لسنوات حلم المصريين بالتخلص من الطوابير فى المصالح الحكومية، وانتهاء عصر "فوت علينا بكرة"، وظلت وعود الحكومة الذكية ثم الحكومة الإلكترونية مجرد أحاديث استهلاكيه فى وسائل الإعلام لم يتحقق منها على أرض الواقع سوى وضع أجهزة كمبيوتر عتيقة بمكاتب الموظفين دون استخدامها.. ولكن تجربة بورسعيد تبشر باتخاذ خطوات جدية نحو تحقيق حلم المصريين بأداء الخدمات الحكومية بسهولة ويسر.
إذ لا تستطيع أن تحقق أى إنجاز بدون استراتيجية أو خطة تسير عليها للوصول إلى هدفك، ولكن الحكومة المصرية اعتادت الإعلان عن استراتيجيات وخطط إما وهمية مبالغ فى أهدافها وطرق تنفيذها أو ليست مدروسة بشكل جيد.. إلا أن الأمر اختلف فى استراتيجية "مصر الرقمية" التى أعدتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بقيادة المهندس عمرو طلعت، إذ تجنبت الاستراتيجية الأخطاء السابقة كما وضعت خطة عملية لتنفيذها.
ومن هذا المنطق تستضيف قمة مصر الاقتصادية الأولى والتى تعقد برعاية الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء جلسة للتحول الرقمى وأهميته فى تطوير وتحديث بنية تحتية فعالة ومؤمنة للاتصالات، وتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار.
ويقول الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إن استراتيجية الوزارة بعنوان "مصر الرقمية"، تستهدف ميكنة الخدمات الحكومية من البداية للنهاية، وبناء الإنسان المصرى من حيث قدراته وثقافته وتعليمه وتدريبه ومن ثم المنافسة ليس فقط على المستوى المحلى ولكن الإقليمى والدولى، موضحا أن الشاب المصرى يستطيع أن يلتحق بعمل مع جهة داخل مصر، ولكن الجانب الآخر لن يستطع المنافسة مع شاب آخر فى مدينة أخرى، ومن ثم فلن يستطع المنافسة فى سوق العمل الدولى والإقليمى بل والمحلى دون مواكبة التكنولوجيا الحديثة وإتقانها.
وأضاف أن الاستراتيجية ترتكز على قاعدتين وهما البنية التحتية المعلوماتية، السياق التشريعى، الذى يضمن حوكمة البيئة والإجراءات الرقمية، مثل التجارة الإلكترونية، التعامل الصحى من خلال الوسائل الرقمية، الجرائم المتعلقة بالمنظومة السيبرانية، مضيفا كما ترتكز الاستراتيجية على محورين وهما أولا محور الحكومة الرقمية، ويضم شقين الأول الخدمات التى يتلاقها المواطن، والثانى ربط الخدمات الحكومية ببعضها وكأنها كيان واحد، للتواصل بشكل رقمى غير ورقى، ونسعى لتحقيق ذلك من خلال انتقال الحكومة للعاصمة الإدارية الجديدة، وهو ليس انتقال جغرافى، ولكن انتقال نوعى وفكرى وإدارى، إذ لن يكون هناك أى تعامل ورقى أو تأشيرات بدلا من أقضى ساعة يوميا لإمضاء تأشيرات تحمل كلمة "لا مانع"، وهذا ينعكس على المواطن، فبدلا من التواصل مع أكثر من جهة للحصول على الخدمة، يستطع مقدم الخدمة أن يؤديها للمواطن، وكأن الحكومة وحدة واحدة.
وتابع أما بالنسبة للمحور الأول وهو مشروع ميكنة الخدمات الحكومية، بدأنا بمحافظة بورسعيد كنموذج تجريبى بسبب عدد سكانها ولأنها محافظة المدينة الواحدة، وهو ما ساهم فى ربط المواقع الحكومية، إذ تم ربط كافة مبانى الخدمات الحكومية من خلال شبكات ألياف ضوئية وتم ربط 800 موقع بالشبكة، وفى الوقت نفسه ميكنة الخدمات الحكومية، وأطلقنا فى شهر يوليو 18 خدمة حكومية، وفى سبتمبر 25 خدمة آخرين، وفى أكتوبر 34 خدمة، على أن يتم حتى نهاية العام ميكنة 170 خدمة حكومية.
واستطرد وسيتم بدء من شهر يناير لعام 2020، تعميم 3 خدمات وهى خدمات المرور المتعلقة بترخيص وتجديد الرخص السيارات، وخدمات التوثيق، وخدمات التموين على كافة الجمهورية، أما باقى الخدمات سيتم نشرها خلال 36 شهر، وهى مدة المشروع الذى يتكلف 8 مليارات جنيه، ويتطلب لتعميم تجربة بورسعيد توصيل 33 ألف مبنى حكومى بشبكة الألياف الضوئية.
ولفت إلى أن المواطن سيتلقى الخدمات الحكومية المميكنة بأكثر من طريقة سواء منصة رقمية للمواطنين الذين يستطيعون التعامل مع التكنولوجيا من خلال خدمات مشخصنة، بمعنى أن المواطن سيدخل الرقم القومى وكلمة السر وستظهر له بياناته، مثل تطبيق مركباتى، والذى بمجرد إدخال البيانات ستظهر له كافة بيانات مركباته، ومواعيد ترخيص السيارات أو رخصة القيادة، أما المواطن غير القادر على التعامل مع التكنولوجيا تم تطوير مكاتب البريد لتقديم كافة الخدمات بسهولة ويسر.
وكشف وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عن عزم الحكومة إنشاء أكشاك بمحطات البنزين، لتقديم خدمات تجديد رخص السيارات وخلافه، وذلك فى إطار خطة الحكومة لميكنة الخدمات الحكومية، وتوفيرها بطرق مختلفة تتناسب مع القادرين على استخدام التكنولوجيا من خلال التطبيقات على الهواتف المحمولة وبوابة الحكومة، أو غير القادرين على استخدام التكنولوجيا من خلال تطوير مكاتب البريد لتقديم هذه الخدمات، وتوفير الأكشاك بمحطات البنزين.
وذكر الوزير، أن هناك 3 مشروعات أخرى يجرى العمل عليها بخلاف ميكنة 170 خدمة حكومية، وهم؛ أولا مشروع التأمين الصحى الشامل، والذى تم تطبيقه بمحافظة بورسعيد، وهو نظام مميكن بالكامل بداية من تقدم المستفيدين للخدمة، ثم التحقق من استحقاقه وإدراجه بالمنظومة، ثم الكشف المبدئى عليه من خلال طبيب الأسرة الذى يحيله للطبيب المتخصص ثم صرف الأدوية ثم المطالبات والتسويات المالية، مضيفا فى هذا الصدد نسعى إلى تعميم تلك التجربة فى 4 محافظات جديدة وهى الإسماعيلية والسويس والأقصر وأسوان.
وأضاف أما المشروع الثانى وهو كارت الفلاح، وهو مشروع لميكنة منظومة صرف الأسمدة للفلاح، والتى تخسر فيها الدولية مبالغ طائلة فى الوقت الحالى، ولكن مع تطبيق المنظومة سيتم ضبطها، واستبيان الخريطة الزراعية لمصر لمعرفة الكميات المزروعة والمياه المطلوبة، ومعرفة احتياجاتنا من الكميات المستوردة، وكل هذا يتم حالياً عشوائياً وهو ما يؤدى إلى إهدار ضخم، متابعا بدأنا تطبيق المنظومة بمحافظتى بورسعيد والعربية، وخلال 24 شهراً سيتم تعميمها فى المحافظات، ويقترن تطبيقها إعداد لخريطة زراعية لتحديد المساحات المزروعة فعلياً، وحجم التعديات والأراضى البور مما يساعد فى المستقبل فى منع أى تجاوزات فى صرف أسمدة لأراضى بورت أو التعدى على الأراضى الزراعية.
وتابع المشروع الثالث وهو إعادة هيكلة منظومة الضرائب، ويتم التعاون فيه مع وزارة المالية بهدف تحقيق عدالة ضريبية من خلال توسيع قاعدة دافعى الضرائب بدلا من زيادة العبء على الممولين الحاليين، وهو ما يساهم فى زيادة إيرادات الدولة من الضرائب دون فرض عبء على قاعدة الممولين الحالية.
وأشار الوزير، إلى أن المحور الثانى باستراتيجية "مصر الرقمية"، وهو بناء الإنسان المصرى، ويتم ذلك من خلال تطوير قطاعات الصحة والتعليم والثقافة، مضيفا أن دور الوزارة بهذا المحورمن خلال أولا تدريب وتأهيل الشباب لبناء مجتمعى رقمى ونظم رقمية، ثانيا تحويل مصر لمركز إقليمى، ولتحقيق ذلك يتطلب توسعة قاعدة المتدربين والمتعلمين والمتخصصين، وهذا نطاق واسع جداً إلا أننا انتقينا التخصصات التى لدينا بها ميزة تنافسية تمنحنا الريادة، متابعا: "لن نستطيع أن نعمل كل شئ، فمثلا لن نستطيع تصنيع هارد وير، ولكن يمكننا إنشاء مراكز للاتصالات".
واستعرض الوزير، خطط الوزارة فى منظومة تدريب الشباب، قائلا فى العام المالى 2016/2017 دربنا 4 آلاف شاب، والعام المالى الماضى دربنا 13 ألف شاب، ونسعى لتدريب 20 ألف خلال العام المالى الحالى، ثم زيادتها إلى 25 ألف العام المالى المقبل، ولتحقيق ذلك تم زيادة طاقتنا من مراكز التدريب من 6 فروع حاليا إلى بناء 6 آخرين جدد فى مختلف المحافظات، وداخل الحرم الجامعى لارتيادها دون عناء من الطلاب.
ولفت الوزير إلى خطة تطوير مراكز الشباب، قائلا: "لدينا 4 آلاف مركز شباب، وهى ثروة هائلة يمكن أن نستغلها، وبدأنا فى تطوير 100 مركز على مستوى الجمهورية من خلال توصيلها بكابلات الألياف الضوئية، وتوفير أجهزة الكمبيوتر لمنح دورات تدريبية للشباب، ونسعى لمضاعفة هذا العدد مع ربط كافة مراكز الشباب بالألياف الضوئية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة