"مصر بدون المياه وبدون النيل لا حياة لها" بهذه الكلمات بدأ الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالى الأسبق وأستاذ القانون الدولى محاضرته خلال أسبوع القاهرة الثانى للمياه والتى قصرها على الجوانب القانونية فى أزمة سد النهضة محتكماً إلى مجموعة مبادئ أساسية تحكم السياسة المائية فى مصر.
وقال شهاب: "على مر التاريخ، ونحن لدينا مدرسة رى مشهود لها، وسياستنا المائية تقوم على محور تعزيز علاقات التعاون مع كل دول حوض النيل، والحرص على إقامة مشروعات مشتركة مع هذه الدول وعددها 11 دولة، وأيضاً سياستنا تقوم على عدم المساس بحقوق مصر التاريخية فى النيل وفقاً لمبادئ القانون الدولى والاتفاقيات الدولية الثنائية التى أبرمناها والأعراف الدولية، كذلك سياستنا المائية تقوم على العمل للحصول على إيرادات أكثر من مياه النيل تلبى احتياجاتنا الزائدة".
وأضاف شهاب "لقد تقرر أن تكون حصتنا المائية من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب فى 1959 وكان تعداد السكان لا يزيد عن 25 مليون، والآن ما زالت الحصة كما هى وتعداد السكان يزيد عن 100 مليون، ولو تم تنفيذ سد النهضة بالمواصفات التى أعلنتها أثيوبيا، ومازالت تصر عليها حتى الآن فمعنى ذلك أن حصتنا ستقل عن هذا الذى ارتضيناه عام 1959، فى ضوء هذه المبادئ التى تقوم عليها السياسة المائية المصرية، أبرمت منذ أكثر من 100 سنة العديد من الاتفاقيات الدولية سواء الدول التى كانت مستقلة أو الدول التى كانت تدير شئون دول أخرى فتمثلها وتوقع نيابة عنها مثل "بريطانيا - إيطاليا- بلجيكا- هولندا..وغيرها".
وأوضح شهاب "منذ عام 1891 تم توقيع اتفاق بين بريطانيا وإيطاليا، وفى 1902 تم توقيع اتفاق بين بريطانيا وإيطاليا وإثيوبيا، وتوالت الاتفاقيات الثنائية بين عدد من دول حوض النيل تنظم عملية استغلال مياه النيل باعتباره نهر دولى، ويمر بأكثر من دولة، لذلك فهو يختلف عن النهر الذى يكون أوله وآخره فى دولة واحدة فهو نهر وطنى من حق الدولة أن تفعل فيه ما تشاء، لكن عندما يكون نهر دولى يمر بأكثر من دولة فهنا توجد مبادئ وقواعد واتفاقيات تنظم استغلاله سواء فى الملاحة أو استغلاله فى إقامة مشروعات واستغلال الثروات الحية وغير الحية الموجودة فيه".
وأشار شهاب إلى أنه من ضمن الاتفاقيات التى أبرمتها مصر عام 1993 بين مصر واثيوبيا تؤكد صراحة أن كل منهما يلتزم بعدم الإضرار بالآخر، وألا يقوم أحد منهما بمشروع فى أرضه يؤثر سلباً على الطرف الآخر، ولابد من التشاور بين الطرفين عند إقامة أى مشروعات، إذ كان الأمر كذلك سياسة مائية حكيمة منطقية تحرص على حقوقنا وفى نفس الوقت ترحب بأى مشروعات تقيمها الدول الأخرى شريطة ألا تضرها، كان من الطبيعى أن تحرص مصر على احترام قواعد القانون الدولى المستقرة التى تنظم الانتفاع بمياه الأنهار الدولية مثل وجوب احترام ما سبق للدولة النهرية أن اتفقت عليه وهذا مبدأ عندما يحدث اتفاق بينك وبين غيرك لابد أن تحترمه.
وأضاف شهاب: "التسليم بأن ما تمارسه الدولة حالياً من انتفاع بالمياه هو حق لها لأنها اعتادت عليه ورتبت أمورها عليه، وليس من المنطقى أو المقبول لا قانوناً ولا خلقاً ولا ديناً أن تأتى وتأخذ منه فتنقصه، وهذا غير مقبول، كذلك مبدأ مراعاة التوزيع العادل لمياه النهر بمعنى أنه من غير الممكن أن تأتى دولة موقعها فى المنبع فتتحكم فيه وتفعل ما تشاء وتقيم مشروعاً يحرم الدول التالية لها وخاصة دول المصب من أن يصل إليها النصيب العادل، فهذا غير مقبول، ولا يوجد قانون ولا عرف وأخلاق تقبله مبدأ عدم الإضرار لا ضرر ولا ضرار، مبدأ فى الشريعة الإسلامية والقانون الدولى يأخذ به بالذات فى الأنهار الدولية وأعالى البحار ترغب فى إقامة مشروع افعل ما تشاء هذا حقك فكما بنينا السد العالى، فمن حق إثيوبيا أن تقيم سد النهضة ولكن شريطة أن تكون المواصفات صحيحة فنياً ولا تضر بالآخرين خاصة دولتى المصب".
وأوضح شهاب "الزام الدول التى تريد أن تعدل من معدلات الانتفاع بمياه النهر من خلال إقامة سد أو تحويل مياه النهر أن تدخل فى مفاوضات مع الدول الأخرى فى هذا الشأن وإخطارها المسبق فضلاً عن مبدأ التعاون بين الدول فى حماية البيئة النهرية، لابد أن تدخل فى مفاوضات مع الآخرين وأن تقول إنك تريد أن تفعل كذا وكذا، وأطمئنك فإن كان هناك ضرر سأقوم بالتعديل حتى أستفيد من إقامة السد"، قائلاً: "إثيوبيا لا ترغب فى بناء السد بغرض الزراعة فهى لديها من الأمطار ما يكفى.. لكنها عايزاه عشان الطاقة ولا بأس، عشان تبيعيها لا مانع إنما تحويل التجارة وتخزينها تؤدى إلى حرمانى من حصتى وحقوقى التاريخية والأضرار بى" وهذا أمراً غير مقبول وهذه قواعد قانونية دولية مستقرة لا يجادل فيها أحد ولا تجادل فيه إثيوبيا نفسها ولكنها تريد أن تفرض الأمر الواقع بغض النظر عن هذه الأوضاع القانونية".
وأضاف شهاب: "إذا ذهبنا إلى الاتفاقيات الثنائية فكما أشرت هناك العديد منها التى تؤكد حقوق مصر وسأقفز قفزة سريعة لأصل إلى إعلان المبادئ فقد تألمت كثيراً أن قرأت لاحد الأساتذة يقول "إيه إعلان المبادئ ده؟ معقول يا حكومة تمضى على إعلان وبعدين تبدأى فى التفاوض، المنطقى إنكم تتفاوضوا الأول وتتفقوا على كل شىء وبعد ما تتفقوا توقعوا إنما انت وقعتى على بياض، وهناك وجهة نظر أخرى تقول إعلان مبادئ إيه انتوا كده منحتوا شرعية للسد.. سد النهضة له شرعية، من حق إثيوبيا أن تقيم السد إنما إللى مش من حقها أنها تقيمه بالمواصفات غير المقبولة فنياً التى تضرنا ضررا كبيرا، وشرعية بناء السد لا يجادل فيها أحد، إنما لابد أن يوكبها ويدعمها شرعية المواصفات فى الارتفاع فى الطول فى الكمية المخزنة فى سنوات الملء والتشغيل، وهذا رد على من يتساءلون لماذا تم توقيع إعلان المبادئ، يعنى منمضيش عشان تظل الأمور معلقة لا يوجد سند".
واستكمل شهاب:" اليوم وأنا اتفاوض يوجد معى إعلان المبادئ، طيب لو مفيش إعلان المبادئ هقول ايه؟ بستند لمبادئ القانون الدولى، ما هى مبادئ القانون الدولى؟ هذا كلام عام وغير محدد لكن أنا معى الآن وثيقة محددة متضمنة مبادئ القانون الدولى وحددتها وجعلت إثيوبيا تلتزم بها ومصر أيضاً ملتزمة بها، وهذا انتصار كبير والتزام هام على الدول الثلاثة.. يرد واحد تانى يقولك إزاى تمضى وأنت بتتفاوض؟ هناك فرق بين التوقيع على إعلان مبادئ وبين التوقيع على اتفاق تفصيلى، التفاوض يمر بعدة مراحل، وتأتى مرحلة نقف فيها ونقول نحن لم نصل إلى اتفاق نهائى على الأقل تعالى نمضى الأسس والمبادئ التى اتفقنا عليها ونسميها إعلان مبادئ مثلما فعلنا عام 1978، عملنا إعلان مبادئ كامب ديفيد، الرئيس السادات وقع مع رئيس وزراء إسرائيل إعلان مبادئ كامب ديفيد، مصر تعترف بإسرائيل كدولة، إسرائيل ستنسحب من كافة الأراضى، مدخلش فى التفاصيل امتى الانسحاب، التعاون هيكون إزاى، التفاصيل جاءت فى اتفاق لاحق اسمه اتفاقية السلام بعدها بعام 26 مارس، هنا كذلك عندما تعثرت المفاوضات والوقت كان بيضيع كان من صالحنا نقول لا نقف لابد أن نحدد أسس جميعنا يلتزم بها فكان إعلان المبادئ.
وأوضح شهاب:"إعلان المبادئ اتفاق ملزم يقتصر على المبادئ دون تفاصيل الاتفاق ويأتى بعده بالضرورة استمرار التفاوض، واستمرار التفاوض يؤدى إلى اتفاق تفصيلى والاتفاق التفصيلى قد يؤدى إلى اتفاقيات تفصيلية أخرى، هذا رداً على بعض ما قيل ممن يريدون أن ينتقدوا كل شئ بسوء نية أو نتيجة جهل بالمعلومات، أردت أن أعلق عليهم".
وقال شهاب:" إعلان المبادئ فى تقديرى خطوة هامة ونقلة نوعية فى المفاوضات وحدد التزامات محددة تجعلنا فى موقف أقوى مما كنا عليه قبل مارس 2015، تضمن 10 مبادئ أساسية " التعاون والتنمية والتكامل الاقتصادى والتعهد بعدم إحداث ضرر جسيم والاستخدام المنصف والعادل للمياه والتعاون فى عملية الملء الأول لخزان السد وعملية التشغيل وبناء الثقة وتبادل المعلومات وأمان السد" مواصفات السد وعدم وجود ثغرات تؤدى إلى انهياره"والسيادة ووحدة أراضى الدولة والحل السلمى للنزاع " هذه مبادئ جزء كبير منها موجود فى القانون الدولى، لكن تم أخذها من القانون الدولى العام ووضعها فى اتفاقية خاصة، وعندما أتجادل معها فى شىء محدد أقول لها أنت خالفتى المادة رقم كذا.. وهذا ما يحدث حالياً عندما نتحدث مع إسرائيل، هذا بالإضافة إلى أن الإعلان يتضمن ديباجة مثل أى اتفاق فى الدنيا تقول إن الدول الثلاثة الموقعة على هذا الاتفاق نلتزم بكل المبادئ الواردة فيه".
وأضاف شهاب: "الاتفاق يتضمن نقاط إيجابية هامة جداً أن السد لتوليد الطاقة من أجل الإسهام فى التنمية الاقتصادية، الالتزام بعدم إحداث ضرر بأى من الأطراف، وأن الدول الثلاثة ستستخدم مواردها بأسلوب منصف ومناسب، الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء لسد النهضة، مع الاستعانة بمكتب استشارى سيحدد المواصفات التى يجب أن نسير عليها، ضمان استمرارية التعاون حول التشغيل السنوى، ثم الإطار الزمنى لتنفيذ العمليات القادمة، هل هذا الإعلان الذى اقتصر على هذه المبادئ وترك الجوانب الفنية للمكتب الاستشارى هذا فى تقديرى مرحلة إيجابية هامة خطت بالمفاوضات خطوة إيجابية نحو الأمام، ما هى مميزاته؟ أنه نقل المفاوضات من كلام عام غير محدد إلى التركيز على ما ورد فى هذا الإعلان وضرورة تنفيذه، وحدد المبادئ العشرة الأساسية التى تحكم هذا الموضوع وتساعد على حل النزاع.
وأضاف شهاب "اثيوبيا لابد أن تحترم النتائج التى ستتوصل إليها نتيجة الدراسات الفنية التى ستأتى، مشيراً إلى أن الاتفاق لأول مرة يؤسس فكرة التعاون والتنسيق بين الدول ويحدد أن النزاعات تحل عن طريق التسوية الودية، يؤكد أن العلاقات الثنائية بين مصر والسودان وإثيوبيا علاقات قوية ولابد أن نحافظ عليها، وجميعها مبادئ أساسية هامة جداً.
وأوضح شهاب " هذا الإعلان لابد أن نتمسك به وندافع عنه على تنفيذه وإذا كنا اليوم انتقلت الأزمة من أن تكون بين مصر واثيوبيا أصبحت أزمة دولية، لأن الرئيس عبد الفتاح السيسى عرض الأزمة الشهر الماضى على الجمعية العامة للأمم المتحدة، مطالباً تدخل المجتمع الدولى وهذا حقه وواجبه أن نزاعاً ما عندما لا يحل بين دولتين واستمراره يلجأ إلى المؤسسات الدولية، فلجأ إلى المجتمع الدولى ممثلاً فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التى تمثل كل دول العالم يطلب منهم التدخل دفاعاً عن الحقوق دفاعاً عن القانون الدولى ويطلب تدخل أطراف أخرى كوساطة فلا بأس أن يوجد طرف رابع كوسيط، الأمر الذى يوجد أيضاً فى إعلان المبادئ والأمر الذى نجده بالفعل يطرحه، مصر وهى توافق على الوساطة تقبلها من أجل ضمان تنفيذ قواعد القانون الدولى من ناحية وأساسا كل ما ورد فى إعلان المبادئ، نحن نأمل أن تكون هذه الخطوة الإيجابية التى نقلت النزاع إلى هذه المرحلة الهامة من التدخل الدولى أن تجد صدى من الدول التى تمول هذا المشروع، فمشروع كهذا لا يجب أن يستمر تمويله إلا ممن يحترمون القانون، ولا يمكن لاستثمارات عربية أو أجنبية أو دولية أن تتم على مستوى أفراد أو مؤسسات إلا عندما تحترم إثيوبيا قواعد القانون الدولى".
واختتم شهاب حديثه، قائلاً: "نحن أصحاب حق وما ضاع حق من ورائه مطالب شريطة أن تكون قادر على إقناع الآخرين أنك صاحب حق، وأنا أطمئن إلى الفريق المصرى المفاوض وإلى الخبرة الفنية لوزارة الموارد المائية والرى".