استمع الرئيس جمال عبدالناصر باهتمام بالغ إلى كل ما ذكره له فتحى الديب، رئيس دائرة الشؤون العربية برئاسة الجمهورية، حول تطورات المفاوضات بين فرنسا وليبيا بخصوص صفقة طائرة الميراج الفرنسية، حسبما أبلغه بها قائد الثورة الليبية العقيد معمر القذافى، والعقيد مطاوع، وفقًا لما يذكره «الديب» فى كتابه «عبدالناصر وثورة ليبيا»، مؤكدا أن اللقاء كان فى صباح يوم 24 نوفمبر، مثل هذا اليوم عام 1969، ويكشف «الديب» حقيقة «العقيد مطاوع» الذى كشف له تفاصيل ما حدث بين الطرفين الليبى والفرنسى.
بدأ الحديث بشأن هذه الصفقة بعرض قدمه السفير الفرنسى فى ليبيا يوم 15 أكتوبر 1969 إلى عبدالمنعم الهونى، عضو مجلس قيادة الثورة الليبية، باستعداد بلاده لبيع مائة طائرة «ميراج إلى ليبيا»، حسبما يؤكد سامى شرف، مدير مكتب عبدالناصر فى مذكراته، مضيفا أن مجلس قيادة الثورة أبلغ هذا العرض للرئيس جمال عبدالناصر، وإذا تم شراؤها فستكون لصالح المعركة ضد إسرائيل، وإذا وافقت مصر على التعاقد على هذه الصفقة أن تتكفل بالطيارين والفنيين الذين سيقومون على إدارتها وتشغيلها واستخدامها.
كان الديب مبعوثًا لعبدالناصر ومقيمًا فى ليبيا منذ قيام ثورة 1 سبتمبر 1969، فكلفه عبدالناصر بمتابعة الموضوع، ويذكر أنه تلقى رسالة من الهونى يبلغه فيها بالعرض الفرنسى، وحاجتهم إلى إيفاد ضابط طيار مصرى ملم بخصائص الطائرة الميراج، ليسافر مع اللجنة الليبية، وسيزودونه بجواز سفر ليبى، وتتلخص مهمته فى.. أسلوب الدفع والتوريد، وقطع الغيار اللازمة لأطول مدة ممكنة، وأسلوب الصيانة وإجراء عمرة المحركات، والتسليح المفروض وجوده بالطائرة والذخائر اللازمة لأطول مدة ممكنة.. أسلوب التدريب، وأى نقاط أخرى ترى القاهرة إضافتها».
يؤكد سامى شرف: «جاء العرض إلى القاهرة، واجتمع الرئيس عبدالناصر مع الفريق محمد فوزى، وزير الحربية، وأسفر القرار عن السير فى إتمام الصفقة، وسافر وفد ليبى برئاسة عبدالسلام جلود إلى باريس للتفاوض، وضم فى عضويته الطيار المصرى عبدالخالق مطاوع».. وتم الاتفاق بالفعل على توريد 110 طائرات من طرازات مختلفة يتم استلامها وفقا لتوقيتات هى، 4 طائرات تدريب نهاية سنة 1970، 26 طائرة مقاتلة خلال عام 1971، 61 طائرة مقاتلة يتم توريدها فى 1972، 19 طائرة مقاتلة يتم توريدها فى 1973، وكانت القيمة الإجمالية للصفقة 300 مليون دولار، وأن تبدأ المراحل التدريبية خلال عام 1970.
يؤكد شرف: «وضعت فرنسا شرطين فى برتوكول الصفقة أصرت عليهما، ويقضى الأول بعدم استخدام الطائرات فى حرب ضد فرنسا أو ضد أى دولة تربطها بفرنسا علاقات صداقة، أما الشرط الثانى فكان يقضى بألا تعطى ليبيا الطائرات والمعدات لأية دولة أخرى لاستخدامها بأوامر دولة أخرى أو تتركز فى دولة أخرى، وعند استفسار المفاوض الليبى عن هذين الشرطين أوضح الجانب الفرنسى بأن المقصود بالدولة الصديقة تونس والنيجر وتشاد، ولا تتضمن إسرائيل بأى حال، بل على العكس هم يوافقون على أى عمل ضدها، أما المقصود بالتمركز فهو أن يكون تمركزا دائما مصحوبا بنقل الورش والمعدات الثقيلة إلى دولة أخرى، وأشار الجانب الفرنسى أيضا إلى أنهم لا يعارضون هبوط الطائرات فى مطارات مصر، وإذا لزم الأمر أن تقيم فيها مدة لا تزيد على خمسة أشهر، وأصر الوفد الليبى على تضمين هذه الشروح والتفسيرات بروتوكول الصفقة، واستجاب الجانب الفرنسى لذلك».
نقل «الديب» كل تطورات الصفقة إلى جمال عبدالناصر فى لقائهما «24 نوفمبر 1969»، وفقا لما أبلغه به العقيدان «القذافى» و«مطاوع».. يؤكد: «لم يخف جهاز المخابرات الفرنسى مشاركته ضمن أعضاء الوفد الفرنسى فى مفاوضات «الميراج»، حيث مثله عضوان لازما الوفد الليبى بصفة مستمرة خلال تحركاته».. يضيف: «من المفارقات التى أبلغنى إياها العقيد مطاوع والذى كان يتخذ اسما ليبيا، ويحمل جواز سفر ليبيا كعضو فى الوفد الليبى، وأنه لاقى اهتماما كبيرا فى البداية كعضو من عضوى جهاز المخابرات الفرنسية، ثم انتقل الاهتمام إلى محاولة الانفتاح عليه ومناداته وبصورة مباشرة باسم مسيو فتحى الديب، متصورين أنه هو شخصى بذاته حيث التبس عليهم الشبه الغريب بين وجه الأخ مطاوع ووجهى».. يكشف الديب، أن مطاوع ذكر له أنه حاول مرارا وتكرارا إيضاح لهم أنه ليس فتحى الديب، إلا أنهم أصروا على موقفهم، مؤكدين له أنه لا داعى لإصراره على الإنكار، وأن هدفهم لا يتعدى التفاهم بصورة مفتوحة للصالح العام دونما إحراج.. يتذكر الديب: «ضحكت كثيرا لما وقع فيه عضوا المخابرات الفرنسية من لبس فى أوجه الشبه».
يؤكد شرف: «لما كان الرئيس عبدالناصر وضع موعدا مبدئيا لشن معركة التحرير هو ربيع 1971، فقد طلب من الجانب الليبى أن يمارس أقصى ضغوط للتعجيل بتوريد أكبر جزء من الصفقة خلال عامى 1970/1971، وبالفعل شاركت هذه الطائرات بدور مهم فى معركة أكتوبر 1973».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة