى القاهرة واحتفل به، وألقى عبد الخالق الطريسى رئيس حزب الإصلاح المغربى، كلمة فاضت إعجابا بفاروق وانتهت بقوله:«وأشهد الله أن الفضل الأول يرجع إلى رجل حمى الأمة العربية لا بسلطانه وقوته فقط، ولكن بإيمانه بالعروبة ومستقبلها، وهذا الرجل هوالصالح مولانا فاروق الأول، وتبعه الحبيب بورقيبة زعيم الحزب الحر التونسى»، صار رئيسًا لتونس فيما بعد»، وحملت كلمته نفس المعنى».
عقب الاحتفال انتقل الأمير إلى ضيافة فاروق بقصر انشاص، وفقًا لتأكيد«سالم»، وتضيف: «قصد الزعماء المغاربة إلى قصر عابدين ليقيدوا أسماءهم فى سجل التشريفات ويعلنون شكرهم للملك لما قام به تجاه الزعيم المغربى، ويسجل السفير البريطانى هذه الأحداث للندن، ويعتبرها جزءًا متممًا لسياسة فاروق وللاتجاه الذى يتولاه عبد الرحمن عزام فى الجامعة العربية لتمجيد مركز الملك ومصر كحامين للعالم العربى، ووفقًا لمبدأ عدم اشتغال اللاجئين السياسيين بالسياسة، وكما صدر بيان تحت هذا المعنى لمفتى فلسطين«أمين الحسينى»، صدر مثيل له للأمير تجنبًا لإثارة الأزمة مع فرنسا، ولكنها لم تقتنع بذلك، إذا احتج وزير خارجيتها على هذا الإجراء ».
تقول«سالم»إن الصحافة استنكرت ردود الفعل الفرنسية الغاضبة مما حدث، ومضت الأقلام تمتدح الملك لتعاطفه مع المجاهدين وتؤيد مسلكه تجاه الأمير، وتضيف:«انهالت البرقيات على القصر، وشكلت المرسلة من المغاربة بالمهجر ثقلًا فيها، حيث مجدت شهامة فاروق، ووصفت اللجنة الفلسطينية فى القاهرة فى برقيتها عهده بأنه كعصر الخلفاء والسلاطين، والتقى«شاذلى الملكى»سكرتير حزب الشعب الجزائرى ومندوبه برئيس الديوان مبعثًا من قبل رئيس الحزب، وحاملًا منه رسالة للملك يشكره فيها على حمايته للأمير، وتضيف«سالم»نقلًا عن«المصور»فى عددها«13 يونيو1947»:«عقب أسبوعين من استقرار الأمير المراكشى فى مصر، التقى فاروق به فى انشاص، وذهب بنفسه إليه وقبله، وقال له:«لقد نزلت أهلًا وسهلًا ومرحبًا، إنى لأرحب بك باسمى وباسم شعبى»، وسأله عما ينقصه، وعندما علم أنه يعانى من ضغط الدم اقترح عليه أن يمضى بضعة أيام فى مستشفى المواساة، وعليه انتقل إليها، ومرة أخرى يقوم فاروق بزيارته فيها ليستفسر عن صحته، وحينما يخرج منها يكون ضيفًا فى المأدبة أولى، التى أقامها الملك بقصر عابدين فى رمضان، كما يصحبه الملك للمساجد لسماع الدروس الدينية».
فى 24 يونيو 1947 تقدم السفير الفرنسى باحتجاج إلى«النقراشى باشا»رئيس الحكومة على ضيافة الأمير وقبوله كلاجئ سياسى، وظل الخطابى فى مصر حتى توفى فيها يوم 6 فبراير عام 1963.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة