سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 11 نوفمبر 1848.. نعش إبراهيم باشا يحمله فلاحون تتبعهم النادبات وعربة بداخلها نساء أسرة الوالى.. ووالده محمد على: «حبسنى.. كان قاسيا معى ومع الجميع»

الإثنين، 11 نوفمبر 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 11 نوفمبر 1848.. نعش إبراهيم باشا يحمله فلاحون تتبعهم النادبات وعربة بداخلها نساء أسرة الوالى.. ووالده محمد على: «حبسنى.. كان قاسيا معى ومع الجميع» إبراهيم باشا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استمرت سكرات موت «إبراهيم باشا» ثلاث ساعات،كانت هى الصراع الرهيب بين الحياة والموت، حسبما يؤكد «نوبار باشا»، مستشاره، ووزير والده محمد على باشا فى مذكراته.. كان نوبار بجواره أثناء مرضه وموته.. يسجل مشاهدها بدراما إنسانية مؤثرة..«راجع، ذات يوم، 10 نوفمبر 2019».
 
يؤكد «نوبار»: «لم يكن إبراهيم قادرا على أن ينطق كلمة واحدة أو حتى حرفا، كانت فقط شفتاه تتحركان، وأستطيع القول إننى كنت أفهم ما يريد من حركة شفتيه».. يضيف: «كلفتنى شقيقته نازلى بعد حديث معى من خلال فتحة كالون باب الحريم أن أسأله إذا كان يريد أن يسمح لها بإحضار ابنه مصطفي..رفض فى البداية،ثم فى الساعة الأخيرة من حياته وافق..حضر ستة أفراد سكرات موته،أربعة مسيحيين واثنان مسلمين..إلى جانب فراشه كان أخى يقف وإلى جواره بونفور، ثم ابنه مصطفى، ثم قبطان بك عند مؤخرة الفراش، ثم الطبيب، وأخيرا أنا عند حافة الفراش، أقوم بين لحظة وأخرى بإسناد رأس المحتضر».
 
يتذكر نوبار: «تنقل إبراهيم بنظراته ببطء بيننا، وعندما وصل بنظراته إلى ابنه أغمض عينيه وكأن الألم يعتصر قلبه، لأنه سيتركه لمصير مجهول، ثم توقف بنظره لثوان عند قبطان بك، وكانت نظرته الأخيرة لى».. يذكر نوبار:«كان ذلك يوم 25 نوفمبر 1848»..غير أن مراجع أخرى تؤكد أن الوفاة يوم 10 نوفمبر«عبدالرحمن الرافعى- كتاب عصر محمد على».
 
ترك الحاضرون الحجرة للحريم ونازلى شقيقته طبقا لنصيحة الطبيب، حسبما يؤكد نوبار، مضيفا: «كانت الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل «10 نوفمبر وصباح الحادى عشر منه، مثل هذا اليوم 1848»،عندما خرجنا من عنده، وفى الثانية صباحا سمعنا صرخات مدوية».. يتساءل نوبار: «أكانت صرخات ألم؟.. يجيب: «أشك..كانت صرخات الحريم اللاتى كن ينتظرن لحظة خلاصه من آلامه»..يضيف: «انتشر الخبر، وكانت المفاجأة فى أن أحدا لم يحضر من كبار رجال الدولة».. يؤكد: «لم يهرع أحد، ولم يتسابق أحد للمجىء، بل لم ينزعج أحد.. صحيح ما الضرورة حتى يزعجوا أنفسهم ويقطعوا نومهم؟ إن من كانوا يرهبونه لم يعد هنا».
 
يواصل «نوبار» سرده الدرامى: «فى السابعة صباحا وصل كامل باشا ثم شريف باشا وسامى باشا، ودخلوا الحجرة التى كنت أشغلها فى مواجهة السُلًم.. اكتظ الدور المسحور الكبير فى القصر بكثير من الناس».. يتساءل متعجبا: «ما كل علامات الرضا هذه التى كانت تكسو الوجوه؟ ما كل هذه الأحاديث التى انطلقت مرة واحدة وبصوت عال كما لوكنا فى ميدان عام، حتى أن كامل باشا قال لى: «إنك الوحيد الذى أرى عينيه احمرتا.. أنت الوحيد الذى بكيت».. يعترف نوبار: «فى الحقيقة لم أبك، بل كنت منهكا بدنيا ونفسيا لدرجة أننى لم أكن قادرا على الإفصاح عن أى أحاسيس.. لكن هذه السعادة التى كانت تكسو وجوه هذا الجمع الموجود فى الدور المسحور، هذا المكان الهائل الاتساع الذى كاد أن ينهار تحت وطأة كل هذه الأقدام، أثارت فى داخلى إحساسا غريبا لا وصف له».
 
«كان كبارالموظفين يجلسون فى حجرتى فى منتهى الهدوء، ينادون على عبيدهم ليجلبوا لهم الغليون».. هكذا يتعجب نوبار.. مضيفا: «جاء أشخاص يخبروننا أن النعش عند مدخل القصر.. كان هناك زحام رهيب، هرج ومرج صاخب، إناس يهبطون، وغيرهم يصعدون الدرجات فى فوضى تشبه من يصطحب موكب عروس سعيد»..يضيف: «نزل الناس من القلعة كمن يتسابقون للوصول إلى خط النهاية بخطوات سريعة.. وعند المنعطف الأول المؤدى إلى شارع الموسكى ركب العديد من كبار رجال الدولة خيولهم تاركين الموكب، حتى إنهم لم يحاولوا ذلك فى الخفاء، وتبعهم فى ذلك مساعدوهم».
 
يضيف نوبار: «عند المنعطف الثانى المؤدى إلى مسجد السلطان حسن، انصرف الموظفون.. أما من بقى فى الجنازة، ومن وصلوا إلى مدافن الأسرة فكانوا من الفلاحين حاملى النعش على أكتافهم، تتبعهم النادبات ووراءهم عربة بداخلها نساء أسرة الوالى».. يتذكر نوبار: «حمل النعش بشكل سريع إلى المدفن».. يعلق: «كان مشهدا قاتما وحزينا تغلفه الوقاحة والانحطاط، لأن هذه كانت نهاية الرجل الذى أضاء اسمه الشرق، وهز عرش السلطان محمود «سلطان الدولة العثمانية»، ولم ينقذه سوى تحالف القوى العظمى الأوربية، وأوقفته على مشارف القسطنطينية التى كان شعبها المبهور به يدعو له بخالص الأمنيات».
 
يتذكر نوبار: «فى أثناء اللامبالاه المهينة التى لازمت إبراهيم إلى قبره، كان أبوه كلما أفاق للحظات من غفلته الذهنية المستمرة، يطوف شوارع القاهرة فى حراسة مماليكه وسط جموع الناس التى كانت تنظر إليه باحترام، ويرون فيه أحد المجاذيب.. كانت الناس تقول إنه قبل رحيل إبراهيم بوقت كبير إلى القسطنطينية، رأى محمد على رؤيا عن سفر ابنه وولايته وعودته ثم وفاته».. يؤكد: «عندما أخبروه بوفاة ابنه رد: كنت أعرف.. لقد حبسنى.. كان قاسيا معى كما كان مع الجميع..عاقبه الله وأماته، لكنى أجد نفسى لكونى أباه من الواجب على أن أترحم عليه وأدعو له الله».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة