ميركل، التى احتفظت بمنصبها فى قيادة ألمانيا لأربعة فترات متتالية وجعلت من نفسها أيقونة الوحدة الأوروبية، ربما تواجه معضلة حقيقية إثر حالة الانقسام تجاه السياسات التى تتبناها المستشارة الألمانية فيما يتعلق بمسألة الهجرة سواء فى الداخل الألمانى أو على المستوى الجمعى الأوروبى، وهو الأمر الذي يطرح العديد من الشكوك حول قدرة "المرأة الحديدية" على استعادة زمام الأمور فى المرحلة المقبلة.
معضلة ميركل.. صعود القوميين فى الداخل والخارج
لعل المشكلة التى تواجهها المستشارة الألمانية قد تجلت ملامحها فى الانتخابات الأخيرة، والتى عقدت فى العام الماضى، فعلى الرغم من نجاحها فى الاحتفاظ بمنصبها على رأس السلطة لفترة رابعة، إلا أنه فى المقابل تمكن التيار القومى المناوئ للهجرة من تحقيق نجاح غير مسبوق، ليمثل تهديدا حقيقيا لتوجهات ميركل وائتلافها المكون من الحزب الديمقراطى المسيحى، والاتحاد المسيحى الاشتراكى داخل البرلمان.
وصعود القوميين فى برلين تزامن مع مستجدات دولية وقارية، كانت بمثابة صفعات قوية على وجه ميركل منذ ما قبل الانتخابات الألمانية، لعل أهمها خسارة الحليف الأمريكى، والذى كان أكبر الداعمين للمستشارة الألمانية على المستوى الدولى، فى عهد الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، إلا أن الأمور تغيرت مع صعود ترامب، ذو التوجهات القومية، لرأس السلطة فى الولايات المتحدة، والذى لا يشاركها توجهاتها سواء الداعمة للهجرة أو حتى الوحدة الأوروبية.
ميركل بين ترامب وأوباما
وربما كان صعود ترامب ملهمًا للكثير من التيارات القومية فى القارة العجوز، حيث تمكنت العديد من الأحزاب اليمينية من تحقيق مكاسب غير مسبوقة، داخل العديد من دول الاتحاد الأوروبى، من بينها ألمانيا، وذلك فى الوقت الذى سيطر فيه القوميين على مقاليد السلطة فى دول أخرى، وعلى رأسها إيطاليا، لتشهد الكتلة الأوروبية مرحلة جديدة من الانقسام.
انشقاق سياسى.. تحالف ميركل على شفا الانهيار
والانقسام لم يتوقف على الاتحاد الأوروبى، بل امتد إلى الداخل الألمانى، وكذلك إلى داخل التحالف الحاكم فى برلين، فى ظل الخلاف بين المستشارة الألمانية ووزير داخليتها، حول كيفية التعامل مع أزمة المهاجرين، وهو ما يمثل تهديدًا صريحًا لفكرة بقاء الحكومة الألمانية فى المرحلة الحالية.
فمن جانبه، قدم شريك ميركل فى التحالف هورست سيهوفر، زعيم الاتحاد الاشتراكى المسيحى والذى يشغل منصب وزير الداخلية فى الحكومة الحالية، خطة للتعامل مع اللاجئين، تقوم على رفض طلبات اللجوء من المسجلين فى أى دولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبى، ويعطى الحق للشرطة بترحيلهم فورا على الحدود، وهو الأمر الذى ترفضه ميركل باعتباره مخالفا لمبدأ حرية الحركة بين دول الاتحاد، ويمثل أساسا لفكرة الوحدة الأوروبية، التى طالما ما أعربت عن دعمها لسنوات منذ صعودها إلى قمة المشهد السياسى فى برلين، ولكن يبقى رفض ميركل لمقترح وزير داخليتها سببًا لحالة من الانشقاق غير المسبوق، الذى ربما يؤدى إلى انهيار التحالف الحاكم، وهو الأمر الذى أكده سيهوفر، والذى دعا المستشارة إلى إيجاد خطة بديلة لمعالجة أزمة اللاجئين فى أقرب وقت ممكن.
ميركل وملامح القلق تبدو طاغية على وجهها فى اجتماع وزارى
الخيار الصعب لميركل.. ألمانيا أم أوروبا
وهنا يبقى الخيار واضحًا أمام المستشارة الألمانية، إما أن تتخلى عن مبادئها الأوروبية الداعمة للوحدة، وبالتالى تتنازل عن قيادتها للاتحاد الأوروبى، أو أن تترك تحالفها فى مهب الريح، وهو ما يعنى أنها سوف تخاطر بمنصبها الذى احتفظت به منذ عام 2005.
ويرى قطاع كبير من المحللين أن أوروبا تحتاج فى المرحلة الراهنة، إلى قيادة جديدة، فى ضوء مطالبات عدة بالإصلاح، وربما يصعد على السطح الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والذى تمكن منذ وصوله إلى الإليزيه فى العام الماضى من فرض اسمه بقوة على الساحة الأوروبية فى ظل رؤيته الإصلاحية.
وفى المقابل، لم تتجاهل ميركل، ماكرون، قبل المواجهة التى سوف تخوضها أمام الدول الأوروبية ذات النزعات القومية، حيث حرصت على تنسيق موقف موحد مع باريس قبل القمة الأوروبية، يوم الأحد المقبل، وذلك فى إطار حشد أكبر عدد من القوى الأوروبية للوصول إلى اتفاق حول الهجرة، فى إطار ما يشبه الصفقة، والتى تقوم على الحصول على دعم فرنسا للرؤية الألمانية فى هذه المسألة، مقابل دعم برلين لطموحات باريس لتحقيق تضامن مالى بين دول الاتحاد الأوروبى من خلال إرساء ميزانية مشتركة للتكتل.
ميركل لم تجد سبيلا آخر سوى التنسيق مع ماكرون
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة