جعل المصريون القدماء من الكلاب والقطط حيوانات أليفة، ويرجع إليهم الفضل أنهم هم الذين دجنوا القطط للمرة الأولى فى التاريخ، وتحمل الجدران والمخطوطات المصرية القديمة رسومًا ترمز إلى الحيوانات الأليفة، إذ كان المصريون القدامى يعبدون آلهة لبعضها رأس قطة، ولذا كانت لها قداسة كبيرة لدى المصرى الكبير، ولعل ذلك ما اتضح من خلال اكتشاف خبيئة الحيوانات المقدسة التى أعلنت وزارة الآثار المصرية عن اكتشافها أمس السبت، وتضم عدد كبير من مومياوات القطط الكبيرة والصغيرة.
ومن الآلهة المصرية التى أخذت شكل القطة، كانت استيت إحدى آلهة قدماء المصريين، والتى جسدت على هيئة القطة الوديعة، أدمجت مع المعبودة سخمت في الدولة الحديثة، حيث تمثل سخمت في هيئة اللبؤة المفترسة، وترمز القطة إلى المعبودة باستت، ابنة معبود الشمس رع، التي كانت تصورها الرسومات على شكل امرأة لها رأس قطة، لذا تُعتبر "باستيت" معبودة الحنان والوداعة، فقد ارتبطت بالمرأة ارتباطاً وثيقاً.
باستيت
ووفقًا لكتاب "معجم أعلام الأساطير والخرافات في المعتقدات القديمة" للدكتور طلال محمود حرب، فإن الإلهة باسيت جسدت على شكل قطة وربطت باللبؤة "أنثى الأسد" أيضًا قبا ارتبطها بالقطة الأليفة، وكان الفراعنة المصريون يمتنعون خلال الاحتفالات بالإلهة باسيت، عن صيد الأسود والقطط ويعتبرون ذلك دنسا وخطيئة فى هذا الوقت.
قام المصري القديم بتربيتها في البيوت، وعند موتها كان يحنطها مثلما يحنط موتاه، وكان قتل القطة خارج مكان العبادة من غير الكهنة جريمة قد يعاقب عليها من يقوم بذلك عقوبة شديدة.
وبحسب عدد من المؤرخين، فإن المصرى القديم، كانت له علاقته الخاصة جدًا بالحيوانات، وبخاصة القطط، الأمر الذى مثل قتل قطة في مصر القديمة بأنه يستوجب عقوبته الموت، حتى لو كان هذا القتل خاطئ! المؤرخ Diodorus Siculus يحكي عن قصة رجل روماني قتل قطة في مصر بالخطأ، فانقض عليه الناس وقتلوه، على الرغم من أن الملك شخصيًا تدخل محاولًا إنقاذه (خوفــًا من احتمالية انهيار العلاقات الدبلوماسية مع روما والدخول في حرب معها) ولكن الناس لم تبالي لا بمخاوف الملك ولا باحتمالية الحرب.
وكان تقديس وتبجيل القطط عند قدماء المصريين كان يفوق حب البلد نفسها بمراحل، ما أدى لكارثة عام 525 قبل الميلاد حينما توقع الملك الفارسي قمبيز الثاني بشكل صحيح أنه إذا وضع في مقدمة جيشه جحافل من القطط والكلاب والخرفان (وأي حيوانات أخرى يقدسها المصريون على حد تعبيره) ورسم صورة الإلهة القطة على دروع المحاربين، سيستلم المصريون بشكل فوري تقريبًا خوفــًا من إيذائهم للقطط بالخطأ وهو ما حدث بالنص وكانت معركة الفرما (Pelusium) الكارثية، وبعدها تعمد الملك إهانة وإذلال المصريين شعب وجيش بقتل القطط أمامهم وإعلان إحتقاره لهم لتسليمهم البلد بدون مقاومة خوفــًا على حيوانات عديمة القيمة!
وحسبما جاء فى ("مجلة الفيصل" العدد 29 الصادر فى أكتوبر 1979)، فإن المؤرخ الشهير هيرودوت، أكد أن المصريون القدماء من فرط ولعهم بالقطط، كان إذا شب حريق فى منزل أحدهم، فإن أول ما يقوم بإنقاذه هو القطط.
مومياوات للقطط والجعران
ويقول الكاتب الرومان شيشرون إنه "لم يسمع بمصرى واحد قتل قطة واحدة، وإنه إذا تجرأ أحد الحكام الرومان وقتل قطا أو أصابه بأذى، فلا مفر من أن يلقى مثل هذا الحاكم حتفه على أيدى جماهير المصريين الغاضبة، أما إذا مات القط موتا طبيعيا، فلابد لأهل البيت الذى يأويه أن يزيلوا حواجبهم إعلانا لحدادهم عليه.
ولم يقتصر احترام أهل مصر فى تلك العصور للقطط أثناء حياتها فقط، بل امتد إلى ما بعد الموت، فكانوا يحنطون جثة القطط ويدفنونها فى موكب حافل من الاحترام، وكان يشارك فى تكاليف الجنازة أهل الحى أو القرية أو المدينة التى عاش فيها القطط.
وذكرت "دائرة معارف القرن العشرون - المجلد الثالث" تأليف محمد فريد وجدي، أنه كان من كبريات الجرائم التى تستحق التعذيب الكبير فى مصر القديمة أن يتجازى إنسان على قتل قطة.