أعرف يقينا ما يسببه أى حديث عن الدستور من جدل وارتباك وشائعات، وأعرف أيضا أن كثيرا من الخبراء الدستوريين لديهم ملاحظات بالغة الأهمية على الدستور المصرى الحالى، لكنهم يخشون إساءة تفسير ملاحظاتهم، أو اتهامهم بأنهم يمهدون الطريق لتعديل محدد ووحيد لصالح مدد الرئاسة أو لصالح عدد مرات خوض الانتخابات الرئاسية، لكن الخوف من الصخب والشائعات لا ينبغى أن يمنعنا من النظر بدقة فى الدستور الحالى وطرح المواد التى تحتاج إلى تعديل للحوار العام، ودراسة أثر التناقضات فى بعض المواد، أو الغموض فى مواد أخرى، أو الأعباء التى تفرضها مواد أخرى على الدولة، فرضها المشرع الدستورى دون اعتبار للظروف الاقتصادية أو تحديات عجز الموازنة.
الدستور المصرى يحتاج لإعادة نظر بكل تأكيد، والمشرعون البرلمانيون حاليا يعرفون ذلك عن ظهر قلب، وممارسو العمل العام والقيادات التنفيذية يعرفون كذلك أن بعض المواد خرجت بشغف وحماس، دون إدراك لأثرها السياسى والاقتصادى، أو مدى ملاءمتها للواقع فى مصر.
لا ينبغى أن نخجل من ذلك، أو يرهبنا رد الفعل إلى الحد الذى نلتزم فيه الصمت أمام استمرار نصوص لا تحقق المصلحة العليا للبلد، ولا ينبغى أن نؤجل الأمر أكثر من ذلك، إذ إن استمرار الارتباك قد يعقد المشهد، كما أن تأخير طرح التفكير فى التعديلات المطلوبة قد يؤدى إلى أزمات أعمق فى المستقبل، قد لا نستطيع معها تصويب ما جرى، وتصحيح ما يجب تصحيحه.
لا يوجد نص مقدس إلى الأبد إلا كتاب الله تعالى، وهناك من يعيد تفسير الأحكام فى الإسلام لتتوافق مع المصالح المرسلة للمسلمين، ويشدد بعض الفقهاء فى تفسير «صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان» بأن كتاب الله ذاته يسمح بتجديد الأحكام الفقهية ويسمح بالاجتهاد والتجديد وفق واقع المسلمين زمنيا ومكانيا، وإن كان هذا التجديد ينطبق على أحكام الإسلام المنزلة من الله تعالى رفقا بعباده، فما الذى يجعل نصا وضعيا أكثر قداسة وغير قابل للتعديل أو التجديد؟ وما الذى يجعل خوفنا من «القيل والقال» سببا فى أن يستمر الارتباك والخطأ، ويتراجع الصواب والتصحيح؟ ما الذى يجعلنا نخشى الأشقياء من الناس، بدلا من أن تطمئن قلوبنا بتصحيح الطريق لصالح مستقبل الأبرياء من أهلنا؟
الدعوة لحوار حول الدستور ضرورية، وعاجلة، لبلدنا والناس والمستقبل.
مصر من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة