كشفت الأيام القليلة الماضية حجم تناقضات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ونظامه الحاكم، وذلك بعد إطلاقه عملية عسكرية لاحتلال شمال شرق سوريا بذريعة محاربة الإرهاب والقضاء على متطرفين.
البداية كانت مع إعلان أردوغان إطلاق عملية عسكرية شمال شرق سوريا بذريعة محاربة الإرهاب فى المنطقة، مؤكدا أنه لن يتراجع عن العملية التى أطلقها لاحتلال مدن الشمال السورى، ورفضه لأى مشاورات مع القوى الكردية المسيطرة على تلك المنطقة ووصفها بالإرهابية.
بينما يؤكد أردوغان رفضه التفاوض مع الأكراد كونهم إرهابيين إلا أن الحقيقة أن النظام التركى بدأ التفاوض سرا مع قوات سوريا الديمقراطية منذ عام 2016 برعاية أمريكية فى إحدى القواعد العسكرية شمال البلاد، تلتها عدة لقاءات بين الأكراد والأتراك على مدار السنوات الأربع الأخيرة لبحث ما يجرى شمال البلاد.
فى التاسع من أكتوبر الجارى أطلق الجيش التركى العملية العسكرية لاحتلال مدن شمال شرق سوريا، وتمهيد الأرض لبناء ما تسمى "المنطقة الآمنة" لإعادة اللاجئين السوريين المقيمين فى تركيا إليها وتهجير الأكراد المقيمين فى تلك المناطق، وهو ما يهدد بتغيير ديموغرافى لتلك المنطقة التى يعيش فيها الأكراد منذ مئات السنين.
وعقب احتدام المواجهات العسكرية فى شمال شرق سوريا وفشل القوات التركية فى السيطرة بشكل كامل على مدينتى تل أبيض ورأس العين، أيقن أردوغان أنه لن يصمد أمام الأكراد الذين يتمسكون بالأرض فى تلك المنطقة إلا أنه أصر على استمرار العدوان على سوريا بعد مواقف القوى الإقليمية والدولية بإدانة الغزو التركى لسوريا.
وبعد فرض بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على أردوغان بدأ الأخير يلوح بمواجهة بلاده لهذه العقوبات وعدم الرضوخ ووقف العملية العسكرية، مؤكدا أن القوات التركية مستمرة فى العمليات العسكرية شمال شرق البلاد إلا أن أردوغان رضخ لتلك العقوبات وأصغى للصوت الأمريكى بوقف العدوان خوفا من العقوبات الاقتصادية التى ستفرضها واشنطن لتدمير اقتصاد تركيا.
بداية الرضوخ للنظام التركى كانت مع إعلان وزارة الخزينة الأمريكية لعقوبات على ثلاثة وزراء من حكومة أردوغان، وذلك بسبب العدوان على سوريا والتنكيل بالمدنيين وانتهاك حقوق الإنسان خلال العملية التركية ضد الأكراد، وهى العقوبات التى دفعت أردوغان لرفض لقاء نائب الرئيس الأمريكى مايك بينس ووزير الخارجية مايك بومبيو.
وقال أردوغان فى حديث للصحفيين إنه لن يلتقى الوفد الأمريكى الذى سيزور أمريكا، وذلك بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على وزراء حكومته وتلويحه باستمرار العمليات العسكرية شمال شرق سوريا، وما هى إلا ساعات قليلة حتى أعلنت الرئاسة التركية استقبال أردوغان لنائب الرئيس ترامب ووزير الخارجية الأمريكى لبحث الأوضاع فى سوريا.
ورغم الموقف المتعنت من الرئيس التركى برفض وقف العمليات العسكرية شمال شرق سوريا إلا أنه رضخ للضغوطات الأمريكية بإعلان قبول وقف إطلاق النار فى سوريا لمدة 120 ساعة، ويتم بعدها التشاور مع القوى الكردية لسحب المعدات الثقيلة من تلك المنطقة وهو ما يكشف حجم التناقضات التركية ورضوخ أردوغان وموافقته على الحوار مع القوى الكردية.
التناقضات التركية كشفت مدى ضعف أردوغان أمام العقوبات الأمريكية وصعوبة استمراره فى العملية العسكرية ضد الأكراد فى سوريا من دون موافقة واشنطن، وهو ما دفعه للتراجع عن قرار عدم استقبال بينس ووزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، بالإضافة لقبوله لوقف إطلاق النار فى شمال شرق سوريا خوفا من العقوبات الأمريكية التى أكد ترامب أنها كفيلة بتدمير اقتصاد تركيا.
ورغم رضوخ أردوغان للولايات المتحدة الأمريكية إلا أن الأخيرة رفضت رفع العقوبات عن أنقرة قبيل تفعيل الاتفاق بشكل كامل والتوصل لاتفاق وقف إطلاق شامل فى شمال شرق سوريا، وهو ما يثبت عدم امتلاك النظام التركى برئاسة أردوغان لأى قرار حول هذه العملية العسكرية وأن الخطابات العنترية له خلال الأيام الماضية ليس لها قيمة، وذلك بعد تيقن الشعب التركى من فرض الولايات المتحدة لرؤيتها بوقف العدوان على سوريا وإشرافها على الحوار غير المباشر بين الجانبين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة