محمود حمدون يكتب: بر الأمان

الأربعاء، 18 يوليو 2018 06:00 م
محمود حمدون يكتب: بر الأمان زفاف – صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

للعُرس طقوس، سمع بها، سخر كثيراً من زملائه الذين أوقعهم - حسب زعمه - حظهم العاثر لممارستها، لكنه اليوم بل تلك الساعة يخرج من "الحمّام" بعد أن مكث غير قليل، لا نزعم كراهيته للنظافة، لكنه أيضًا لم يكن من مُحبى الاستغراق فيها لدرجة الملل.

قرابة ساعتين، هو نفسه استغرب من طول الفترة! مهمة أدرك ثقلها مبكراً،فتعليمات الأقارب وتحذيرات الأصدقاء كانت واضحة ينبغى أن تمرّ بتجربة حمام "العُرس" حتى تخرج إلينا شخص آخر غير ما عرفنا سابقاً.

بخروجه بتمام الواحدة ظهرًا، اختلفت هيئته، لدرجة أنه أنكر نفسه، من هذا وأشار بسبابته اليمنى للمرآة؟! حديث طويل بينه وبين نفسه، محاولات مستميتة للفرار، التعللّ بحجج واهية للهروب من مصير كان يخشاه سنوات .

من غريب أن كهل مثله تجاوز الخمسين بقليل، أضرب عن الزواج عمره كله، يقع فى الشرك من جديد، يُصبح بين لحظة وأخرى ضحية تعى ما تُقدم عليه.. هكذا حدّث نفسه بصوت عال، فردّت عليه نفسه الأمّارة بالسوء كما ينعتها: ينبغى أن تتزوج، فالاستقرار لمن فى مثل عُمرك ضرورة، من أوشكت شمسه أن تغرب، الوحدة قاتلة يا عزيزى، تذكّر تلك اللحظة التى يأتيك فيها زائر لا يظهر لمُضيفه إلاّ مرة واحدة، زيارة كريهة لكنها قدر، من سيكون بجوارك آنذاك؟! من سينوح ويلطم الخدود عليك، يشق الجيوب؟!

ثم استدرك الصوت أن الحديث اتخذ منحى مُقبض حزين، فأردف: ثم إن هناك حسنات كثيرة لهذا التصرف، ليس هنا مقام الحديث عنها، أسرع عافاك الله.

"عبد الكريم" لم يتهوّر يوما بحياته، كما كان ينأى بنفسه عن مواطن الشجار والنزال بدعوى أن العقل زينة، أن الرجل الأريب من يبتعد عن المهالك، يتحسس مواطن الخطر ثم يقفز بينها وصولاً لبر الأمان .

انتهى من ارتداء حُلّته الجديدة، سوداء اللون كقلب الكافر، أحكم ربطة عنقه فشعر كأنها مشنقة تلتف دون رحمة حول رقبته، تفصيلات أخرى تجاهلها، فى سرّه يلعن زمرة الشياطين التى زيّنت له تلك الفعلة، أين هم؟!

كانت فى انتظاره عربة فارهة لم ير فيها سوى واحدة من تلك التى تنقل المحكوم عليهم لمستقّرهم الأخير، بجوار السائق كان صديق يسترسل فى الكلام عن فضيلة الزواج، النصف الثانى من الدين واجب القضاء، تأمله "عبد الكريم" فرأه كنسناس يقفز بين أفرع أشجار غابة، محاولاً النجاة بنفسه بينما تنتظر الجياع من اللئام سقوطه بين أسنانها.

عندما وصل لسرادق الفرح، وجد صمتاً رهيباً، أمر انقبض له صدر الرفيق بينما غمرت "العريس" سحابة من سرور، فأدرك أن السماء لا تزال تستظله برحمتها.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة