انشغل عدد كبير من الباحثين بدراسة الأساطير، باحثين عما فيها من حقيقة ومن خيال، ومن ذلك ما أشار إليه وليد فكرى فى كتاب "أساطير مقدسة".
عوج ابن عنق
يقول الله تعالى " يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) "
يذكر كتاب أساطير مقدسة قصة "عوج ابن عنق فيقول "تقول الحكايات أن حواء ولدت ابنة منفردة – وكانت عادة تلد التوائم – مشوهة لها رأسان بين كتفيها، ولها فى كل كف عشرة أصابع، ينتهي كل إصبع بمخالب طويلة معقوفة.. هذه الابنة اسمها عنق.
ونمت "عنق" وكبرت ولكنها كانت من المفسدين، وكانت أول من مارس البغاء والزنا من ولد آدم، بل وأول من مارس السحر كذلك، فقد كان الله قد أعطى حواء أسماء وكلمات تتحكم بالشياطين وتكون حرزا للبشر منها، فاستغلت "عنق" نوم أمها وسرقت تلك الأسماء وصارت تمارس بها السحر والإفساد فى الأرض، وكانت تعيش فى الخرائب لتختلى عن أهلها، وأنجبت من الزنا ابنها "عوج" وفى بعض الروايات اسمه عاج ابن عناق.
زاد فساد "عنق" فدعت عليها حواء فأرسا الله أسدا فى حجم الفيل افترسها وأراح الناس منها.
أما "عوج" فقد كبر وتعملق حجمه حتى يوصف بأنه بلغ من الطول 23 ألف ذراع ومن العرض 333 ذراعا، وبلغ من القوة أنه كان يصيد بيده الحوت من البحر فيرفعه لعين الشمس فيشويه فيها ثم يلتهمه، وأنه كان إذا أراد الشرب استوقف السحاب فشرب منه، وكان جبارا فى الأرض فخورا بقوته مفسدا، وكان معمرا عاصر الطوفان وسأل النبي نوح أن يحمله معه فى السفينة فزجره النبى وقال له "لم أؤمر بك يا لعين" فكانت مياه الطوفان تبلغ ركبتيه.
وعاش عوج بن عنق حتى جاوز عمره الثلاثة آلاف سنة، وفى زمن موسى وخروج بنى إسرائيل من مصر كان يعيش فى منطقة سيناء وفلسطين مع امرأته، فلما قسم موسى قبائل بنى إسرائيل إلى 12 قبيلة، وجعل لك منها نقيبا وأمرهم أن يدخلوا الأرض المقدسة، ذهب النقباء أولا ليستطلعوا تلك الأرض وناسها، فوقعوا فى أسر عوج الجبار.
فلما أسرهم عوج بن عنق ربط كل منهم فى عود حطب، وحمل الأعواد لبيته وقال لامرأته "أرأيت هؤلاء؟ إنهم يريدون غزونا، سألقيهم أرضا وأسحقهم بقدمي، فأجابته امرأته لا تفعل، بل دعهم يعودون لقومهم ليخبروهم عنا وعما رأوا من قوتنا فيخشونا.
نفذ العملاق نصيحة زوجته وعاد النقباء إلى موسى يخبرونه عن هول ما رأوا فأمرهم أن يكتموا ذلك عن بنى إسرائيل حتى لا ينشروا الفزع بينهم، فوعدوه بذلك.
ولكنهم لم يلتزموا ما وعدوه، فأسر كل منهم لعشيرته بما رأى، فضج بنى إسرائيل وهاجوا وأعلنوا لموسى رفضهم دخول تلك الأرض إلا لو خرج منها هؤلاء الجبارون، وقالوا مقولتهم الشهيرة "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا هنا قاعدون".
تقول القصص يبدو أن عوج بن عنق قرر أن يبادر هو بمهاجم بنى إسرائيل فبينما يستعرض موسى جيشه أطل عليهم عوج بن عنق حاملا صخرة تكفى لقتلهم جميعا، فأرس الله عليه طيرا أخذ ينقر الصخرة حتى نقبها فسقطت على رأس العملاق فانحبس رأسه وعنقه بين كتفيه وهوى أرضا، فوثب موسى نحوه وضربه بعصاه، وكان طول موسى عشرة أذرع وطول عصاه عشرة أذرع ومدى وثبته عشرة أذرع فأصاب كعب "عوج " فقتله.
ورغم أن بعض المفسرين مثل الطبرى والقرطبى يذكران القصة، ينكر ابن كثير جزءا مهما منها، لأنه يتساءل كيف ينجو "عوج ابن عنق" من الطوفان وهو كافر.
بينما يرى "وليد فكرى" أن أسطورة عوج بن عنق تبدو فيها بعض التأثيرات الملحوظة من الأساطير القديمة والقصص التوراتى، كما أن فكرة العملاق الذي يسكن البرية ويفزع الناس تتكرر فى أكثر من أسطورة قديمة، مثل ملحمة جلجامش.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة