افتتح مفتى الجمهورية رئيسُ الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، الدكتور شوقى علام، الثلاثاء، أعمال المؤتمر العالمى السنوى الخامس للأمانة العامة، تحت عنوان: "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، والذى ينعقد بالقاهرة تحت مظلة دار الإفتاء المصرية وبرعاية من الرئيس عبد الفتاح السيسى، وتستمر فعالياته حتى غدًا الأربعاء.
وقال فى كلمته أن التعامل الحضارى فى إدارة الخلاف الفقهى، أنتج ثروة فقهية عظيمة لا مثيل لها فى تاريخ البشرية، وأثمر رحمة بين العباد وتعايشًا بينهم فى جو آمن يسوده الحب والرحمة والسلام، ولا زلنا نرث هذا الرقى الحضارى جيلًا بعد جيل، حتى نبتت فى أمتنا نابتة سوء انتهجت منهج الخوارج، وجعلوا من الفروع الفقهية أصولًا عقدية، كفَّروا بها كل من خالفهم.
ولفت مفتى الجمهورية، إلى أن الأمة قد تضررت كثيرًا من ممارسات هذه التيارات على اختلاف مشاربها وكثرة أهوائها، حيث أن التفكير تحول إلى تكفير متشدد لا يعترف إلا بذاته ولا يعتقد إلا فى نجاته، وقد تطور هذا التكفير إلى التفجير، وسفكت الدماء التى حرمها الله بغير حق، وانتشرت الفتن فى كل أرض نزلوا بها، حتى شكلوا خطرًا حقيقيًّا على العالم بأسره، وتوافق هذا التعاطى الجامد المتخلف مع إدارة الخلاف الفقهى بالتزامن مع مخططات دول وجهات لا تريد ببلادنا ولا بشعوبنا الخير، فنشأ عن ذلك التخلف أخطارٌ كبيرة تحيق بديننا وبشعوبنا وبأمننا، ولفت إلى أن واجب العلماء والفقهاء والمجتهدين، التصدى لهذه الأفكار الهدامة، قائلًا: "ها هى أمة الإسلام تصغى إليكم إصغاء الأمة إلى ما يقوله الإمامُ أحمدُ فى فتنة خلق القرآن المشهورة، وتستغيث بكم استغاثة المريض بالطبيب، وتعقد العزم على نبذ هذه التيارات الفاسدة وتسير على نهجكم الأصيل الموروث، فلا نجاة لأمتنا إلا باجتماع كلمتكم على مواجهة هذه الأخطار".
من جانبه قال وزير العدل، إن مصرُ هى قبلةُ العلمِ والعلماءِ وموطنُ الحضارةِ والثقافةِ، فقد كانت على مرِّ العصورِ والأزمانِ ولا زالت مركزَ إشعاعٍ ثقافى وحضارى أفادَ البشريةَ فى كافةِ العلومِ والفنونِ والثقافات، خاصةً فى مجالِ الشريعةِ الإسلاميةِ وعلومِها بما يمثلُهُ الأزهرُ الشريفُ ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف من ثقلٍ علمى وما يحملُه من سماتِ وسطيةٍ وتسامحٍ حافظتْ على رونقِ الإسلامِ وازدهارِهِ عبرَ خمسةَ عشرَ قرنًا من الزمان.
وأثنى وزير العدل على الموضوعاتُ والقضايا ذاتِ الأهميةِ الكُبرى التى يطرحُها المؤتمرُ العالمى للإفتاء فى كل عام لما تحملُهُ من أمورٍ تمسُّ أمتَنا الإسلاميةَ وتتواكبُ مع ما تمرُّ به من ظروفٍ ومستجداتٍ وتحديات، وهذا الذى تقومُ به دار الإفتاء المصرية وكافةِ مؤسساتِنا الدينيةِ التى تحملُ منهجَ الوسطيةِ والتسامحِ والتعايشِ السِّلمى بين الشعوبِ والحضاراتِ.
وأردف قائلًا: "وفى السنواتِ الأخيرةِ برزتْ إلى السطحِ جماعاتٌ لا تَستقى علومَها ومعارفَها الدينيةَ من مؤسساتِنا الدينيةِ العريقةِ بما تحملُهُ من وسطيةٍ ورحمةٍ، فلم يفرقُوا بين الخلافِ فى أصولِ الدينِ وثوابتِهِ وبين الخلافِ فى فروعِ الفقهِ التى تتغيرُ بتغيرِ الزمانِ والمكانِ والأحوالِ والأشخاص".
وعن المفاسد الناتجة عن الفكر المتطرف أشار وزير العدل، إلى أن ممارسةِ هذه الجماعاتِ المتطرفةِ ترتب عليها كثير من المفاسدِ التى وصلتْ إلى حدِّ تكفيرِ المجتمعاتِ الإسلاميةِ ثم تطورَ الأمرُ إلى ممارسةِ العنفِ الفردى والجماعى ثم إلى الحروبِ الأهلية وحروب الجيل الرابع والخامس إلى أن أصبحت هذه الجماعاتُ المتشددةُ عقبةً كبيرةً فى سبيلِ تقدمِ الأوطانِ وسلامةِ البلاد، وأصبحت أفكارهم تمثلُ خطرًا حقيقيا على السِّلم والأمنِ العالمي.
قال الدكتور بوعبدالله بو غلام الله، رئيس المجلس الإسلامى الأعلى بالجزائر، إن الله سبحانه وتعالى أرشد أمة الإسلام إلى أقوم المناهج وأتمها عندما قال تعالى فى القرآن الكريم "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم"، وأولوا الأمر هم العلماء كما قال الشيخ عبد الحميد بن باديس فى تفسيره للآية الكريمة، ذلك أن العلماء هم الذين يقومون بالنصيحة للأمة وفى مقدمة الأمة من ولاهم الله شؤونها وائتمنهم على مصالحها وتدبير أمورها.
وأضاف أن مهام العلماء لا تقتصر على مجال العبادات التى مآلها الآخرة وإنما تبدأ مهامهم بإرشاد الأمة وتربيتها وتوجيهها إلى القيم والمبادئ إلى شرعها الله للأمة فى حياتها الدنيا حتى تكون هذه الحياة جديرة بأن تضمن للمسلمين رضوان الله والسعادة فى الآخرة".
الى ذلك قال الدكتور محمد الخلايلة، المفتى العالم للمملكة الأردنية الهاشمية، أن أدب الاختلاف أصل عتيد فى شريعتنا الإسلامية وليس محل خلاف أو اختلاف، وقد نهل الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح من معين هذا الأدب وارتشفوا من رحيقه، لافتا إلى أن النظر إلى أن الاختلاف واقع لا محالة لعوامل متنوعة، فى مسائل تختلف فيها المدارك والأفهام، ولهذا لم يقصد سلفنا الصالح الاختلاف لذاته، بل كان الهدف عند الجميع هو القصد إلى موافقة الشارع فيما قصد، لذا فإن المختلفين وإن اختلفوا فى مسألة معينة فهم متفقون من جهة القصد إلى موافقة الشارع والوصول إلى مراده، فالمجتهد الذى يملك أدوات الاجتهاد مأجور على الاجتهاد سواء أصاب أو اخطأ، ونتساءل اليوم كيف سيطر هذا الأدب الجم على الخطاب المعاصر؟.
وأضاف أن فوضى الواقع والانحياز إلى أفكار منحرفه قد ذهب بهذا الأدب وأصبح الخلاف مذموما ينطوى على الغرور والتعصب لاتجاهات معينه وأقوال أشخاص وجماعات ولو كان فى هذا مخالفه صريحه للأدلة الشرعية فمتى كان فى فقهنا الإسلامى أن من يحرق نفسه أو يقتل نفسه شهيدا؟!.، كما أصبح الرد على المخالف بالسب والطعن فى العلماء، ولا نعتقد أن هناك فوضى فى الفتوى فى هذا الزمن بقدر ما نشعر أن هناك فوضى أخلاقيه وصراع تيارات عمت العقول عن إدراك الخلاف، ونتمنى أن نجد ردود شرعية وقبول للرأى الآخر لأن الفوضى جرفت الكثير من الإقدام الواذهان وانساق معها الكثير أنها أهواء تلاعبت بكثير من العوام.
ودعى إلى الاجتهاد الجماعى خاصة فى القضايا التى تهم الأمة جمعيا لضبط مقاصدها، لافتا إلى النبى صلى الله عليه وسلم قد استشار الصحابة فى أكثر من واقعه، ولو عدنا إلى سنوات مضت وتتبعنا الكثير من الفتاوى ووضعناها فى ميزان العدل والمقاصد والمآلات لوجدنا حجم الخطر الكبير الذى يحيق بنا، فالواجب الشرعى يحتم علينا أن نتناصح ونتبادل وجهات النظر، وأدب الاختلاف يجب ألا يضيع فى خضم الواقع الذى نعيشه لنرأب الصدع الذى الم بمجتمعنا.
كما وجه الدكتور عبداللطيف الأمين رئيس الوقف السنى العراقى، التحية لدار الإفتاء المصرية، على جهودها التى تقوم بها لخدمة القضايا التى تهم الأمة الإسلامية كافة، مشيرا إلى أن مصر تعد ذاكرة الأمة وتحمل تاريخ اوطان مؤكدا أن قراءة الكلمات فى مصر لها طابع خاص على النفس تدعوا بالشعور بالفخر والعزة.
وأشار إلى أن الأمة فى أشد الحاجة إلى مصر وعلماؤها، لأنها بمثابة خريطة حضارية فريدة من نوعها، وملتقى ومهد كافة الحضارات، لافتا إلى أن مشكلة الخلاف الفقهى تحتاج إلى اصطدام مع الواقع والتنبيه على أننا بحاجة إلى الانتقال من التفكير الخرافى إلى التفكير الذى ينقل الامة إلى الأفكار الحضارية.
وأكد على مكانة مصر وحضاراتها مؤكدا على مكانتها الكبيرة التى تتمتع بها فى تاريخ الأمتين العربية والإسلامية، مؤكدا أن القدس هى مدينة كبيرة وستظل الاهم الأعظم لكافة الدول العربية مهما طال الزمن.
قال الدكتور محمود صدقى الهباش، قاضى قضاه فلسطين، أن العلم جهاد الذى يحمى عقل الأمة من أى استهداف لها، والعالم والأمة الإسلامية بصفة خاصة تواجههم تحديات ونوازل على علماء الأمة التعامل معها، فهناك تحديات عالمية تحترم فقط القوى ولا تحترم الضعيف ولا الدين ومنها تحدى التطرف والإرهاب والجماعات الإخوانية والداعشية التى اختطفت ديننا تلك الجماعات التى لوثت عقول الناشئة فقد شرعوا للناس من الدين ما لم ينزل من عند الله.
وأضاف خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء بالعالم الخامس:" علينا استعادة عقول الشباب من تلك الأفكار المتطرفة، كذلك من التحديات التى واجهت الأمة قضية القدس التى نأتيكم منها فتلك القضية التى أكل عليها الزمن وشرب، فهذا التحدى الذى تعيشه القدس اليوم والتى تكاد أن تتنزع من قلب الأمة لكننا على ثقة انها لن تضيع، فعلى العلماء أن يحافظوا على تلك القضية فى عقول الناشئة، وعليكم كسر عزلة القدس والتى يفرضها الاحتلال فلماذا لا يتم كسر هذا الحصار بتحريض الناس على شد الرحال إليه باعتبارها القضية الاهم لدى المسلمون
الى ذلك قال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير محمد عياد خلال كلمته التى ألقاها نيابة عن شيخ الأزهر فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أن الإنسانية كلِّها بحاجة إلى هذا المؤتمر الذى يضم العديد من المحاور والقضايا التى تجمع بين القديم والحديث، وتحتاج إلى جهود حثيثة لتنزيل الأحكام الشرعية على واقِعِنا بكل مُعْطَياتِه المعاصرة تنزيلًا يليق بقُدْسِيَّة هذه الأحكام، مِن غير إفراط يدفع إلى التشدُّد البغيض الذى يقود إلى التطرف والإرهاب، أو تفريط يؤدى إلى الاستهانة بأحكام هذا الدِّين.
أضاف عياد أن رسالة هذا المؤتمر والتى تدعو إلى "استثمارِ الاختلافِ الفقهى فى كافَّة عصوره فى دعم التماسُك الاجتماعى المعاصر والمشاركة فى عملية العُمران، والإسهام فى الحضارة الإنسانية المعاصرة"، ورؤيته التى تتمثل فى "الخروج بمبادرات إفتائية تدعم التعايش والاستقرار والحوار الإنسانى، يسيران وَفْق منهج الأزهر الشريف، الذى صنع التسامح الفقهى والعقدى من خلال تلك التعددية التى قام عليها وارتكزتْ عليها مناهج الدراسة فيه؛ فقهًا، وفكرًا، ولغةً، حتى أصبح الأزهر الشريف منارة الوسطية والتسامح والتعددية، فإذا ما أُطلِق وصف من هذه الأوصاف كان عَلَمًا بالغَلَبَة عليه.
أوضح الأمين العام أننا لم نر التعصب المَقِيت، والخلاف المذموم إلا بعد ظهور جماعات التشدُّد والعُنف التى أَوْقَدَت نار الفِتَن والاحْتَراب بين المسلمين بعضهم بعضا بفُهُومها الغريبة وآرائِهَا الشاذة العجيبة، حتى بات العالم يعيش حالة مِنَ الصراع اللامُبَرر انعكست آثاره المدمرة على الأفراد والمجتمعات، بل وامتدت آثاره لتطال الحضارة الإنسانية فى كل مكان.
أشار عياد إلى أن هناك طائفة أخرى ظهرت وأَجْهَدَت نَفْسَها فى البَّحث عن كل رأى ساقط أو فكرة شاذَّة مُلقاة فى قَوارِع الطُّرُق فقدَّمَتْها للناس على أنها مِن الدِّين، والدين منها براء.
وقال وزير الاوقاف، نائبا عن رئيس مجلس الوزراء، انه علينا الانتقال من فقه ما قبل الدولة الحديثة لما بعد الدولة الحديثة وما يقضيه من الالتزام بمعاهدات الاوطان والمعاهدات والقوانين الدولية حتى لا تصتطدم بعض الفتاوى بالقوانين الدولية.
وأضاف أن الدولة تقوم على ثلاث مقومات هى الأرض والشعب والسلطة الحاكمة فعلينا أن نفرق بين الدولة القديمة والدولة الحديثة مستغنين عن مصطلحات الأقلية والأكثرية فنحتاج لقراءة جديدة لبعض مفاهيم الفقه دون تمييز لأبناء الوطن على أساس الدين أو اللون أو العرق أو غيرها.
وتابع: "فعلينا أن نتخلص من نظريات فقه الجماعات المتطرفة بأيدولوجياتها الضيقة والتى تأتى بها مصلحة الجماعة فوق مصلحة الدولة ومصلحة التنظيم فوق مصلحة الأمة، ونشاهد فى أيامنا هذه دعاوى الجاهلية المقيتة تحت شعار اظلم أخاك ظالم أو مظلوما ووفقا لشريعة الغاب التى تعتنقها الجماعات الإرهابية فتلك الجماعات لا تناصر على الحق وترى أن مصلحة الجماعة فوق كل اعتبار وهو ما يتطلب منا جميعا العمل الجاد على التخلص من فقه تلك الجماعات المعادية للإسلام بتفنيد تلك الشبه التى تبنى عليها ونعتمد على فقه بناء الدولة بكل ما تعنيه من معانى".
واستطرد: "إدارة الدولة ليس عملية سهلة بل عملية شاقة معقدة تحتاج إلى خبرات تراكمية وروئ ثاقبة فى مختلف المجالات والاتجاهات للحفاظ على أمن الدول".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة