عادت من جديد تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تثير الجدل، بعد أن أطلق دعوة للقاء قادة إيران دون شروط، خلال معرض رده على سؤال ما إذا كان مستعدا للقاء الرئيس الإيرانى، على غرار لقاء زعيمى كوريا الشمالية وروسيا، جاءت الإجابة مفاجأة لكثيرين إذ قال: "لا أدرى إن كانوا مستعدين. أعتقد أنهم يريدون لقائى. أنا مستعد للقائهم متى أرادوا"، معتبرا أن هذا اللقاء "سيكون جيدا لهم وجيدا لنا وجيدا للعالم أجمع»، خصوصا "إذا ما استطعنا أن نفعل شيئا ذا مغذى لا يكون إهدارا للورق مثل الاتفاق النووى السابق" المبرم فى 2015.
تصريحات ترامب حول لقاء الإيرانيين أو الاتصال بهم لم تكن الأولى، ففى الـ 12 من يوليو الجارى قال ترامب للصحفيين من بروكسل إنه يتوقع أن تتواصل إيران معه يوما ما وتقدم عرضا لتهدئة المخاوف الأمنية الأمريكية، وقال ترامب: "يعاملوننا باحترام أكبر بكثير الآن مقارنة بما كان عليه الحال فى السابق".. "أعلم أن لديهم الكثير من المشاكل وأن اقتصادهم ينهار. لكن فى مرحلة ما سيتصلون بى وسيقولون فلنبرم اتفاقا. إنهم يشعرون بألم كبير الآن"؛ تزامنت هذه التصريحات مع مكاشفات إيرانية جديدة حول مساعى ترامب للقاء روحانى على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة 2017.
ترامب
لكن هذه المرة تزامنت أيضا تصريحاته مع حديث فى الأوساط الإعلامية والإيرانية عن وساطة تقودها عمان، بين الولايات المتحدة وإيران، لاسيما وأن وزير خارجية مسقط يوسف بن علوى سيزور إيران قريبا بعد سفره إلى واشنطن تبعه زيارة مفاجأة قام بها نظيره الإيرانى لعمان محمد جواد ظريف، والذى يقوى من احتمالية هذه الفرضية هو الدور الوساطة التاريخية التى قامت بها مسقط بين واشنطن وطهران حيث لعبت دورا رئيسيا لعودة إيران للمفاوضات النووية فى 2013 وجرت مفاوضات سرية فى السلطنة بين واشنطن وطهران عام 2012، لكن كل ذلك الأمر نفته الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث بهرام قاسمى قائلا "مع أمريكا وسياساتها المتبعة لا توجد إمكانية للتعامل والتفاوض" الولايات المتحدة غير موثوقة.
إشارات أمريكية متناقضة
إشارة ترامب بالأمس جاءت متناقضة، ففى الوقت الذى قال أن اللقاء مع الإيرانيين سيجرى "دون شروط" يبدو أنه تناسى الشروط الأمريكية الـ 12 التى طرحها وزير خارجيته مايك بامبيو فى مايو الماضى، من أجل التوصل لإتفاق جديد مع إيران، وكان أبرزها سحب قواتها من سوريا ووضع حد لدعمها للحوثيين فى اليمن، الأمر الذى دفع بومبيو عقب دقائق من دعوة ترامب للتأكيد على الشروط وعبر محطة "سى أن بى سي" الأمريكية قال أن لقاء القمة هذا قد يحصل "فى حال اظهر الايرانيون انهم مستعدون لتغييرات جوهرية فى طريقة معاملة شعبهم، واذا غيروا سلوكهم الخبيث فى الشرق الأوسط"، واذا اظهروا انفتاحا على اتفاق نووى يمنع حقا الانتشار النووي".
وبخلاف دعوة ترامب، بدت إشارات الإدارة الأمريكية تجاه إيران متناقضة، فمع مساعى الصقور الأمريكية لتقويض طهران ومنع تطوير برنامجها الصاروخى، عبر أدوات عدة منها شن حروبا اقتصادية قد آتت أكلها تقريبا بعد تدهور قيمة عملتها المحلية "التومان"، ودعم المعارضة الإيرانية بالخارج، وارتفاع وتيرة التصريحات الأمريكية التى تدعو إلى تغيير النظام فى إيران، لا سيما بعد الدعوات الأخيرة التى أطلقها وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو قال فيها أن الولايات المتحدة تفرض أقوى عقوبات فى التاريخ ضد القيادة الإيرانية. وجائت تصريحات محامى ترامب رودى جوليانى فى مايو الماضى بأن "ترامب ملتزم بتغيير النظام فى إيران". رغم ذلك جاء تصريح على لسان وزير الدفاع الأمريكى، جيمس ماتيس، فى الـ 27 يوليو الجارى "إن الولايات المتحدة تسعى لتغيير سلوك النظام فى إيران ووكلائه، وتهديداته فى المنطقة."
الملفات التى يرغب ترامب فى التفاوض بشأنها مع إيران
وبات السؤال الأبرز هو ماذا وراء دعوة ترامب للقاء روحانى، الوقائع تشير إلى أن الرئيس الأمريكى لا يكترث كثيرا بالبرنامج النووى الإيرانى ولا بالتزامها بتطبيق الاتفاقية النووية المبرمة عام 2015، والتى انسحبت منها واشنطن فى الـ8 من مايو 2018، فتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير إلى التزام طهران ببنود الاتفاق، بل كل ما يشغل باله ويرى أن الاتفاق لم يكن مُجدى بالنسبة له وكان سببا من أسباب انسحابه، وهو "نفوذ طهران الاقليمى"، فهو يرغب فى تقويض دورها فى العراق ولبنان واليمن ومحاولات زعزعة الاستقرار فى الخليج، إضافة إلى منع تطوير برنامج الصواريخ الباليستية والكشف عن ترسانتها من الأسلحة التى ترى واشنطن أنها تعد مصدر تهديدا لحلفائها لاسيما إسرائيل.
لذا فسيكون "الاتفاق الحقيقى" الذى يتحدث عنه ترامب دوما، فى حال جلست إيران على طاولة المفاوضات -وهو أمر غير مرجح- بشأن الملفات الاقليمية والتنسيق بين واشنطن وطهران فى مناطق النزاع الاقليمى، واحتواء تهديدات إيران الإقليمية لحلفاء واشنطن، منها ملف تمويل إيران لأذرعتها(حزب الله اللبناني وحماس والحوثيين) وقد يمتد الأمر إلى وقف نشاط فيلق القدس التابع للحرس الثورى فى الخارج، وخفض وتيرة تطوير برنامجها الباليستى، أما البرنامج النووى فسيأتى فى المرتبة الأخيرة، لكن يبدو أن هذا الأمر حاليا سيكون بعيد المنال فقد رفض المرشد الأعلى الإيرانى أول مايو الماضى التفاوض حول دور طهران الإقليمى.
طهران تترك الباب مواربا أمام ترامب لكن بشروط
ورغم الرفض الإيرانى المسبق لدعوة ترامب، إلا أن رد الدبلوماسية الإيرانية جاء مختلفا بعض الشىء، فقد ترك الباب مواربا أمام الرئيس الأمريكى، ووضعت طهران شروطها للحوار، على نحو ما قال مستشار الرئيس الإيرانى، حميد أبو طالبي، الذى اشترط عودة أمريكا للالتزام بالاتفاق النووي مع بلاده، واحترام دولة إيران، قبل بدء أي محادثات بين طهران وواشنطن. وكتب أبو طالبي على حسابه في تويتر: "يجب على أولئك الذين يؤمنون بالحوار كطريقة لحل النزاعات في المجتمعات المتحضرة، أن يفعلوا الأشياء التالية أيضًا: احترام دولة إيران العظيمة، والحد من الأعمال العدائية، والعودة إلى الاتفاق النووي. إن العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة هي شرط لا غنى عنه للحوار، يجب أن يتم إبرام الاتفاق النووي".
سال گذشته در مجمع عمومی UN پس از تهدید ملت بزرگ ایران، موضوع ملاقات دو رییس جمهور مطرح شد؛ اکنون هم پس از خروج از برجام، ملاقات بدون پیش شرط عنوان می شود!
— Hamid Aboutalebi (@DrAboutalebi) July 30, 2018
کسانی که به گفتگو به عنوان روش حل اختلافات در جوامع متمدن باور دارند، باید به ابزار آن هم ملتزم باشد: pic.twitter.com/NN0jK8evmh
تصريحات أبو طالبى جاءت متناغمة مع تصريحات متحدث الخارجية بهرام قاسمى أطلقها فى يونيو الماضى ردا تصريحات أمريكية مماثلة بأن الإيرانيون سيتصلون بواشنطن لعقد اتفاق جديد، قال فيها المسئول الإيرانى "ربما يوما ما سيتصل (ترامب) بطهران ويطلب المفاوضات، هذا هو المرجح أكثر." إذن لم ترفض طهران بشكل قاطع الحوار ولقاء أمريكى إيرانى مباشر مع قادة البلدين، بل وضعت الشروط من أجل إجراء اللقاء رغم رفض المرشد الأعلى.
ولا يمكن فصل "الباب الإيرانى الموارب" أمام ترامب عن الضغوط الداخلية التى تعيشها طهران، وتردى الوضع الاقتصادى وتسجيل العملة الإيرانية مستويات انخفاض تاريخية، والذى يعود إحدى أسبابه للحرب الكلامية بين قادة البلدين والتى ارتفعت وتيرتها الأشهر الأخيرة عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة