"يمكننا استدعاء حالة الطوارئ لحماية أمن بلادنا".. هكذا قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى خطابه أمس، تعليقا على موقف الديمقراطيين، الذين يهيمنون حاليا على مجلس النواب، تجاه تمويل الجدار الذى يسعى لبنائه على الحدود مع المكسيك لمنع تدفق المهاجرين، وهو ما يمثل نقلة نوعية ليس فقط فى إطار الأزمة بين الكونجرس بتشكيله الجديد من جانب والبيت الأبيض من جانب أخر، ولكن ربما فى العديد من القضايا التى تمثل هاجسا للرئيس ترامب، فى ضوء ما يواجهه من حملات شرسة تتبناها المعارضة الديمقراطية منذ انتصاره التاريخى على منافسته هيلارى كلينتون فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة التى عقدت فى نوفمبر 2016.
حديث الرئيس الأمريكى عن إعلان حالة الطوارئ تمثل الورقة الأخيرة بالنسبة له، حتى يتمكن من تمويل الجدار المثير للجدل، متجاوزا موافقة الكونجرس الأمريكى، خاصة وأنه يعتبر أن الحدود المفتوحة تمثل تهديدا صارخا للأمن القومى الأمريكى فى ظل احتمالات تسلل عناصر إجرامية وتجار مخدرات إلى الداخل الأمريكى، وهو ما سبق وأن عبر عنه فى العديد من المناسبات، متهما رافضى مشروعه، من أعضاء الحزب الديمقراطى، بتجاهل أمن الأمريكيين، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان إعلان حالة الطوارئ هو بمثابة السلاح الذى سوف يستخدمه الرئيس لمجابهة الأغلبية الديمقراطية بالكونجرس فى كافة القضايا فى المرحلة المقبلة.
رهان ترامب.. الرئيس الأمريكى يسعى لـ"تفويض" من الشعب
إعلان الرئيس الأمريكى عن احتمال قيامه بفرض حالة الطوارئ لتمرير قراره المتعلق بالجدار، فى خطاب للأمة، أمس الثلاثاء، يمثل انعكاسا صريحا لثقته الكاملة فى تعاطف الأغلبية العظمى من الأمريكيين مع رؤيته، والتى كانت سببا فى فوزه فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، خاصة وأن التدفق الكبير للمهاجرين إلى الأراضى الأمريكية لا يقتصر فى تداعياته على التهديدات الأمنية المترتبة عليه، وإنما يمتد كذلك إلى الجانب الاقتصادى، فى ظل مزاحمة هؤلاء المهاجرين للمواطنين فى فرص العمل والمزايا والخدمات التى تقدمها الحكومة لهم فى مختلف المناحى.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
وهنا يصبح خطاب الرئيس الأمريكى بمثابة رهانا جديدا على المواطنين الأمريكيين، ليس فقط من المنتمين إلى الحزب الجمهورى، ولكن من أصحاب النزعة القومية، والذين راهن عليهم ترامب منذ بداية بزوغ نجمه على الساحة السياسية، وكانوا السبب الرئيسى وراء فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، وسعيا للحصول على "تفويض" من قبلهم لتحقيق رؤيته فى المرحلة المقبلة، خاصة مع نجاحه الكبير فى تحقيق طفرة اقتصادية تمكنت من خلالها الولايات المتحدة من تحقيق معدلات كبيرة فى النمو الاقتصادى، بالإضافة إلى انخفاض كبير فى معدلات البطالة على عكس ما شهدته حقبة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
الكرة فى ملعب المواطن.. الطوارئ لإنهاء الإغلاق الحكومى
ولعل التوقيت الذى اختاره الرئيس الأمريكى للتلويح بإعلان حالة الطوارئ لتمويل الجدار العازل يبدو مثاليا إلى حد كبير، خاصة وأنه يبقى الحل الوحيد المتاح لإنهاء الإغلاق الجزئى للحكومة، والذى تسبب فى فقدان عدد من المواطنين لوظائفهم، حيث جاء قرار الإغلاق الذى اتخذه ترامب متزامنا مع عطلة عيد الميلاد والعام الجديد، وبالتالى مازال لم يشعر المواطنون بتداعيات مؤلمة للقرار على حياتهم اليومية أو على الاقتصاد بشكل عام.
الكونجرس
يبدو أن الرئيس الأمريكى يلقى بالكرة فى ملعب المواطن الأمريكى، والذى يبقى فى حاجة ملحة إلى عودة العمل بالحكومة فى المرحلة الراهنة، وبالتالى لن يجد سبيلا سوى دعم الخطوة التى يسعى الرئيس الأمريكى إلى اتخاذها بإعلان حالة الطوارئ للحفاظ على فرصته فى البقاء بوظيفته، وعودة الحياة إلى وتيرتها، فى ظل تعنت الحزب الديمقراطى فى التعاطى مع مطالبات الرئيس الأمريكى بتمويل الجدار المزمع بناؤه على الحدود مع المكسيك بأكثر من 5.5 مليار دولار.
الأمن أولوية.. عصا الطوارئ لإعادة تشكيل المشهد الأمريكى
ولكن يبقى لجوء الرئيس ترامب إلى عصا الطوارئ لمجابهة الأغلبية بالكونجرس، مخالفا إلى حد كبير مع الأعراف الديمقراطية التى طالما تشدقت بها الولايات المتحدة، بل وكانت سببا رئيسيا فى تدخلها فى شئون الدول الأخرى خلال عقود طويلة من الزمن، خاصة وأن الخطوة ربما تمثل بداية لخطوات وإجراءات أخرى من شأنها إعادة تشكيل المشهد الأمريكى، على مختلف الأصعدة، سواء سياسيا أو إعلاميا، فى ظل استهدافه المتواتر من قبل العديد من منظمات المجتمع المدنى والمنصات الإعلامية المدعومة من قبل المعارضة الديمقراطية.
استنفار أمنى على الحدود الأمريكية المكسيكية
ولعل التهديدات التى تواجهها العديد من الدول الغربية فى السنوات الأخيرة نتيجة سياساتها التى قامت فى الأساس على فتح أراضيها أمام أعداد كبيرة من المهاجرين، وكانت سببا رئيسيا فى العديد من الحوادث الإرهابية، تمثل هاجسا فى عقلية المواطن الأمريكى، والذى يعطى أولوية كبيرة لأمنه على حساب الديمقراطية، وهو الأمر الذى يدفع الرئيس الأمريكى إلى انتهاج سياسة ربما أكثر استبدادا فى المرحلة المقبلة فى سبيل الوفاء بالتزامه لتحقيق الأمن للمواطن الأمريكى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة