لم تكن مرحلة الطفولة محطة لا قيمة لها فى حياتنا، فعلى الرغم من وعينا الذى لم يتكون بعد وعدم إدراكنا للأشياء بشكل صحيح، إلا أننا ندرك شغفنا وحبنا للأشياء منذ اللحظة الأولى، وهذا ما حدث مع الدكتور أحمد عبد الفتاح الذى أصبح خلال الساعات القليلة الماضية من أشهر النحاتين بعد انتشار صورة تمثاله الواقعى للأديب نجيب محفوظ، الذى نحته بحرفية شديدة تجعلك تعتقد أنه شخص حقيقى جالس على كرسيه.
تمثال نجيب محفوظ
ويخص الدكتور "أحمد عبد الفتاح" اليوم السابع بحديث خاص عن حياته وموهبته قائلًا: "كان حبى للرسم والفنون والنحت بصفة خاصة معايا من الطفولة، وكان بيكبر معايا وبتكبر موهبتى وشغفى بالفن، وكنت بقضى ساعات طويلة فى اللعب بالصلصال لحد ما اعمل منه أشكال"، ومن هنا كانت بداية قصته مع الفن.
لم ينته هذا الشغف بمرور السنين بل ظل محتفظًا به إلى أن أدرك هذا الشغف الذى يطلق عليه نحتًا، وكان فى ذلك الوقت لا يوجد لديه فيه أية معلومات عن هذا الفن، سوى موهبته وشغفه به، وظل يبحث عن هذا الفن إلى أن صادفته معلومة استخدام الطين الأسوانى فى النحت، مما جعل والده يحرص أثناء سفره على أن يحضره له لتنمية موهبته.
حرص منذ البداية على الالتحاق بكلية الفنون الجميلة واختار قسم النحت حتى يتسطيع أن يدرس ذلك ويتعلم الكثير عن هذا المجال فى زمن لم يكن فيه الإنترنت من الأشياء المعهودة وبالتالى كان يواجه صعوبة فى التعلم، وكان من ضمن المتفوقين فى هذه الكلية مما جعل له مكانة مميزة جعلته يصل إلى درجة أستاذ جامعى، وعمل فى مجال التدريس بكلية الفنون الجميلة، ولكنه بعد فترة من توليه لمنصبه وجد أن المجال الأكاديمى ليس ما كان يبحث عنه ليشبع شغفه وموهبته، وفى ذلك الوقت قرر أن يترك التدريس، وأن يؤسس لنفسه عمله الخاص بمجال النحت، من خلال إنشاء أتيليه خاص به.
حرص الدكتور أحمد دائمًا على تقديم ما هو جديد، فكان يجد أن النحت الهندسى التجريدى لا يصل إلى الناس بسهولة، وتوجد فجوة بينه وبين المجتمع، مما جعله يتجه إلى الأسلوب الواقعى، ليقرب فنه ويصل بالنحت إلى المجتمع والناس.
ويحكى عن حبه للنحت قائلًا: "بحب أقدم الحاجة المختلفة وغير التقليدية، بس أكتر حاجة بحب أعملها هلى الحاجات الكلاسيكية"، وعن تمثال نجيب محفوظ الذى انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى يقول إن أحد الأصدقاء عرض عليه صناعة تمثال واقعى يجسد شخصية الأديب العالمى من أجل أحد المشاريع التى سوف تقام فى الفترة المقبلة الخاصة بالشخصيات المصرية، كنموذج يمكنهم من خلاله تقييم مدى إمكانية إقامة هذا المشروع من عدمه، وقد حاز هذا التمثال الواقعى على إعجاب الكثير بسبب شدة واقعيته ووصوله إلى المصريين.
وأضاف أنه استخدم مادة البوليستر فى صناعة هذا التمثال، وذلك لأنها تعد من الخامات الشفافة التى تتناسب مع شكل جسم الإنسان وجلده، مما يسهل من عملية نحت التفاصيل عليها بشكل محدد ودقيق، حتى يخرج بهذه الصورة شبه الواقعية، وقد استغرق العمل على هذا التمثال ما يقرب من شهر.
حصل دكتور أحمد على العديد من الجوائز من قبل عن أعماله الفنية والمميزة أيضًا، ومنها جائزة الفنان راتب الصديق، التى حصد فيها المركز الأول عن عمله الفنى التجريدى الذى أطلق عليه اسم "العلاقة بين كتلتين"، كما شارك فى مسابقة صالون الشباب بنفس العمل، وحصل على المركز الأول أيضًا، مما جعل هذا العمل يعرض فى متحف الفن الحديث.
وشارك أيضًا فى معرض يسمى "سوبر ماركت" يقوم على فكرة الاستهلاك، وقدم خلاله عملا فنيا يجسد الإنسان بالطعام المستهلك، لكون الطعام هو أول شيء يأتى بالبال ليعبر عن الاستهلاك، ولتكون رسالة قوية يعبر من خلالها عن الضغوطات التى يتعرض إليها الإنسان والتى تجعله من ضمن الأشياء المستهلكة.
وللتعبير عن مرحلة ما قبل الثورة شارك فى معرض يسمى "شيفت ديليت 30"، وجاء عملة الفنى يتجسد فى صورة حيوان برأس "حمار" وجسد إنسان يوضع فى صندوق من الزجاج، ليعبر عن حالة الموت، أى موت هذه الفترة وعدم رجوعها مرة أخرى.
وبسؤاله عن الصعوبات التى واجهته فى هذا المجال يقول إن أهمها القدرة على معرفة ودراسة خواص وأساسيات كل مادة من الخامات المستخدمة، حتى يستطيع التعامل معها والوصول إلى النتيجة المطلوبة، وما تخضع لها من عمليات أثناء النحت من صب القوالب وغيرها، كما يوجد العديد من التقنيات التى لا تتم دراستها فى كلية الفنون الجميلة والتى تستطيع أن تتعلمها بمفردك وذلك كان صعبًا فى عدم وجود الإنترنت، إلا أن الوضع الآن أصبح أسهل بكثير بوجود الإنترنت والفديوهات الخاصة بذلك، وعن الصعوبات التى ما زالت موجودة إلى الآن فهى ثقافة المصريين عن النحت ووجود التماثيل، فلم يتم قبولها بالدرجة الكافية، واختتم حواره معنا بالتحدث عن أحلامه قائلًا: "نفسى أعرف كل الجديد والمختلف اللى ممكن يضيف لمجال النحت".