لازالت الأصداء مستمرة بخصوص حادث مقتل الشاب محمد عيد بعد أن قفز مع زميل له من قطار بمدينة طنطا أثناء سير القطار رقم 934 مكيف الإسكندرية - الأقصر، بناء على طلب من مشرف القطار، لأنهما من الباعة الجائلين ولا يملكان ثمن التذكرة، الأمر الذي أدى إلى حالة من الغضب والسخط الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعيداَ عن تلك الأزمة التي تصدت لها النيابة العامة، بإحالة كمسرى حادث قطار الإسكندرية الأقصر "رئيس القطار" ويدعى مجدي إبراهيم محمد حمام للمحاكمة الجنائية بتهمة الجرح المفضى إلى الموت والجحر العمد.. يبقى السؤال كيف تصدى القضاء المصري للوقائع والحوادث والمشاجرات التي تقع داخل محطات السكك الحديدية.
إشكالية الخلاف بين الراكب والكمسرى
في التقرير التالي، "اليوم السابع" يلقى الضوء على إشكالية الخلافات التي تقع بين الموظفين وركاب القطار نتيجة الامتناع عن دفع أو سداد قيمة التذكرة حيث سبق وقوع مشاجرة من 55 سنة بإحدى محطات السكك الحديدية بين بعض الركاب وهم "عمال"، مع كمسرى القطار بسبب امتناع العمال عن سداد التذاكر، ما أدى إلى طلب الكمسرى منهم النزول، فوقعت المشاجرة وقام الركاب بإلقاء الحجارة على القطار، ففقد أحد الركاب بصره بسبب إلقاء الحجارة، ووصل الأمر إلى محكمة النقض المصرية التى أدلت بدلوها فى تلك الواقعة.
"اليوم السابع" حصلت على نسخة من الحكم الصادر بجلسة 16 من نوفمبر 1965، برئاسة المستشار الدكتور عبد السلام بلبع، في الطعن المقيد برقم 41 لسنة 31 القضائية، حيث رسخت محكمة النقض في ذلك الحكم منذ 55 سنة لحزمة من المبادئ القضائية، حيث أكدت أنه إن كان لجهة الإدارة حرية إدارة المرافق العامة وحق تنظيمها والإشراف عليها إلا أن ذلك لا يمنع المحاكم من حق التدخل لتقرير مسئولية الإدارة عن الضرر الذى يصيب الغير متى كان ذلك راجعا إلى إهمالها أو تقصيرها فى تنظيم شئون المرفق العام أو الإشراف عليه.
الوقائع
الوقائع– على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل فى أن المطعون عليها أقامت أصلاَ الدعوى رقم 1443 لسنة 1953 أمام محكمة الدرب الأحمر الجزئية ضد الطاعنة، وقالت شرحاَ لدعواها إنه بتاريخ 23 أغسطس 1951 كانت تركب القطار المتجه من القاهرة إلى ميت غمر، وكان به بعض الركاب من عمال مصلحة السكة الحديد يركبون بغير تذاكر، وقد حرر كمسرى القطار لبعضهم المحاضر وسلمهم بمحطتين متعاقبتين، ولما وصل القطار إلى محطة "سند نهور" وأراد الكمسرى تحرير المحاضر للباقين وتسليمهم بالمحكمة قاوموه وحدثت مشاجرة بينهم وبين مستخدمي القطار وأخذت مقاومتهم مظهر قذف القطار بالحجارة فأصابها حجر فى عينها اليسرى إصابة أفقدتها الإبصار.
في تلك الأثناء – قيدت الواقعة برقم 1123 سنة 1951 جنايات بنها ضد مجهول، وطلبت المطعون عليها الحكم بإلزام الطاعنة – وزارة المواصلات – بأن تدفع لها مبلغ 5000 جنيه تعويضاَ لها عما لحقها من ضرر، وقضت المحكمة بإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون عليها مبلغ 1000 جنيه، فاستأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة القاهرة الابتدائية التى قت بإلغاء الحكم المستأنف، وبعدم اختصاص محكمة الدرب الأحمر بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القاهرة الابتدائية حيث قيدت بجدولها برقم حيث مرت القضية بكل مراحل الاستئناف حتى وصلت إلى محكمة النقض المصرية.
حيثيات حكم محكمة النقض منذ 55 سنة
محكمة النقض فى حيثيات الحكم قالت أن الثابت من أوراق تحقيقات الجناية 1443 سنة 1951 مركز بنها المتضمن أن بعضاَ من عمال السكة الحديد كانوا يركبون القطار بدون تذاكر خلافاَ للأنظمة واللوائح وعندما جرت مطالبتهم وأراد موظفوا القطار والقوة المرافقة الإمساك بالعمال لتحرير محاضر بمخالفاتهم انتهزوا وقوف القطار عند أول محطة ونزلوا بالرصيف وأخذوا يقذفون القطار وموظفيه بالحجارة فأصابت إحداها عين المستأنف ضدها – المطعون عليها – مما نجم عنه فقد إبصارها، ثم قرر الحكم بعد ذلك أن الحادث حصل نتيجة اشتباك وقع بين رجال القوة الضئيلة المرافقة للقطار والمؤلفة من 5 أفراد عندما أرادت مطاردة ذلك العدد الكبير من عمال ذات المصلحة المتمردين عليها، فإنه لا يكون قد تناقض فى أسبابه ذلك أن التقرير الثاني يعتبر تحصيلاَ من الحكم مكملاَ للأول ومستخلصاَ منه.
ووفقا لـ"المحكمة" – فكل من التقريرين يتضمن واقعة عدم امتثال العمال لموظفي القطار عند ما أرادوا تحرير محاضر مخالفات لهم وتسليمهم بالمحطة بسبب ركوبهم بدون تذاكر، وما ترتب على ذلك من مطارة موظفي القطار للعمال للإمساك بهم ومقاومة هؤلاء لهم بقذف القطار بالحجارة، ومردود في وجه الثاني بأن ما حصله الحكم من أن الحادث وقع بسبب أن بعضاَ من العمال كانوا يركبون القطار بدون تذاكر لمطالبتهم بقيمتها – هو تحصيل منه لوقائع الدعوى الثابتة من أوراق التحقيقات كلها، وإذ لم تقدم الطاعنة إلا صورة رسمية من تحقيقات النيابة دون محضر ضبط الواقعة المحرر بمعرفة رجال الشرطة فإن النعي في هذا الخصوص يكون عار عن الدليل، ومردود فى وجهه الثالث بأن الحكم المطعون فيه، وقد أقام قضاءه على أن الحادث وقع نتيجة شجار بين القوة المرافقة للقطار والعمال وأن علاقة السببية متوافرة بين حادث الشجار وإصابة المطعون عليها، ومسئولية الإدارة قائمة فى عدم اتخاذ الحيطة الكافية وتسرعها فى مطاردة العمال دون تفكير بالنتائج التى قد يتطور إليها الحادث.
خبير قانونى: حرية جهة الإدارة لا تمنع القضاء من تقرير مسئوليتها عن الضرر
وفى هذا الشان، يقول المحامى محمد شليل، أن حرية جهة الإدارة فى إدارة المرافق العامة فى مثل هذه الوقائع لا تمنع القضاء من تقرير مسئوليتها عن الضرر الذى يصيب الغير نتيجة اهمالها أو تقصيرها فى تنظيم شئون المرفق العام والاشراف عليه.
وبحسب "شليل" في تصريح لـ"اليوم السابع" – أن عدم تقدير الموظفين المرافقة للقطار لحقيقة الموقف وتسرعها فى مطاردة العمال أو في حل الموقف بطريقة قانونية دون تفكير بالنتائج هو سبب مساءلة الإدارة عن الحادث، وإن كان لجهة الإدارة حرية إدارة المرافق العامة وحق تنظيمها والإشراف عليها إلا أن ذلك لا يمنع المحاكم – على ما جرى به قضاء محكمة النقض – من حق التدخل لتقرير مسئولية الإدارة عن الضرر الذى يصيب الغير متى كان ذلك راجعاَ إلى اهمالها أو تقصيرها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة