الاستثمار والبحث عن اتفاقات تجارية كانا بمثابة الشعار الذى تبنته رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى، فى رحلتها، اليوم الثلاثاء، إلى جنوب إفريقيا، فى إطار محاولتها المستميتة لإيجاد شركاء تجاريين جدد، من شأنهم تعويض بريطانيا عن الخسائر المتوقع أن تنجم عن خروجها من الاتحاد الأوروبى، فى ظل فشل الحكومة فى الوصول إلى حلول حول القضايا الخلافية مع الكيان الأوروبى خاصة فيما يتعلق بالاتفاقات التجارية.
ففى تصريحات لها على هامش الزيارة، أكدت رئيسة الوزراء البريطانية أنه من مصلحة بريطانيا تعزيز اقتصاديات أفريقيا، حتى يتسنى لرجال الأعمال البريطانيين الاستثمار هناك بشكل حر وعادل، وهو ما يعكس اهتمام لندن بإفريقيا باعتبارها سوقا واعدة، يمكنها أن تساهم فى احتواء التداعيات المتفاقمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وهو الأمر الذى قد يكلف الاقتصاد البريطانى الكثير من الخسائر فى المرحلة المقبلة، خاصة وأن الحكومة البريطانية لم تعد طرفا فى الاتفاقات التى عقدها الاتحاد الأوروبى مع القارة من قبل، وبالتالى فهناك حاجة ملحة لكى تعقد لندن اتفاقات جديدة مع دول القارة.
تيريزا ماى ورئيس جنوب أفريقيا
تعريفات ترامب.. هل تصب فى صالح أفريقيا؟
التوجه البريطانى نحو إفريقيا ليس بالأمر الجديد تماما، حيث يمثل انعكاسا للأهمية المتنامية للقارة الإفريقية، والتى أصبحت محلا للتنافس بين القوى الدولية الكبرى منذ عدة سنوات، إلا أن التطورات الأخيرة التى تشهدها الساحة الدولية، حيث إنه فى الوقت الذى تعانى فيه بريطانيا من تخلى جيرانها الأوروبيين عنها بسبب قرار الخروج من الاتحاد الأوروبى، تعانى قوى أخرى من جراء التخلى الأمريكى عنهم، على خلفية القرارات التى اتخذها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية على التجارة القادمة منها، وهو الأمر الذى من شأنه المساهمة فى إلقاء الضوء من جديد الفرص الواعدة داخل القارة، لتحقيق التنمية والمصالح المشتركة.
يبدو أن القرار الأمريكى بحرمان شركائها التجاريين من مزايا الدخول المجانى لمنتجاتها للسوق الأمريكى، سوف يصب فى صالح القارة السمراء، حيث تتحرك العديد من الدول إلى استكشاف المزايا التى تتمتع بها أفريقيا فى المرحلة الراهنة، فى إطار البحث عن بدائل للشريك الأمريكى، والرغبة فى تكوين تحالفات تجارية جديدة يمكنها تعويض خسائرها الناجمة عن تخلى الولايات المتحدة عنها، وهو الأمر الذى قد يؤدى إلى زيادة حدة التنافس الدولى بين القوى الدولية للفوز بالنفوذ داخل القارة.
زيارة متأخرة.. ماى تطرق باب أفريقيا بعد فشلها مع أوروبا وأمريكا
ولعل الزيارة التى تقوم بها ماى إلى أفريقيا جاءت متأخرة، حيث إنها الأولى من نوعها منذ وصولها إلى قمة السلطة فى المملكة المتحدة، فى عام 2016، إلا أنها على ما يبدو تعكس فشلها فى طرق الأبواب الأخرى، حيث سعت دون جدوى لاسترضاء أوروبا عبر البقاء تحت ولاية محكمة العدل الأوروبية من أجل الاحتفاظ بمزايا السوق الموحدة، كما أنها فشلت كذلك فى استرضاء الإدارة الأمريكية للحصول على مزايا تجارية مع الولايات المتحدة، بسبب ما يراه الرئيس ترامب موقفا متراخيا من قبل لندن فى التعامل مع الاتحاد الأوروبى.
تيريزا ماى تلقى كلمة أثناء زيارتها لجنوب أفريقيا
ففى خلال الزيارة الأخيرة التى أجراها ترامب إلى لندن فى الشهر الماضى، بدا الموقف الأمريكى معاديا لتوجهات حكومة ماى، وهو ما أعرب عنه حينها الرئيس الأمريكى عندما أعلن قبيل الزيارة عن احتمالات لقاء يجمعه بوزير الخارجية السابق بوريس جونسون، والذى كان قد أعلن استقالته قبل أيام من الزيارة، احتجاجا على تعامل الحكومة البريطانية مع المفاوضات الأوروبية، معتبرا أن حكومة ماى تحاول التحايل على إرادة البريطانيين الذين أعربوا عن رغبتهم فى الخروج من الاتحاد الأوروبى خلال الاستفتاء الذى أجرى قبل عامين.
اعتذار ضمني.. ماى تحاول تدارك خطأ كاميرون
يبدو أن اختيار جنوب إفريقيا لتكون محطة رئيسة الوزراء البريطانية الأولى فى أفريقيا يحمل فى طياته اعتذارا ضمنيا عن قرار اتخذته حكومة ديفيد كاميرون منذ سنوات ليست بالبعيدة بوقف المساعدات الاقتصادية التى تقدمها لندن إلى البلد الإفريقى فى إطار المساعدات التى تقدمها إلى الدول التى كانت تحت الاستعمار البريطاني، حيث قررت الحكومة البريطانية فى عام 2013، بالتوقف عن تقديم مبلغ 19 مليون جنيه استرلينى سنويا لجنوب إفريقيا باعتبارها قادرة على تحقيق التنمية دون مساعدات.
تيريزا ماى فى حوار مع الرئيس الجنوب أفريقى
إلا أن الوعود البريطانية التى قدمتها ماى خلال الزيارة ربما تمثل محاولة لتدارك الخطأ الذى ارتكبه ماكرون، من خلال العمل على زيادة الاستثمارات البريطانية فى أفريقيا وفتح أسواق جديدة فى القارة السمراء للمنتجات البريطانية، حيث إنها تعكس حقيقة مفادها أن تعزيز اقتصاد دول القارة السمراء سوف يصب فى النهاية فى المصلحة البريطانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة