فى سباق مع الزمن وقبل حلول أغسطس المقبل الذى سيطبق فيه قانون العقوبات الأمريكية ضد إيران، سلمت البلدان الأوروبية حزمة مقترحات إلى إيران، فى الاجتماع الذى عقد فى العاصمة النمساوية فيينا أمس الجمعة لأول مرة عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى فى 8 مايو الماضى، وبينما غابت واشنطن حضرت مجموعة بلدان (4+1) وهى (فرنسا بريطانيا روسيا الصين بالإضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبى)، وإيران على مستوى وزراء الخارجية، فى محاولة من جانب تلك الدول لتقديم عرض يرضى طهران ويحفزها على البقاء فى الاتفاق، وبالتالى إنقاذه من انسحاب إيرانى مدمر لصفقة باتت تترنح منذ أن أعلنت واشنطن الانسحاب وإعادة العمل بالعقوبات.
عشية الاجتماع أرسلت البلدان الأوروبية إلى الخارجية الإيرانية حزمة مقترحات غير معلنة، لم ترض الرئيس الإيرانى الذى سارع بالاتصال بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووصفها بأنها "مخيبة للآمال"، وقال "تفتقر إلى حلول عملية وأسلوب محدد لمواصلة التعاون، وتتضمن فقط التزامات ذات طابع عام تشبه تلك التى أعلن عنها الاتحاد الأوروبى سابقا".
جواد ظريف وموجرينى
ورغم ذلك وخلال الاجتماع كان لطهران ما أرادت حيث تمكنت من انتزاع اعتراف أوروبى، بحقها فى تصدير النفط والغاز، رغم مساعى الولايات المتحدة لفرض حظر كامل على صادرات النفط الإيرانية فى العالم، وبدا الاجتماع وكأنه حلف أوروبى - إيرانى فى مواجهة الولايات المتحدة يتصدى لقراراتها ضد طهران، وهو ما دفع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وصفه بعزلة أمريكية، وكتب تغريدة له قال فيها: "أن نتائج اجتماع اللجنة المشتركة على مستوى وزراء الخارجية، لتنفيذ "اتفاق إيران النووى" فى فيينا أظهرت العزلة التى تعيشها واشنطن" وكتب نتائج الإجتماع، حيث "التزم الجميع بضمان مصالح بلاده، ما يعنى أن الولايات المتحدة معزولة، وأجمعوا على التحرك بالاتجاه الصحيح وبخطوات محددة من أجل تنفيذ الالتزامات، كما أكدت إيران على حقها فى الرد على أى انتهاكات من قبل الولايات المتحدة".
الفريق النووى الإيرانى
وجاء في بيان مشترك صدر فى ختام الاجتماع، أنه بعد أكثر من ساعتين من المناقشات "فى أجواء بناءة وتتسم بالثقة" نشر المشاركون فى الاجتماع لائحة من 11هدفا ترمى إلى "توفير حلول عملية للإبقاء على تطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران"، علاوة على دعم صادرات النفط الإيرانى "الحفاظ والإبقاء على قنوات مالية فاعلة مع إيران، واستمرار عمليات التبادل بحرا وبرا وجوا وعبر السكك الحديدية، وتطوير تغطية الائتمان عند التصدير، ودعم واضح وفاعل للمشغلين الاقتصاديين الذين يتاجرون مع إيران، وتشجيع الاستثمارات الجديدة، وحماية المشغلين الاقتصاديين لجهة استثماراتهم وأنشطتهم المالية فى إيران".
"The participants in the #JCPOA reconfirmed their commitment to the full and effective implementation of the nuclear deal" @FedericaMog #IranDeal https://t.co/Vqal2fKUJb pic.twitter.com/96SkIal8YM
— European External Action Service - EEAS 🇪🇺 (@eu_eeas) July 6, 2018
لكن الدول الموقعة على البيان لم تحدد الوسائل العملية لرفع هذا التحدى، في وقت بدأ شبح العقوبات الأمريكية يدفع مستثمرين أجانب إلى مغادرة إيران، لكن البيان أكد أن هذه الدول ستعمل على إعداد "حلول عملية عبر جهود ثنائية".
الاتفاق النووى ينتظر قرار طهران بعد اجتماع فيينا
وبعد الاجتماع أعلن وزير الخارجية الايرانى، أنه سينقل الالتزامات المطروحة وسيتخذ كبار مسئولى البلاد القرار اللازم بهذا الشأن، فيما أعلن رئيس لجنة الأمن القومى والسياسة الخارجية فى البرلمان حشمت الله فلاحت بيشة بان اللجنة ستعقد اجتماعا لدراسة رزمة المقترحات الأوروبية، وقال النائب إن لجنة الأمن القومى والسياسة الخارجية البرلمانية ستقوم بإعداد تقرير على أساس التطورات الجديدة فى الاتفاق.
#Iran FM @JZarif: Our decision now is to transfer the commitments to Iran & then senior officials will decide. Based on predictions, in the first place we’ll give them the chance to make the commitments operational... If they cannot implement them successfully, we’ll act. #JCPOA pic.twitter.com/qE5w6Dojvl
— Abas Aslani (@AbasAslani) July 6, 2018
المتشددون داخل إيران يدقون على طبول تدمير الاتفاق
وفى طهران بينما يجرى العمل الدبلوماسى على قدم وساق فى فيينا، بات التيار المتشدد -الذى يرفض الاتفاق من أساسه ويرى أن طهران منحت من خلاله امتيازات للغرب وتنازلت عن حقوقها، وأبرز كوادر هذا التيار هو حسين شريعتمدارى رئيس تحرير صحيفة كيهان المتشدد، يدق على طبول تدمير الاتفاق وهو ما طغى على ردود أفعال الصحف الإيرانية الصادرة السبت، حيث استحوذت نتائج اجتماع فيينا على أغلفة والصفحات الأولى للجرائد الإيرانية.
وفى هذا الصدد، عبرت الصحف الإصلاحية فى مانشتاتها عن تفاؤلها بوقوف الأوروبيين إلى جانب طهران فى أزمة الملف النووى ومنح طهران ضمانات تمنحها مقومات البقاء، وعلى الجانب الآخر هاجمت الصحف المتشددة المقترحات الأوروبية والتى لم يتم الإعلان عنها فى وسائل الإعلام، مستندة فى ذلك إلى تصريحات روحانى عشية الاجتماع للمستشارة الألمانية بأن المقترحات مخيبة للآمال، وتصريحات ظريف الذى اعتبرها غير كافية ووصفتها بأنها مضيعة للوقت.
وعلى صدر صفحتها كتبت صحيفة "آرمان" عنوان "الظل المشرق للالتزامات الأوروبية"، قالت إن الولايات المتحدة الأمريكية فى عهد الرئيس دونالد ترامب، تسعى لتحديد أطر العلاقات بين البلدان، وأيضا بصدد أضعاف دور بلدان أخرى.
وفى المقالة الافتتاحية للصحيفة نفسها، تحت عنوان "حزمة المقترحات الأوروبية فى مأزق"، حذر الكاتب الإيرانى سيد على خرّم، من التهديد الإيرانى المستمر لأوروبا من الانسحاب من الاتفاق النووى، داعيا بلاده لمراعاة العلاقات الوثيقة مع أوروبا حتى لا تقوى شوكة معارضة إيران فى أوروبا، لافتا إلى أنه لا ينبغى انتظار أن تفتح أوروبا أبوابها أمام التهديدات بغلق مضيق هرمز التى يطلقها المسئولين الإيرانيين.
وفى صحيفة "شرق" الاصلاحية نشرت صورة لاجتماع فيينا أمس لوزير الخارجية جواد ظريف ومنسقة الاتحاد الأوروبى فدريكا موجرينى، وكتبت "الاتفاق النووى ينتظر قرار طهران"، أما صحيفة "إيران" المقربة من حكومة روحانى، وصفت حزمة الاقتراحات الأوروبية بـ حزمة بقاء الاتفاق النووى، ونشرت تصريح لظريف قال فيه أن المقترحات يمكن تطبيقها لكنها غير كافية.
صحيفة كيهان المتشددة
أما صحيفة "كيهان" المتشددة، كتبت عنوان جانبى واصفة حزمة المقترحات الأوروبية بالفارغة، وقالت فى تقريرها أن البنود الـ 10 للجنة الاتفاق النووى بالإتحاد الأوروبى، تفتقد الضمان للاحتفاظ بالاتفاق أمام الانتهاكات والعراقيل التى تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية، معتبرة أنها تعد تكرار للأدبيات العامة والغامضة وممتلئ بالشعارات العامة، ولا تطرح ضمانات محددة وسبل التصدى للعقوبات التى عمليا دمرت الاتفاق.
وفى نفس السياق، جاء مانشيت صحيفة جام جم ورسالت، على التوالى "قطع الأمل من حزمة المقترحات"، و"أوروبا خيبت آمال روحانى"، ونشرت "عصر إيرانيان" صورة على غلافها للعلم الأمريكى وعلم الاتحاد الأوروبى، وكتبت "ثنائى فارغ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة