لعلك تتابع هذا الخزى والعار الذى يلاحق شركة (لافارج) عملاق صناعة الأسمنت الفرنسية بعد الاتهامات التى وجهت للشركة بتمويل تنظيم داعش الإرهابى فى سوريا لسنوات طويلة، هذه القصة محل نظر الآن فى المحاكم الفرنسية بعد اتهامات صريحة وموثقة لمسئولى هذه الشركة العالمية، والتى تمتد فروعها فى عدد كبير من بلدان العالم من بينها سوريا، فضلا عن مصانعها هنا على الأرض المصرية، وقبل أيام نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تحقيقا مطولا عن التفاصيل الخفية فى هذه الصفقات المشبوهة بين الشركة وقيادات داعش، لا شىء تقرأه سوى الخزى والعار، ولا شىء تستدعيه سوى الاحتقار والأسى.
القصة مؤسفة، وتكشف فى الحقيقة أن بعض الشركات متعددة الجنسيات، وبعض رأس المال العالمى ليس له ولاء لوطن أو لدين أو لمبدأ أو لأى قيم أخلاقية،إنهم يعبدون أنفسهم ويعبدون أموالهم من دون الله، ومن دون دماء الأبرياء التى سالت فى حروب ظالمة ومذابح غير إنسانية،فلم تخجل شركة لافارج الفرنسية، وهى بالمناسبة تحالفت مع شركة هوليسوم السويسرية للسيطرة على صناعة الأسمنت فى مناطق متعددة فى العالم، من أن تمد يد العون والتمويل لهؤلاء القتلة حفاظا على خطوط إنتاج الأسمنت فى سوريا بنفس كفاءتها وبنفس معدلات الإنتاج، حسب الاتهامات الموجهة من الادعاء الفرنسى نفسه، فهل هناك دليل أكبر من ذلك على هذه (السفالة المالية) وعلى الأفكار المنحطة التى تحكم عمل الكثير من الشركات الكبرى عند الاستثمار فى بلاد غريبة؟، وهل هناك برهان على أن أرواحنا لا قيمة لها فى نظر بعض هذه الشركات العالمية، وأنه لا فرق لديهم ما إذا كان الحق يحكم والعدل يسود، أو أن الطغاة يحكمون والظلم يسود؟، المهم أن تعمل مصانعهم، وتستمر أرباحهم بلا نهاية، الربح، والربح فقط، حتى لو كان ثمنه قتل الأبرياء.
قرارات التعاون مع داعش وتمويلها للبقاء على المصنع فى شمال سوريا صدرت عن أعلى السلطات فى شركة لافارج داخل فرنسا، ولم تصدر عن القيادة الإقليمية أو مسئولين فرعيين، القضاء الفرنسى يتهم لافارج بأنها دفعت أموالا طائلة لتنظيم داعش، واشترت من التنظيم كميات هائلة من النفط، وتفاهمت مع هؤلاء القتلة مقابل ملايين اليوروهات لبقاء المصنع واستمرار عمله رغم الحرب والقتل والإرهاب، وما تقرأه من الاعترافات التى نشرتها ليبراسيون تثير الاشمئزاز وتلحق العار بهذه الشركة ومسئوليها وأفكارها وعقيدتها فى العمل على جثث الأبرياء على وجه الأرض.
فى الحقيقة، تستحق السلطات الفرنسية كل الاحترام والتقدير لأنها لاحقت شركة بهذا الحجم وبهذه الاستثمارات، ويستحق القضاء الفرنسى كل التقدير لدقته فى قراءة الوثائق ومتابعة التفاصيل لحظة بلحظة وتوثيق عمليات تمويل داعش، وتستحق الصحافة الفرنسية كل كلمات الإعجاب لأنها تقدم لنا معلومات كاملة عن كل ما جرى، دون نظر إلى جنسية الشركة أو إلى إعلاناتها فى الصحف والتليفزيونات، أو إلى سيطرتها على بعض قادة الرأى العام فى فرنسا وفى أوروبا، ودون قلق على سمعة فرنسا فى الخارج، لأن سمعة فرنسا تصبح أفضل حين تتم محاسبة الفساد والمفسدين وممولى الإرهاب، حتى لو أتى ذلك على واحدة من أقوى الشركات الفرنسية فى الداخل والخارج.
قوة الدولة والمجتمع والقضاء والصحافة تتجلى فى هذه القصة، وبقدر ما تنظر بكل انحطاط للمسئولين عن هذه الجريمة، بقدر ما تنظر أيضا بكل إكبار وتقدير لهؤلاء الذين كشفوا الجريمة للعالم ولم يتستروا عليها، ولم يحموا مصلحة شركة فرنسية متضخمة القوة، على حساب القانون والعدل والإنسانية .
أظن فى تقديرى أن التحقيقات مع لافارج فى فرنسا قد تفتح أبوابا كبيرة على الشركة فى عدد كبير من البلدان التى تعمل بها على خريطة العالم، كيف وصلت إلى كل بقعة، وهل كان للاتجار بالدم والفساد ومخالفة القوانين فى النموذج السورى، قصة مماثلة فى أى أرض أخرى؟،هل دفعوا لأحد فى السر؟ هل مولوا جماعات أخرى؟ هل تآمروا مع مسئولين على حساب المصالح الوطنية والمال العام فى أى بلد؟ هل اشتروا أسهما بالباطل؟ هل سددوا ما عليهم من ضرائب؟ هل وقعوا عقودا عادلة فى شراء الغاز لصالح مصانع الأسمنت؟
أسئلة كثيرة، هنا أو هناك
والله أعلى وأعلم ..
مصر من وراء القصد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة