بين التصعيد والتهدئة، والإطراء والقدح، انطلقت اليوم الاثنين، فى العاصمة الفنلندية هلسنكى أول قمة رسمية روسية أمريكية مشتركة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، وهو اللقاء الثالث بينهما منذ تولى ترامب رئاسة الولايات المتحدة، حيث كان اللقاء الأول فى العام الماضى على هامش قمة "مجموعة العشرين" فى هامبورج بألمانيا، والثانى فى نفس العام على هامش منتدى التعاون الاقتصادى لدول آسيا والمحيط الهادى فى فيتنام .
العاصمة الفنلندية هلسنكى تعيد التاريخ
تعقد القمة فى القصر الرئاسى الأصفر، الذى يعود تاريخه للقرن 19 الميلادى والذى يطل على بحر البلطيق، وقد تم اختيار هلسنكى لاستضافة القمة لعدة أسباب من بينها رمزيتها، حيث شهدت عقد قمة تاريخية مماثلة بين الرئيسين السابقين الامريكى جيرالد فورد والروسى ليونيد بريجنيف فى عام 1975، وفى عام 1990 وقبل انهيار الإتحاد السوفيتى مباشرة، التقى الرئيس الأمريكى جورج بوش مع الزعيم الروسى ميخائيل جوباتشوف لمناقشة الأوضاع المشتعلة فى الخليج العربى فى ذلك الحين، بالإضافة إلى إنها تعتبر أرض محايدة، لأن فنلندا ليست عضوا فى حلف شمال الأطلنطى، وحاولت دوما خلال الحرب الباردة أخذ مواقف متوازنة بين الشرق والغرب .
جدول أعمال اللقاء بين بوتين وترامب
ووفق جدول الأعمال، بدأ ترامب الذى وصل لفنلندا أمس الأحد، وزوجته لقاء مع الرئيس الفنلندى ساولى نينيستو وزوجته على مأدبة إفطار، ثم بدأ اللقاء التاريخى بين ترامب وبوتين الذى وصل، اليوم الاثنين، إلى العاصمة الفنلندية هلسنكى، ثم يلتقيان على مأدبة غداء عمل يقيمها الرئيس الفنلندى فى القصر الرئاسى ترحيبا بضيوفه، وبعدها ينطلق الاجتماع الثنائى منفردا بين ترامب وبوتين، يعقبه اجتماع موسع بإنضمام وفدى البلدين، ثم يبدأ بوتين لقاءه مع نظيره الفنلندى.
تصريحات مثيرة لترامب تهدد بنسف القمة
وعشية انطلاق القمة، استبقها ترامب بتصريحات مثيرة للجدل تهدد بنسفها قبل بدئها، حيث وصف روسيا والصين والاتحاد الأوروبى بالعدو، مؤكدا أن لقاءه مع بوتين اجتماع هيكلى وليس قمة، وأن سقف توقعاته بشأن نتائجها منخفض، الأمر الذى أدى إلى نشر أجواء مشوبة بالحذر تجاه القمة التى تعقد فى لحظات فارقة للغرب، ويتخوف منها العديد من الدول الأعضاء فى حلف الاطلنطى.
وبين تقارب ودفء روسى إسرائيلى، وتلميحات من الولايات المتحدة الأمريكية حول إمكانية رفع العقوبات عن روسيا، ووسط ترقب عالمى ورغبة فى تحسين وتغيير أجواء العلاقات بين موسكو وواشنطن، تأتى معطيات الاجتماع الثنائى الرسمى الذى يعقد فى ظل ماتمثله روسيا من لاعب محورى على خريطة القوى الجيوسياسية وهو مايقر به العالم بما فيه أمريكا، ومن هذا المنظور تحديدا يمكن قياس المدى الذى يمكن أن تذهب إليه نتائج قمة هلسنكى.
هل تتغير مسارات وقواعد اللعبة بين أمريكا وروسيا؟
قمة تستهدف فتح الأبواب أمام حوار ينتظر العالم بدايته من هلسنكى، فتتغير معه مسارات وقواعد اللعبة بين أمريكا وروسيا، وتعمل على ترتيب الأوراق ووضع أولويات للقضايا والمصالح المشتركة التى تربطهما فى الفترة القادمة، ومع نتائجها يبدو العالم على موعد مع انفراجة فى علاقات القطبين وطفرة يمكن أن تحدثها، بما قد ينسحب على سياسات واشنطن تجاه الكثير من مفردات العلاقات الدولية والاقليمية، وقد تكون علامة فارقة فى تاريخ علاقات البلدين، وبداية نحو حوار متعدد المستويات والموضوعات ينعكس على العالم كله تهدئة أو تصعيدا.
الأزمات بين واشنطن وموسكو
العلاقات بين واشنطن وموسكو والأزمات الإقليمية موضوعات ستتصدر مناقشات القمة، ومنها أزمة القرم وأوكرانيا، وكذا القضايا الراهنة على الأجندة الدولية، والتى تحتل سوريا مكانة متقدمة فيها، بالإضافة إلى موضوعات الاستقرار الاستراتيجى وسباق التسلح والتى ستكون محورا رئيسيا فى القمة، حيث يخوض الطرفان سباقا فى التسلح النووى، فأمريكا جددت ترسانتها النووية فى الوقت الذى كشف فيه بوتين عن مجموعة من الاسلحة النووية الجديدة.
ووفقا للمتحدث الرسمى للبيت الأبيض، فإن اللقاء يستهدف تخفيف حدة التوتر بين البلدين وخدمة مصالح الأمن القومى الأمريكى، فيما ذكرت الرئاسة الروسية أن الرئيسين سيبحثان واقع العلاقات بين موسكو وواشنطن وآفاق تطويرها، بالإضافة إلى المسائل والقضايا الملحة والمدرجة على الأجندة الدولية وفى مقدمتها الملف السوري.
احترام متبادل بين بوتين وترامب جعل الأخير يعول نجاح اللقاء الذى سيجريه وجها لوجه مع نظيره الروسى على " الدبلوماسية الشخصية "، حيث يحمل اعترافا أمريكيا بأن محاولات العزل والتهميش باءت بالفشل، وأن روسيا قوى عظمى لايمكن تجاهلها، أما بوتين فانه يتوجه للقاء نظيره الأمريكى ،وهو على أعلى درجات الاستعداد ويعرف جيدا ما يسعى لتحقيقه، لأنه مفاوض ذكى وحازم، وتحت قيادته أصبحت روسيا قوة توازن إقليمى قوى فى منطقة الشرق الأوسط لاحتفاظها بعلاقات جيدة مع إسرائيل وإيران والسعودية والإمارات.
القمة لن تقف عند حد العلاقات الثنائية وقضايا الاستقرار الاستراتيجى وما يرتبط بها من الحد من التسلح وستتجاوزها صوب الاوضاع فى أوكرانيا وسوريا وشبه الجزيرة الكورية، ولكنها لن تسفر عن انسحاب واشنطن من الاتفاقية الخاصة بالدرع الصاروخية ولن توقف المناورات العسكرية الأمريكية فى بحر البلطيق، ولن تؤدى إلى تنازل روسيا عن القرم أو تخلى كل من واشنطن وموسكو عن التسليح.
لقاء تاريخى كان الرئيس ترامب قد وعد به خلال حملته الانتخابية، متعهدا بتحسين العلاقات مع روسيا دون أن يربط ذلك بإعادة القرم، فضلا عن قوله للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل أن الأزمة الأوكرانية مسئولية الاتحاد الأوروبى، ويأتى فى أعقاب حضور ترامب قمة حلف الأطلنطى ( الناتو ) ببروكسل أواخر الأسبوع الماضى، والتى شهدت مواجهات عاصفة مع الحلفاء من القادة الأوروبيين، ثم زيارة غير مرغوب فيها شعبيا لبريطانيا .
هل ينجح ترامب فى ترويض الثعلب الروسى؟
نجح ترامب حتى الآن فى ترويض العديد من فرسان الساحات السياسية فى اوروبا بما يخدم مصالح الصناعة العسكرية وكبريات الشركات والمؤسسات الأمريكية فى اوروبا ومنطقة الشرق الاوسط فى توقيت مواكب مع أبرز نجوم المعسكر الشرقى، فهل سينجح فى ترويض الثعلب الروسى؟، حيث تبدى موسكو استعدادا للمضى فى طريق تطوير العلاقات مع واشنطن بنفس الدرجة التى تبدو واشنطن استعدادها لها.
يصعب توقع ما يحدث لأن ترامب معروف بأسلوبه غير الاعتيادى، ولكن المستشارين الأمريكيين استبعدوا تغييرات كبيرة، حيث سيجرى الرئيسان محادثات مغلقة لا يحضرها إلا المترجمون، وقد يتفق الطرفان على إعادة العلاقات الدبلوماسية لسابق عهدها بعد عمليات الطرد التى أعقبت حادثة تسميم جاسوس روسى سابق في بريطانيا.
قلق أوروبى من قمة القصر الأصفر
وتعد الدول الأوروبية أكثر تأثرا لأنها تخشى تهديدات روسيا، ولكنها تعتمد على الغاز الروسى، حيث بدا واضحا القلق الأوروبى، من مباحثات القمة خشية اتخاذ قرارات دون الرجوع للاتحاد الأوروبى، وفى ظل ما كشف عنه الرئيس ترامب من مواقف تجاه الاتحاد وحلف الناتو، وفي وقت كرر فيه ترامب، أن لقاءه المرتقب مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين في هلسنكى أسهل من هذه القمة ( قمة حلف الناتو)، مما أقلق حلفائه الأوروبيين من ماسيمنحه ترامب لخصمهم بوتين، وبعد أن كشف عن رغبته بعلاقات أفضل مع روسيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة