ما تزال أصداء الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى الذى قرره الرئيس دونالد ترامب يوم الثلاثاء الموافق الثامن من مايو الماضى، تملأ مساحات التحليل فى دوائر صناعة القرار ومراكز الفكر والبحوث الأمريكى، مع تعالى أصوات ترى أن الخطوة الأمريكية بمثابة حماقة جيوستراتيجية وزعزعة للاقتصاد الأمريكى بوجه عام.
فى إطار ذلك كتب المحللان الأمريكيان فرانك ويسنر ونيلسون كونينجهام فى "ذا ناشيونال إنتريست" أن قرار الرئيس ترامب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية قد يكون الخطوة الأكثر خطورة وإزعاجاً للاستقرار فى رئاسته الصاخبة.
ولفت إلى أن كثيرا من صناع القرار ينظرون إلى خطة العمل المشتركة المشتركة (JCPOA) على أنها انتصار للدبلوماسية المتعددة الأطراف وخطوة رئيسة نحو هدفين رئيسين تتبناهما بشكل صحيح أى حكومة مسؤولة وهما: منع الانتشار النووى، والاستقرار طويل الأجل فى الشرق الأوسط، وحتى أولئك المتشككون فى الاتفاق الذى تم التوصل إليه فى عام 2015، مثل الجنرال جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكى الحالى، جادلوا الآن بأنه سيكون من الخطأ الانسحاب.
وأوضحا أن الانسحاب أحادى الجانب من قبل الرئيس ترامب سيواجه مجموعة من العواقب الجيوسياسية المضرة، علاوة على ذلك، قد تضرب أمريكا أيضًا فى جيبها ويتضرر اقتصادها.
لقد حظى اتفاق إيران بالدعم الرسمى ليس فقط لحلفائنا الرئيسيين (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبى)، بل أيضا من أهم منافسينا (روسيا والصين) من خلال الابتعاد عن الاتفاق يخاطر الرئيس ترامب بإعادة إشعال برنامج إيران النووى، ولقد رفع سقف أعمال العنف الإقليمية فى الشرق الأوسط فى العديد من الحروب بالوكالة.
ورأى المحللان أن الخروج الأمريكى من الاتفاق أنهى عقودًا من التقدم القابل للقياس نحو عالم يكون فيه حظر الانتشار النووى هو القاعدة والتسلح النووى هو الاستثناء، ولقد دفع إيران إلى أحضان روسيا والصين، وأضعف التحالف بين ضفتى الأطلنطى مع أوروبا التى قامت بحماية العالم منذ عام 1945.
وتابع المحللان: أبعد من ذلك كله، قد يكون ترامب قد مهد الطريق لأكبر تعطيل له حتى الآن فى "نظامنا التجارى العالمى" من خلال إلغاء برنامج النقاط التجارية (TPP) وإعادة إصدار اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) وإعادة توازن اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا والتهديد بفرض رسوم جمركية على البضائع الصينية والبضائع الأخرى.
واعتبر المحللان أن ترامب: أزعج كل شريك تجارى للولايات المتحدة بطرق مختلفة. لكن الانسحاب من JCPOA يهدد بتعطيل جميع شركائنا التجاريين، فى وقت واحد. سوف يتعرض أقرب حلفائنا إلى أكبر ضرر، وسوف تتدفق أكبر فائدة لمنافسينا.. الانسحاب هو بالتالى حماقة جيوسياسية وزعزعة اقتصادية فى آن واحد.
وفى الانسحاب من الاتفاقية، وعد الرئيس ترامب بفرض عقوبات أمريكية قوية على إيران - وكذلك على الشركات الأمريكية التى انتهكت تلك العقوبات. إن ما يسمى بـ"العقوبات الثانوية" ستكون مخصصة لعقاب الشركات الأجنبية التى تتاجر مع إيران.
علاوة على ذلك فإنهم قد يعاقبون الشركات الأمريكية التى تتعامل مع تلك الشركات. وستطبق عقوبات الولايات المتحدة هذه على الشركات الموجودة فى أوروبا وكندا واليابان وكوريا والهند وأمريكا اللاتينية.
وبعبارة أخرى فإن أكبر شركاء أمريكا التجاريين وأقربهم ستطالهم العقوبات، وستؤثر هذه الشركات نظريًا على الشركات التى يوجد مقرها فى الصين وروسيا، لكن روسيا تعارض بالفعل تشريعات العقوبات المضادة، ولا يتوقع أحد أن تكبح الصين شركاتها التى تندفع بالفعل إلى الفراغ الذى خلفه الانسحاب الأمريكى وإذا تم إجبار الشركات الأوروبية وغيرها على الخروج، فإن هذا الفراغ سيكون أكبر، وكذلك الفرص الروسية والصينية ستكون أكبر، بحسب المحللين.
وفى معرض شرحه لسياسة إيران الجديدة، أوضح وزير الخارجية مايك بومبيو فى خطاب ألقاه فى نهاية مايو الماضى أن العقوبات هى فى صميم إستراتيجية ترامب.
وقال: "سوف نحاسب أصحاب الأعمال المحظورة فى إيران لتطبيق ضغط مالى غير مسبوق على النظام الإيرانى". واعترف بأن "إعادة فرض العقوبات وحملة الضغط القادمة على النظام الإيرانى سوف تسبب صعوبات مالية واقتصادية لعدد من أصدقائنا"، ما يعنى أن أمريكا لن تتخلى عن الضغط حتى على أقرب حلفائها.
وعليه يبدو أن الداخل الأمريكى غير موحد حول السياسات الخارجية الأمريكية خاصة حول الاتفاق النووى وحول العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين، خاصة أن خروج الشركات الأوروبية من السوق الإيرانية المترتب على قرار العقوبات الأمريكية أفسح المجال تماما للروس والصينيين للانفراد بالكعكة الاقتصادية الإيرانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة