بدأت فى قراءة كتاب "طريق الحياة.. رسائل فى الروح والموت والحياة" للكاتب الكبير ليف تولستوى، والذى صدر عن دار نشر آفاق ترجمة المبدع المجتهد يوسف نبيل، الذى أريد أن أشكره على ما قدمه فى عالم الترجمة والأدب بوجه عام، وأنا عادة لا أتحدث عن كتاب إلا بعدما أنتهى منه، لكن هذه المرة ما إن قرأت وريقات قليلة من الكتاب الضخم حتى شعرت برغبة فى الإشارة إلى أهميته، وذلك باختيار بعض ما قاله "تولستوى" عن الإيمان.
الإيمان
كى يحيا الإنسان حياة صالحة، عليه أن يعرف ما الذى يجب عليه أن يفعله، وما الذى لا يجب أن يفعله. وكى يعرف هذا لابد له من الإيمان.
الإيمان هو معرفه الإنسان لماهيته والهدف الذى يحيى من أجله فى هذا العالم، هذا الإيمان كان موجودًا دوما ولا يزال لدى العقلاء من الناس.
..........
عندما يتعرف الإنسان على الإيمان الحقيقى، يحدث معه ما يفعله النور مع إنسان يسير فى قلب الظلام الدامس، يصبح كل شىء واضحا وتتهلل الروح.
...........
إن ارتابتك الشكوك حول حقيقة إيمانك فهو ليس إيمانا حقيقيا إذن، فالإيمان هو الإيمان، أما عندما لا تكون لديك أفكار حقيقية عن إيمانك، فإيمانك وقتها لا يكون حقيقيا.
.......
إن علّمنا الإيمان أننا يجب أن ننكر هذه الحياة من أجل الحياة الأبدية، فهو إيمان كاذب، من المستحيل أن ننكر هذه الحياة من أجل الحياة الأبدية، وسبب ذلك أن الحياة الأبدية موجودة بالفعل فى هذه الحياة.
.......
علينا ألا نعتقد أن الإيمان الحقيقى لابد أن يكون قديما، على العكس فكلما عاش الناس أطول يتضح لهم قانون الحياة الحقيقى أكثر فأكثر، أن نعتقد أنه لا بد أن نؤمن فى زماننا هذا بما آمن به أجدادنا وأجداد أجدادنا يشبه تماما أن نعتقد ونحن بالغون أن ثياب طفولتنا يمكن أن تناسب الآن.
....
كان هناك عامل يعمل لدى سيده. عاش العامل فى منزل واحد مع السيد وكان يلتقى به كثيرا كل يوم. أصبح العامل يعمل أقل فأقل، وأضحى كسولا حتى لم يعد يعمل شيئا تقريبا، رأى السيد هذا لكنه لم يقل شيئا، وكان يشيح بوجه بعيدا فقط عندما يلتقى العامل.
رأى العامل أن صاحبه لم يعد راضيا عنه، فحاول أن يصالحه دون أن يعمل، ذهب العامل إلى أصدقاء سيده المقربين، وطلب منهم أن يقنعوه ألا يغضب منه، علم السيد ما حدث، فاستدعى العامل وقال له: لما تطلب من الآخرين أن يتشفعوا من أجلك؟ أنت معى دائما ويمكنك دوما أن تخبرنى بما تريد، لم يستطع العامل أن يجيب عن هذا بشىء فانصرف.
فكر العامل فى طريقة أخرى، قام بجمع البيض للسيد وأمسك بإحدى فراخه، وأحضر كل هذا هدية له، كى لا يغضب الأخير عليه، حينها قال السيد: تذهب إلى أصدقائى وتحثهم على التحرك من أجلك، فى حين أنك معى والآن تحاول أن تتملقنى بالهدايا، كل ما لديك هو ملكى فى الأساس؟! فإن أتيتنى بما لديك فهو لا يلزمنى.
حينها فكر العامل فى طريقة ثالثة، فنظم القصائد فى تمجيد سيده، وكان يذهب أسفل نوافذه ويصيح بصوت عال منشدا تلك القصائد واصفا السيد بالعظمة والقدرة والعلم الكاملين وبالأبوة والرحمة والإحسان، حينها استدعى السيد عامله مره أخرى وقال: لقد حاولت إرضائى عبر الناس وعبر المنح التى منحتها لك والآن تسلك طريقا أكثر غرابة تصيح وتغنى منشدا عن قدراتى الكلية ورحمتى وما إلى ذلك، تغنى وتنشد عنى أنى كذا وكذا، لكنك لا تعرفنى ولا تريد أن تعرفنى لست فى حاجة لشفاعة الآخرين لك ولست فى حاجة لهداياك ولا لمديحك وإطرائك لما لست تعرفه عنى، كل ما أريده منك أمرا واحدا فقط عملك.
..........
كان أحدهم يبحث عن عمل فالتقى فى طريقه اثنين من سماسرة العمل، أخذ كل منهما يحاول أن يوظفه لدى سيده، قال أحدهما له، تعال لتعمل عند سيدى، المكان أفضل، فى الحقيقة إن لم ترضه فسيكون هناك حساب وسيلقى بك فى السجن، وأن أرضيته فلن تجد سكنى أفضل من سكناه، فعندما تنهى العمل معه سوف تعيش دون أن تفعل شيئا، وستنعم بالمتع فى كل يوم، خمر وحلويات ورحلات، ارضه فقط فتحيا حياة لا يمكن أن تتخيل أفضل منها، هكذا دعاه أحدهما.
أما السمسار الآخر فدعاه للعمل لدى سيده، لكنه لم يذكر شيئاً عن الطريقة التى يكافئه بها سيده، ولم يتفوه بكلمة عن أين وكيف سيعيش العامل، وهل ستكون المعيشة يسيرة أو صعبة، لكن قال شيئا وحدا، هو أن صاحب العمل طيب القلب لا يعاقب أحدا بل ويعيش مع العمال.
فكر العامل فى صاحب العمل الأول، ثمة كثير من الوعود إذا أتم العمل على أفضل وجه، لكن صاحب العمل هذا شديد الشراسة، لأنه يعاقب بقسوة أولئك الذين لا يرضونه، من الأفضل أن أذهب للآخر، صحيح أنه لم يعد بشىء لكنهم يقولون إنه طيب القلب ويعيش مع العمال.
هكذا هو الأمر أيضا مع تعاليم الإيمان، يقوم المعلمون المزيفون بجذب الناس إلى الحياة الصالحة بالتخويف من العقوبة والترغيب فى المكافأة أما المعلمون الحقيقيون يعلمون الناس فقط أن مصدر الحياة والحب يعيش فى أرواح البشر وأنه من الأفضل أن يتحد البشر به.