"حرامي الميراث".. توفيت والدته بعدما أوصت بمنزل لأحفادها الأيتام من ابنتها والبقية الباقية من أملاكها للورثة الشرعيين، فاستخرج الابن الأكبر إعلام وراثة وحكم صحة توقيع منسوب لوالدته كبائعة له قبل مماتها بسنتين ومختوما بخاتمها النحاس، واستحوذ على الميراث كافة الميراث لنفسه وباعه للغير.. كانت تلك الكلمات بداية لقصة مريرة روى أحداثها اللواء رفعت عبدالحميد الخبير في العلوم الجنائية ومسرح الجريمة.
وتابع: "زوج شقيقة المتوفاة شك في عقد البيع وعرضه علينا، لإبداء الرأي فيها، فقلت من الممكن أن يكون مزورا.. فتساءل لماذا؟.. أجبته لأن البصمة تكون مضغوطة علي الورقة ويحتمل تبصيمها بعد وفاتها فاشتكي رسميا بالشرطة، وتولت النيابة العامة التحقيق، وبالفحص الجنائي المعملي، تم استخراج جثة الأم وإعادة تبصيمها بالحبر والتصوير وسحب جلد كف يديها، وتحليله بالبصمة الوراثية".
فى تلك الأثناء – خرجت النتيجة بمفاجآت عدة هى أن البصمة لأنثي وليست رجل، السن 81 عاما، مصرية، التبصيم حيوي مضي عليهم 15ساعة تقريبا، التبصيم علي العقد تم بعد وفاتها وليس في حياتها، لوجود انضغاط واضح علي الورقة محل العقد، التبصيم تم في عجالة، وبسؤال المغسلة قالت إنها قبل التغسيل لاحظت وجود لون أزرق على إصبع الأم المتوفاة وتحديدآ باليد اليمني، وصدر الحكم كالتالي: "حكمت المحكمة بإنفاذ الوصية الواجبة للأطفال الأيتام والسجن 15 سنة مشدد وغرامة تساوي نصيبه من التركة، وتوزع التركة كاملا علي الورثة – هكذا يقول "عبد الحميد".
تلك القصة التي روى تفاصيلها اللواء رفعت عبدالحميد الخبير في العلوم الجنائية ومسرح الجريمة، لم ولن تكون المأساة الأولى ولا الأخيرة التى تحدث فى عمليات التزوير لبصمة الشخص، فبالتأكيد مثل هذه الواقعة حدثت عشرات المرات والسواد الأعظم من هذه الوقائع يمر دون أن يكتشفه أحد، وهنا يبقى السؤال العلمى لضمان حقوق هؤلاء الموتى فى تنفيذ وصاياهم.. كيف يفرق الطب الشرعي بين بصمة المتوقي والحي لعدم ضياع الحقوق؟ - بحسب الدكتور محمد لطفى خليفة الأمين العام لجمعية الأدلة الجنائية والطب الشرعى.
فى البداية، أول ما تتطرق له الأذهان فى مثل هذه الوقائع مدى إمكانية التمييز بين البصمة الحيوية وغير الحيوية للإنسان على قيد الحياة وبين بصمة المتوفى، حيث يتم الاعتماد بشكل مباشر على عملية "الاستعراف للبصمة" من خلال الشكل أولاَ ثم درجة حرارة الجسم والثابت بلى جدال ولا يتغير الشكل بحكمة الله العظيمة، كما أن هناك اختلاف للبصمة من حيث الحجم وبعض التشوهات المميزة للبصمة ولا نهمل طريقة الانطباع للبصمة وطريقة اخذ نماذج البصمات.
ولا يمكن إغفال دور الخبرة والمهارة الشخصية التى تتوافر لدى قليل من الخبراء ولا يمكن تجاهلها، حيث إن الخبراء لهم دور كبير فى التمييز بين بصمة الذكر والأنثى والعمر التقديري للبصمة وتحديد الحرفة وأكثر من ذلك من تحديد الوزن لصاحب البصمة، وما إذا كان ثمين أم نحيف من خلال تقدير عمق الأثر على السطح، وهذا ما توصل له خبراء تحقيق الشخصية والطب الشرعي من تحديد العمر والحرفة ومنها التمييز بين طبعات البصمات الحيوية وطبعات بصمات المتوفى – وفقا لـ"خليفة".
وفى الحقيقة تدوم البصمات بشكل ملحوظ إلى أمد طويل حتى بعد الممات، كما أنها تستمر مدى الحياة وتنمو مرة أخرى طالما بقيت باردة على الجثة، بحيث يمكن للجانب العلوى والسفلي من البشرة "طبقة الجلد الخارجية" أن يجهز الجلد بالبصمة مجددا، وتكون الأدمة على اليدين والقدمين "طبقة الجلد الداخلية" متموجة أيضا، ويمكن استخدامها لخلق عينة سالبة على البشرة، وإذا بقيت اليد في الماء لفترة، سنرى أن البشرة تبدأ فى الابتعاد عن الأدمة كأنها قفاز، وفي حال تضرر اليد ضررا بالغا، فبالإمكان جرح البشرة ووضع اليد داخل قفازات خاصة لمحاولة إضفاء بصمات أصابع جديدة.
وسرعة تحلل اليد في الماء يعتمد على أشياء كثيرة، ليس أقلها درجة حرارة الماء نفسه، فإذا كان الماء باردا جدا ، فيمكن أن تبقى البصمات لفترة طويلة، وبعد الوفاة أو الموت تبدأ مرحلة الهضم الذاتي، بعد الوفاة مباشرة يسهل أخذ البصمة، أما بعد مرحلة "التيبس الرمى" التخشب يحدث تجعد وجفاف للجلد ويجب معالجته وترطيبه بحقن السلاميات بالماء أو الجلسرين للتخلص من التجاعيد وإظهار البصمة، وبعد التعفن قد يتم قطع الإصبع أو سلخه واخذ الجلد المحتوى على البصمة وتحبيرة وطبع البصمة.
وهناك طريقة الكشف عن بصمة الشخص الميت أو الحى من خلال العمل الداخلي لمستشعر بصمات الأصابع الشفاف المرن القادر على كشف الضغط اللمسي ودرجة حرارة الجلد، وهي الطريقة العلمية التي توصل بها الباحثون إلى الشفافية، للتأكد من كون البصمة ترجع لشخص على قيد الحياة أم لا؟ وذلك باستخدام "ألياف النانو" التي تشكل الأقطاب اللازمة لقياس الكمية الصغيرة من التيار الكهربائي الذي يولده الإصبع.
وفى هذه الطريقة يتم توفير مستوى إضافي من الأمان بواسطة جهاز استشعار عالى الجودة لدرجة الحرارة، الذي يهدف إلى اكتشاف ما إذا كان الجهاز قد لمس بإصبع حقيقي أو كائن غير متحرك بقياس درجة حرارة الجسم، وهي طريقة لوقف محاولات النصب المستمرة بالاعتماد على أجهزة مشابهة لبصمة الأصابع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة