فيما يعد رصاصة الرحمة على الاتفاق النووى الذى أبرمته إيران مع القوى الدولية الست فى نهار الرابع عشر من يوليو بالعام 2015، أعلنت فرنسا صعوبة تمكن شركاتها من البقاء فى إيران بعد الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى فى مساء الثلاثاء الثامن من مايو الماضى، وإعادة العقوبات التى كانت مفروضة على طهران قبل توقيع الاتفاق.
إعلان فرنسى
من جانبه أعلن وزير الاقتصاد الفرنسى برونو لومير يوم الثلاثاء، أن معظم الشركات الفرنسية لن تتمكن من البقاء فى إيران، وذلك بعد إعادة فرض الولايات المتحدة عقوبات على طهران فى مطلع مايو الماضى.
ونقلت وكالات الأنباء عن لومير قوله لقناة "بى إف إم"، إن هذه المؤسسات المالية والاستثمارية الفرنسية لن تتمكن من البقاء فى إيران لأنها يجب أن تتلقى لقاء المنتجات التى تسلمها أو تصنعها فى إيران، ولن يكون ذلك ممكناً، إذ لن تكون هناك هيئة أوروبية سيادية ومستقلة تضطلع بالأمر.
وأضاف لومير نصا: "أولويتنا تتمثل فى بناء مؤسسات مالية أوروبية مستقلة وسيادية تفتح المجال لقنوات التمويل بين الشركات الفرنسية والإيطالية والألمانية والأسبانية وأى بلد آخر لأنه يعود لنا كأوروبيين الاختيار بحرية وبشكل سيادى مع من نريد إقامة معاملات تجارية، وليس من المفترض أن تقوم واشنطن بدور الشرطى الاقتصادى للعالم وأنه بما أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قرر بوضوح ذلك، فعلى الأوروبيين امتلاك الأدوات اللازمة حتى لا يكونوا ضحايا هذا الخيار".
ويأتى هذا التصريح الصادم بعد عدة جولات مكوكية قام بها المفاوضون الإيرانيون وعلى رأسهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف ومساعده عباس عراقجى لانتزاع التزام أوروبى مكتوب بالمحافظة على مكتسبات إيران من الاتفاق النووى بعد خروج ترامب من الاتفاق.
حديث الخبراء
ويرى خبراء متخصصين فى الشؤون الإيرانية ومراقبين لتطورت السياسة الخارجية الإيرانية أن تلك الخطوة كانت متوقعة من جانب الأوروبيين فى ظل النزعة البراجماتية التى يتحلى بها صانع القرار فى بروكسل، ورؤيته للفوارق بين مكاسب خروجه من السوق الإيرانية ومخاطر بقائه فيها.
ويعتقد مجتمع خبراء الشؤون الإيرانية أن الأوروبيين حسموا أمرهم منذ اليوم الأول لإعلان أمريكا توقيع عقوبات على إيران وعلى كل المتعاملين معها، بما يعنى تغلب مصلحة البقاء فى السوق الأمريكية التى تبلغ نحو 400 مليون نسمة بما قيمته 18 تريليون دولار والسوق الإيرانية المتواضعة التى تبلغ نحو 82 مليون نسمة بما قيمته 400 مليار دولار فقط.
ومع ذلك وبالرغم من أن هذا الإعلان الفرنسى يمثل رصاصة الرحمة على الاتفاق النووى من حيث جذوره وأسسه، إلا أن هناك ما يشبه الإجماع على عدم خروج إيران من الاتفاق وبقائها فيه والتشبث بدور المظلومية التاريخية التى اعتادت طهران على تأديتها.
وأعلنت عدة شركات فرنسية بالفعل نيتها الانسحاب من إيران على غرار مجموعة "بى إس آي" لصناعة السيارات التى تشمل ماركات (بيحو وسيتروين وأوبل ودى إس) والتى باعت العام الماضى 444600 سيارة، فى وقت مثلت فيه إيران بارقة أمل لتصنيع السيارات بتكلفة أقل نظرا لتعطش السوق الإيرانية ورخص الأيدى العاملة.
حول الاتفاق النووى
وتوصلت القوى الدولية إلى الاتفاق النووى مع إيران على ثلاث مراحل بدأت فجر الرابع والعشرين من نوفمبر بالعام 2013 تحت صيغة "الاتفاق المؤقت"، مرورا باتفاق إطار العمل أو "اتفاق لوزان النووى" الذى تم توقيعه يوم 2 إبريل 2015، وانتهاء بخطة العمل الشاملة المشتركة أو الاتفاق النهائى الذى تم توقيعه فى فيينا ظهر الرابع عشر من يوليو 2015.
ومنذ اليوم لإعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة الأمريكية، أعلن الرئيس الأمريكى عدم رضاه عن الاتفاق النووى، مؤكدا أنه أسوأ اتفاق قرأه فى حياته، متعهدا بإلغائه والتزام إدارته بثنى إيران عن سلوكها الإقليمى "المزعزع للاستقرار" وامتلاك السلاح النووى.
وفى الأشهر الأخيرة حاول الرئيس الأمريكى "الجمهورى" الضغط على إيران لإدخال تغييرات على الاتفاق، أو الحصول على اتفاق بديل أو اتفاق تكميلى، الذى أبرم فى عهد سلفه الرئيس "الديمقراطى" باراك أوباما، وأفضى إلى وضع إيران حدا لبرنامجها النووى مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها تدريجيا، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ بالفعل بناء على القرار الأممى 2231.
لكن إيران رفضت كل الدعوات الأمريكية، كما رفضت كل الحلول الوسط التى تبنتها القوى الأوروبية؛ ما جعل من انهيار الاتفاق مسألة وقت لا أكثر، خاصة أن مكتسبات إيران من الاتفاق لن يكتب لها التحقق إلا بغطاء أمريكى حيث تتحكم امريكا فى نحو 80 بالمئة من اقتصاد العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة