كثيرًا ما نسمع جملة " لقد ذهب زمن الحب " ، وأننا فى زمن لا يعترف بلغة المشاعر ، وإنما يعترف فقط بالماديات والحسابات والمصالح ، ولكن هؤلاء مخدوعون ويعيشون فى وهم كبير ، فالحب ليس له زمان معين وينقضى وقته بمرور الزمن، فالحب والزمن متلازمان، والدليل على ذلك، أن من يبحث عن الثروة والنفوذ بمجرد أن يصل إليهما ، يجد نفسه يلهث وراء الحب ، ومن يجور عليه زمانه ، يبحث عن من يربت على كتفيه ، ويواسيه باسم الحب ، ومن يتوجع من آلام الجسد يبحث عن طبيب الروح ، فهو لا يجد شفاءه فى الدواء ، بقدر ما يجده فى اليد التى تُعطى الدواء ، واللسان الذى يقول : "بالشفاء إن شاء الله" ، فهذا هو الحب ، فلا تُصدق من يقول لك أن زمن الحب قد وَلَّى ، بل قل إن الناس هى التى باتت لا تعرف قيمة الحب ، إلا فى الزمن الذى يتماشى مع احتياجاتهم .
فيحُكى أنه فى وقت من الزمان ، كانت هناك جزيرة تقطنها جميع العواطف والأمور المعنوية، وهى السعادة، الحزن، المعرفة ، وكل باقى العواطف بما فيها الحب ، وفى أحد الأيام علمت العواطف أن الجزيرة ستغرق ، وهكذا جهزت جميع العواطف قواربها ، وراحت تُغادر الجزيرة ، لكن الحب هو الذى بقى وحده ، أراد أن يبقى حتى آخر لحظة ممكنة ، وحينما راحت الجزيرة تغرق فعليًا ، قرر أن يطلب المساعدة، فكانت الثروة تمر بالقرب منه فى قارب فخم ، فقال لها الحب : "أيتها الثروة ، هل تستطيعين أن تأخذينى معكِ ؟"، فأجابته الثروة وقالت : "لا، أنا لا أستطيع ، فهناك الكثير من الذهب والفضة معى فى القارب ، وليس هناك مكان لك"، فقرر الحب أن يسأل الأناقة والخُيلاء ، التى كانت تمر بالقرب منه فى قاربها البديع ، فقال : "أيتها الأناقة، من فضلك أعينيني"، فأجابته الأناقة: "إننى لا أقدر أن أساعدك، فأنت كُلك مُبتل، وقد تُفسد أناقة قاربي"، وكان الحزن قد اقترب لحظتها من الحب، فقرر الحب أن يسأله المعونة، فقال: "أيها الحزن، دعنى أذهب معك"، فرد عليه الحزن قائلاً: "أيها الحب، إننى حزين جدًا، حتى إننى أريد أن أبقى بمفردى مع نفسي"، ومرت السعادة أيضًا لحظتها بالحب، ولكنها كانت فرحة جدًا، حتى أنها لم تسمع أصلاً الحب وهو يناديها .
وفجأة ، سمع الحب صوتًا يقول : "تعال أيها الحب ، سآخذك أنا معي" ، وكان شيخًا متقدمًا فى الأيام، أحس الحب بالفرح والنشوة، حتى أنه نسى أن يسأل هذا الشيخ عن اسمه، وعندما وصلوا لليابسة، مضى الشيخ فى طريقه، فشعُر الحب كم هو مَدين لهذا الشيخ، فسأل المعرفة، وهى الأخرى كانت شيخة متقدمة فى الأيام: "تُرى من الذى ساعدني؟"، فأجابته قائلة: "إنه الزمن"، فقال الحب مُتسائلاً: "الزمن؟!"، ثم عاد وتساءل قائلاً: "ولكن، لماذا أعاننى الزمن؟"، ابتسمت المعرفة فى وقار حكمة عميقة، وأجابته: "لأن الزمن وحده هو القادر أن يفهم كم هو عظيم الحب !!". فللأسف، الزمن وحده هو الذى يعرف قيمة الحب، ونحن لا نعرف قيمته إلا بعد أن يجور علينا زماننا.
فلا تقولوا : "إن زمن الحب قد فات"، فالزمن والحب بينهما ارتباط لا يحله إلا اندثار الزمن، وفناء الحياة من على الأرض، وتيقنوا أن كل زمن نعيش فيه، هو زمن الحب .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة