منعت الإذاعة والتليفزيون إذاعة الأغانى الوطنية التى تم تقديمها فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، كان ذلك بعد فترة قليلة من تولى الرئيس السادات للحكم خلفا لعبد الناصر التى شهدت أيضا حملة هجوم ضارية ضد جمال عبدالناصر.
كان عبدالحليم حافظ هو صاحب الرصيد الأكبر فى هذه الأغنيات، ويتذكر مجدى العمروسى، مدير أعمال عبد الحليم، وصديق عمره فى مذكراته «أعز الناس»، أنه لما لاحظ أن هناك تعتيما إعلاميا على كل أغانى الثورة، وبالذات أغانى عبد الحليم، وهذا التعتيم شمل الإذاعة والتليفزيون وكل وسائل الإعلام، سأل المسؤولين عن الإذاعة والتليفزيون، لكنه لم يحصل على إجابة شافية تبرر هذا التعتيم.
كان الموسيقار كمال الطويل هو صاحب الرصيد الأكبر فى تلحين هذه الأغنيات لعبد الحليم، وأذكر أننى سألته عن سبب هذا المنع فى لقاء لى بمنزله بالزمالك عام 1996، أجاب بوضوح: السادات كان هو المسؤول مباشرة، المسؤولون فى الإذاعة والتليفزيون كانوا يتنصلوا من هذا الموضوع لما كنت أسألهم، لكن أنا كنت عارف إن الموضوع أكبر منهم».
يذكر «العمروسى» أنه فى عام 1982 تناقش مع الطويل والمذيع الشهير جلال معوض حول هذا الموضوع فى للبحث عن حل لإطلاق أغانى عبد الحليم،أى بعد رحيل السادات «6 أكتوبر 1981»، ولأنهم يعرفون أن السبب هو أن جميع هذه الأغانى تتضمن اسم جمال عبد الناصر، أو تدور حول أعماله وأمجاده، سواء بالمباشرة أو بالإشارة، قرروا محاربة هذا السبب أو على الأقل التحايل عليه للإفلات منه، واقترح كمال وجلال القيام بحصر هذه الأغانى، ومناسباتها وأسماء مؤلفيها وملحنيها، وتسجيل كل ذلك على كاسيت يتم طرحه على الناس، ويقول العمروسى، إنه أضاف إلى هذا الاقتراح أن يكون ذلك على شكل تعليق يسجله جلال معوض بصوته، بعد أن يعده ويكتبه بأسلوبه، ويتخلل هذا السرد أو التعليق أجزاء من تلك الأغانى يحذف منها مؤقتا اسم جمال عبد الناصر إلى أن يتم التمكن من طرح الأغانى كاملة فيما بعد.
وافق الجميع على هذه الخطة، وبدأ «معوض» عملية الحصر والكتابة، ووفقا للعمروسى: بعد شهر كامل ومجهودات مضنية عرض علينا ما كتبه، ومقاطع الأغانى التى سوف توضع مع التعليق، وكان الأمر جميعه رائعا وجميلا ويحقق تماما ما فكرنا فيه، يؤكد العمروسى، أنهم حافظوا على سرية المشروع خوفا من إجهاضه، يتذكر: «قررنا عدم التسجيل فى استديوهات الإذاعة، واخترنا استديو الموسيقار عمار الشريعى ليتم فيه التسجيل والمونتاج، ولما عرضنا الفكرة على عمار تحمس جدا وشجعنا بلا حدود، بل قرر أن يقوم هو بنفسه وليس مهندس الصوت بالتسجيل والمونتاج، حتى يشترك معنا فى الاختيار ومنتجة الأغانى، كى يبدو الأمر طبيعيا ولا يلفت نظر أحد».
فى أوائل يناير عام 1982 بدأ التسجيل بصوت جلال معوض، وخلال شهر فبراير بدأت عملية منتجة الأغانى، ثم تركيب صوت جلال على الأغانى الممنتجة، وفى نهاية شهر فبراير وحسب العمروسى: أصبح لدينا ثلاث ساعات كاملة تسجيلا ومونتاجا، قررنا وضعها على ثلاثة أشرطة كل شريط مدته ساعة كاملة.
تم إطلاق اسم «عبد الحليم حافظ ومصر» على هذه الأشرطة، وقامت شركة «صوت الفن» التى يديرها العمروسى بالإنتاج، وحسب العمروسى: حينما اكتمل العمل كان لابد من عرضه على الرقابة على المصنفات الفنية للحصول على تراخيص وتصريح بالبيع والتداول كما ينص القانون، ولكن الرقيبة التى عرضت عليها النصوص والأشرطة تخوفت، وأحالت الأمر كله إلى جهاز مباحث أمن الدولة لأخذ رأى الجهاز، يتذكر العمروسى، أنه تلقى مكالمة من اللواء سيد سنجر، لمقابلته فى مكتبه بوزارة الداخلية، ولما ذهب وجد النص المكتوب وبروفة الأشرطة التى تم تسليمها إلى جهاز الرقابة، ويقول العمروسى: أفهمته أن الأشرطة معدة للنزول فى ذكرى عبد الحليم، أى فى 30 مارس، فقال: لأ.مش دلوقتى.. يؤكد العمروسى: من المناقشة فهمت أن الأمر لا نقاش فيه.
مثل الأمر صدمة على الثلاثة، ووفقا للعمروسى: سلك كمال وجلال كل الطرق وفشلا، ولم يتبق غير باب واحد هو رئاسة الجمهورية، وبالفعل كتب جلال معوض مذكرة بالموضوع ليعرضها الموسيقار محمد عبدالوهاب مع الأشرطة على الرئاسة، وجاءت النتيجة بقرار من الرئيس مبارك: لا مانع من نزول الأشرطة ونشرها.. يؤكد العمروسى: فى 23 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1982 تم نشر أول إعلان عن هذه الأشرطة فى صحيفتى الأهرام والأخبار.. يضيف: على أثر الإعلان فوجئنا بتليفونات الشركة لا تهدأ، وتجار الجملة لا يغادرون الشركة يوميا مطالبين بكميات لم نتوقعها، وطلبت مضاعفة طاقة المصنع، وعمل ورديات ليلية وإلغاء الإجازات فى الشركة أو المصنع حتى نسد الحاجة، وكان ذلك سببا فى إصدار الأغانى كاملة فيما بعد وبصوت جلال معوض أيضا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة