- وفد كبير يضم عددا من الوزراء وممثلى منظمات المال والأعمال والصندوق الكويتى للتنمية
- تشير التقديرات إلى أن حجم الاستثمارات الكويتية الحكومية والخاصة فى مصر شهدت نموا بشكل مطرد خلال الآونة الأخيرة
- يكشف التاريخ عن توافق تام بين مصر والكويت على المستويين الرسمى والشعبى وبينهما خصائص تجمعهما
يصل إلى القاهرة، اليوم الأحد، رئيس مجلس الوزراء الكويتى، الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، فى زيارة رسمية تستمر لمدة يومين، على رأس وفد كبير يضم عددا من الوزراء ورجال المال والأعمال، وممثلى غرفة تجارة وصناعة الكويت، ومجلس الأعمال المصرى الكويتى والصندوق الكويتى للتنمية.
ومن المقرر أن تشهد الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات التى من شأنها آن تعمل على تعزيز مسيرة العلاقات المميزة بين البلدين الشقيقين، علاوة على مباحثات مهمة مع الرئيس عبدالفتاح السيسى والدكتور مصطفى مدبولى.
وتمثل هذه الزيارة أهمية كبيرة لمصر كما هو الحال بالنسبة للكويت، نظرا للعلاقات الأخوية المتميزة والعميقة بين البلدين والشعبين الشقيقين، حيث ترتبط مصر مع الكويت بروابط قوية فى المجالات المختلفة، وبينهما محطات تاريخية مشرقة، وينتظرهما مستقبل مشترك يتم تعزيزه باستمرار بإرادة شعبية ورسمية.
وتوفر هذه المناسبة فرصة للوقوف على عدد من المحطات التى ارتبطت بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين، والمستقبل المبشر الذى تسعى إليه قيادتا البلدين، وتعملان سويا على أن يأتى امتدادا لتاريخ عريق وحافل يستحق أن تعرفه الأجيال التى لم تعايش هذه المحطات المشرقة.
يكشف التاريخ عن توافق تام بين مصر والكويت على المستويين الرسمى والشعبى وبينهما خصائص تجمعهما، وتؤكد إدراك كل طرف لأهمية الطرف الأخر، فضلا عن التأثير والدعم المتبادل بين البلدين والاتفاق فى الرؤى حيال القضايا المختلفة على الساحة الإقليمية والدولية.
ويعود تاريخ العلاقات السياسية إلى قرن سابق من الزمان، حيث كانت أول زيارة لمسؤول كويتى لمصر فى عام 1919، وذلك بالتزامن مع الحراك الشعبى فى مصر من ناحية ومع نهاية الحرب العالمية الأولى من ناحية أخرى، حيث قام الشيخ أحمد الجابر الصباح بزيارة القاهرة والتقى بالسلطان حسين كامل ملك مصر وقتها، وأجرى الجانبان مباحثات ثنائية شكلت أولى معالم علاقات متميزة ومتنامية امتدت وازدادت رسوخا جيلا بعد جيل، وشهدت العديد من المواقف وصور التعاون فى شتى المجالات عبر عقود طويلة جسدت فى حد ذاتها ملحمة من العمل الأخوى قلما تشهده علاقات الدول.
ثم جاءت الدفعة التى اكتسبتها علاقات البلدين فى العقد الحالى، عقب ثلاث زيارات قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى للكويت لتكون علامة جديدة على رسوخ وتطور هذه العلاقات، تواكب معها ثلاث زيارات مماثلة للشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، لمصر كانت الأولى للمشاركة فى فعاليات المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، والثانية لحضور حفل افتتاح مشروع ازدواج قناة السويس، وسبقتهما زيارة خاصة لحضور حفل تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد انتخابه رئيسا للبلاد عام 2014، ويسعى الجانبان إلى مزيد من التطور والارتقاء عبر حزمة من برامج التعاون تشمل كافة الميادين الاقتصادية والتجارية والثقافية، بما يؤكد أن هناك الكثير والكثير الذى ينتظر علاقات البلدين فى الفترة المقبلة.
علاقات استراتيجية
والمطلع على علاقات الكويت ومصر يدرك أنها علاقات استراتيجية متعددة الأبعاد والمجالات، من السياسة إلى الاقتصاد، ومن الثقافة إلى الإعلام.
ويذكر الكويتيون بكل الخير وقفة مصر عام 1961 إلى جانبهم عندما تصدت لأطماع حاكم العراق وقتها عبدالكريم قاسم من خلال الوقفة الصلبة للزعيم جمال عبدالناصر، كما يذكرون وقفتها الحاسمة عام 1990 عندما تصدت لغزو صدام حسين، وحين شاركت فى تحرير الكويت عام 1991, ولاتزال محطات العلاقة بين البلدين مستمرة إلى الآن وتزداد صلابة بمرور الوقت، وهو ما يؤكده المسؤولون فى البلدين من أن أمن الكويت والخليج مسألة مهمة لمصر ومرتبطة بشكل مباشر بالأمن القومى لمصر وأمن واستقرار مصر من أهم أولويات الكويت.
تدفق استثمارى
ومن أهم مجالات العلاقة بين مصر والكويت هو المجال الاقتصادى، حيث إنه من المبادئ الراسخة لديهما التوظيف المستمر للموارد والاستثمارات فى مساعدة الشعوب ودفع العلاقات قدما وتنميتها، وتبادر الكويت دائما بتبنى مشروعات وبرامج دعم للدول الشقيقة، ولذلك تم إنشاء الصندوق الكويتى للتنمية العربية عام 1961 والذى تزامن مع استكمال الكويت لاستقلالها معبرا عن هذا التوجه ومجسدا له.
ولم يتوقف الدعم الكويتى لمصر على مر التاريخ، وفى كافة المجالات وخاصة المجال الاقتصادى، فتشير التقديرات إلى أن نسبة الاستثمارات الكويتية فى مصر تبلغ نحو 25% من حجم الاستثمارات العربية فى مصر، وتحتل المرتبة الثالثة بين هذه الاستثمارات، فضلا عن أن هناك نحو 1230 شركة كويتية تعمل فى مصر فى مجالات مختلفة ومتنوعة.
وعلاوة على ذلك، تفتح الكويت أبوابها للكوادر المصرية، وهو نوع آخر من التعاون الاقتصادى والدعم غير المباشر للاقتصاد المصرى، حيث وصل حجم الجالية المصرية فى الكويت إلى ما يقارب 700 ألف مصرى يساهمون فى مجالات التنمية المختلفة وتتجاوز قيمة تحويلاتها 4 مليارات دولار سنويا، وتعد الجالية العربية الأولى فى الكويت.
وتشير التقديرات إلى أن حجم الاستثمارات الكويتية الحكومية والخاصة فى مصر شهدت نموا، بشكل مطرد خلال الآونة الأخيرة، حيث تبوأت الكويت المرتبة الرابعة ضمن قائمة الدول الأكثر استثمارا فى مصر، والثالثة عربيا، باستثمارات تصل إلى نحو 16 مليار دولار، فضلا عن استثمارات مصرية بالسوق الكويتى تقدر بنحو 1.1 مليار دولار، ويعد ذلك إحدى ثمار الجهد المشترك لتعزيز هذه الاستثمارات، علاوة على الدور المحورى الذى تقوم به اللجنة المشتركة المصرية الكويتية التى تشكلت عام 1998، وعقدت العديد من الاجتماعات، كان أحدثها اجتماع الدورة الثانية عشرة بالكويت خلال ديسمبر الماضى، هذا بالإضافة إلى اجتماع اللجنة القنصلية المشتركة فى القاهرة.
بداية تعليمية
وعلاوة على ذلك تتسم علاقات البلدين بتجذر التعاون فى المجالات الثقافية والتعليمية، وما تمثله من ركيزة مهمة تمتد جذورها إلى النصف الأول من القرن العشرين، حين تم إيفاد أول بعثة تعليمية كويتية للدراسة فى الأزهر الشريف عام 1939، أعقبها بعدة سنوات انتداب أول مجموعة من المعلمين المصريين للعمل بدولة الكويت، وكان من نتاج هذا التعاون تنظيم احتفالية كبيرة بمناسبة مرور 60 عاما على صدور مجلة العربى فى مقر السفارة الكويتية تحت رعاية وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب محمد الجبرى، وسفير دولة الكويت بالقاهرة محمد صالح الذويخ، شارك فيها لفيف كبير من رجال الفكر والأدب والشخصيات العامة من مصر والكويت، وفى المقابل تستضيف الكويت نحو 700 ألف مواطن مصرى، لتحتل بذلك مرتبة متقدمة ضمن أكثر الدول اجتذابا للعمالة المصرية بالخارج.
كما أن هناك جالية كويتية فى مصر من الدارسين فى الجامعات المصرية، فضلا عن المستثمرين وأصحاب الأعمال تقدر بنحو 22 ألف كويتى، وتزيد قيمة إنفاقهم على مليار دولار سنويا , وكلها ملامح تؤكد الاهتمام الرسمى والشعبى الكبير بتطوير العلاقات الثنائية فى مجال الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، ويؤكد المسؤولون فى الكويت سعيهم لمزيد من التعاون وترحيبهم بوجود الشركات المصرية فى الكويت التى يقوم بعضها بتنفيذ بعض المشاريع حيث يتميز الاقتصاد الكويتى بتعدد الفرص والانفتاح على كافة الاستثمارات الخارجية.
اللجنة المشتركة
فى عام 1998 تأسست اللجنة العليا المشتركة بين البلدين لتحقيق القدر الأكبر من التنسيق والتعاون فى مجالات التعاون المختلفة، كما ترتبط الدولتان بالعديد من بروتوكولات التعاون بين المؤسسات «السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتعليمية والفنية والإعلامية والقضائية والأوقاف والشؤون الإسلامية» والمؤسسات المناظرة فى كلا البلدين، وتتواصل جلساتها باستمرار، بما يخدم مصالح البلدين الشقيقين.
وقدمت الكويت عقب ثورة 30 يونيو حزمة مساعدات اقتصادية لمصر على مرحلتين بقيمة 8 مليارات دولار، تلاها توقيع عدة اتفاقيات مع الصندوق الكويتى للتنمية لتطوير قطاعى الكهرباء والنقل، ليصل إجمالى مساهمات الصندوق إلى 4، 3 مليار دولار عبر أكثر من50 قرضا كان من أبرزها توقيع اتفاق بقيمة 100 مليون دولار لتمويل جزء من حصة مصر فى مشروع الربط الكهربائى مع المملكة السعودية، علاوة على 4 محطات لتحلية المياه فى شبه جزيرة سيناء، وهو أحد المشروعات الاستراتيجية المهمة التى تركز عليها مصر فى الوقت الحالى.
ويركز الصندوق الكويتى للتنمية فى نشاطه على قطاعات أساسية كالزراعة والمياه والتعليم والصحة وتمويل برامج عمليات بنوك التنمية المحلية والصناديق الاجتماعية، نظرا لآثارها الإيجابية الملموسة على توفير الغذاء وتحسين مستويات المعيشة وإيجاد فرص عمل جديدة تساهم فى الحد من البطالة وتدعيم تحقيق الأهداف الإنمائية المنشودة.
وكان للصندوق دور بارز فى مشاريع عملاقة فى مصر منذ سنوات طويلة من أبرزها مشروع تعميق وتطوير مجرى قناة السويس بحيث يسمح للسفن العملاقة بالمرور فى القناة، ومشروع توصيل مياه نهر النيل إلى أرض سيناء من خلال ترعة الشيخ جابر والذى كان مقدرا أن يسهم فى زراعة 400 ألف فدان فى أرض سيناء، كما دعم الصندوق برامج الصندوق الاجتماعى للتنمية بعدد من القروض الميسرة التى كانت تستهدف مواجهة مشكلة البطالة بين الشباب، وكانت إدارة الصندوق سريعة الاستجابة لكل ما تطلبه مصر من صور التعاون إيمانا بقناعتها بأهمية مساندة مصر ودعم مساعيها للتنمية من خلال تمويل 50 مشروعا بقيمة 3.4 مليار دولار أمريكى، وهو ما يجعل من مصر الدولة الأكثر استفادة من جهود الصندوق الكويتى وأكثرها حصولا على تمويل لمشروعات تنموية.
استقرار مصر
وبالرغم من محاولات عدة من دول الشر للوقيعة بين مصر والكويت عبر استغلال أحداث فردية أو ترديد شائعات تستهدف النيل من الروابط التاريخية بينهما، فإن المسؤولين فى كلا البلدين أكدوا عمق العلاقة بينهما والوقوف ضد أى محاولات لتعكير الصفو والروابط الأخوية بين البلدين.
وتدعم الكويت استقرار مصر وتعزز من دورها العربى والإقليمى، وتنظر إلى مصر باعتبار أن دورها محورى ومطلوب، وأن قوة واستقرار مصر قوة للعرب، ولذلك دائما ما تدعم الكويت مصر وخطواتها نحو الاستقرار، وتجلى ذلك مؤخرا حين أكدت الكويت على وقوفها إلى جانب مصر فى عمليتها العسكرية الأخيرة ضد الإرهاب «سيناء 2018»، فضلا عن دعم كل الإجراءات المصرية التى تسعى لتحقيق الاستقرار.
وفى يوليو 2013 أعلنت الكويت عن تقديم حزمة مساعدات اقتصادية عاجلة لمصر بقيمة 4 مليارات دولار، وأعقب ذلك عدد من الزيارات المتبادلة التى تؤكد مساندة الكويت التامة لمصر، حيث قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة للكويت فى يناير من العام 2015 لبحث آفاق التعاون الثنائى، تلتها زيارة فى مايو من عام 2017 شهدت تأكيد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، على المكانة الخاصة التى تحظى بها مصر وشعبها، لدى الشعب والحكومة الكويتية، كما شهدت تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، بدوره أن مصر لن تسمح بالمساس بأمن واستقرار أشقائها فى الخليج عموما والكويت بصفة خاصة.
زيارات متبادلة
وفى المقابل، كان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح على رأس المهنئين للرئيس عبدالفتاح السيسى فى حفل التنصيب الذى أقيم بالقاهرة بمناسبة انتخابه رئيسا لمصر، أعقبها زيارة للمشاركة فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ فى مارس من العام 2015، وزيارة ثانية لحضور حفل افتتاح مشروع ازدواج قناة السويس , وتواكب مع ذلك العديد من اللقاءات والزيارات الرسمية، من بينها اللقاء الذى جمع الرئيس عبدالفتاح السيسى مع رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح فى الآمم المتحدة بنيويورك، كما تمت عدة لقاءات بين وزيرى الخارجية الشيخ صباح الخالد والوزير سامح شكرى.
ومنذ أسابيع قليلة، قام رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم بزيارة مهمة إلى القاهرة، ضمن زياراته العديدة التى تجسد الخصوصية والتواصل المستمر بين قيادات البلدين من كافة المستويات، وعلى هامش الزيارة أكد على الدعم الكامل من الكويت لمصر وعلى متانة العلاقات بين البلدين على مختلف المستويات، كما استقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأكد خلال اللقاء على متانة وقوة العلاقات المصرية الكويتية وما تتميز به من خصوصية، كما أكد حرص مصر على تطوير التعاون الوثيق والمتميز بين البلدين على شتى الأصعدة.