تشهد أمريكا اللاتينية حالة من عدم الاستقرار بسبب الاحتجاجات والمظاهرات التى اجتاحت بلدان القارة اللاتينية فى عام 2019، بداية من فنزويلا ووصولا إلى تشيلى وبوليفيا وهايتى والاكوادور وكولمبيا والارجنتين.
ويعتبر تراجع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتى تنوعت بين فرض ضرائب وبطالة وتفشى الفساد، والإحباطات العميقة التى يشعر بها الشعوب اللاتينية والتطلعات الكثيرة التى لم تتحقق منذ عقود والفشل البين للسياسات الاقتصادية، وبالأخص الليبرالية منها، فى إنهاض المجتمعات من الفقر وتوزيع الثروات، فضلا عن السخط المتزايد على الطبقة السياسية وفسادها.
وتجتاح بعض دول أمريكا اللاتينية مظاهرات حاشدة اعتراضًا على تطبيق سياسات اقتصادية تقشفية، والتي تضمنت إصدار قرارات حكومية برفع تعريفة الركوب فى تشيلى، و إلغاء الدعم الحكومى على الوقود فى الإكوادور، وخفض التمويل الفيدرالى على التعليم فى البرازيل، والتزوير فى الانتخابات الرئاسية فى بوليفيا، وارتفاع التضخم ونقص المواد الغذائية فى فنزويلا . وبدت المظاهرات، لبعض المحللين، وكأنها شكل من أشكال الغضب الشعبى من تقليص الإنفاق والدعم الحكومى.
بوليفيا: شبهات تزوير الانتخابات الرئاسية تسبب أزمة
عانت بوليفيا منذ 21 أكتوبر الماضى مظاهرات احتجاجية بعد انتخابات رئاسية شهدتها البلاد وفاز بها الرئيس إيفو موراليس بفترة رئاسية رابعة، مما أثار الشكوك حول وجود تزوير، والتى أدت فى نهاية المطاف إلى استقالة موراليس ونفيه إلى المكسيك.
ومن إغلاق طرق إلى تظاهرات وصدامات، اتسع نطاق النزاع الذى يقسم المجتمع البوليفى مع سقوط أكثر من 40 مصابا بينهم خمسة أصيبوا بالرصاص، منذ مطلع الأسبوع فى اشتباكات بين أنصار موراليس ومعارضيه فى ثلاث مدن من البلاد، هى سانتا كروز، عاصمة بوليفيا الاقتصادية، وكوشابامبا ولاباز.
وأعطت انتخابات 20 أكتوبر إيفو موراليس فترة ولاية رابعة ، حيث فاز بنسبة 47.08 ٪ مقابل 36.51 ٪ لمنافسه ميسا، وولدت هذه النتائج موجة من المظاهرات.
تشيلى ..غضب الفقراء يتصاعد
تعانى تشيلى من أزمة سياسية واجتماعية منذ عودة الديمقراطية فى عام 1990 ، وتستمر الاحتجاجات وأعمال العنف التى تعكس غضب الفقراء، منذ أكثر من 50 يوما.
وما بدا فى بادئ الأمر أنه احتجاجات طلابية على رفع بسيط طال سعر تذكرة المترو، سرعان ما خرج عن نطاق السيطرة، لتتحول الاحتجاجات إلى تظاهرات عنيفة، بسبب المسار الاقتصادى الذى ظل دون تغيير، حسبما قالت صحيفة "الإسبكتادور" المكسيكية.
وفى البداية حاولت الحكومة تبرير قرارها بزيادة تكاليف الوقود وضعف قيمة العملة المحلية، غير أن تبريراتها لم تنجح فى تهدئة المحتجين الذين استنكروا إجراء قالوا إنه يهدف للضغط على الفقراء.
وانفجر الغضب بين جموع التشيليين، بعد إعلان زيادة نسبتها 3.75 % على رسوم مترو سانتياجو، واتسعت الحركة التى يتسم المشاركون فيها بالتنوع، ولا قادة واضحين لها، يغذيها الاستياء من الوضع الاجتماعى والتفاوت فى هذا البلد الذى يضم 18 مليون نسمة.
ومع أن تشيلى تعد إحدى دول أمريكا اللاتينية الغنية فإن استفحال ظاهرة عدم المساواة فيها بين مواطنيها يفاقم من حالة الغليان الشعبى ويفسر اندلاع الاحتجاجات الأخيرة.
وتصنف تشيلى على أنها البلد الأسوأ على مستوى عدم المساواة فى الدخل من بين 36 بلدا عضوا في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادى.
الإكوادور..اجراءات تقشف تشعل التظاهرات
أثارت الاحتجاجات فى الإكوادور منذ بداية نوفمبر عندما أعلن الرئيس لينين مورينو عن إجراء يلغى دعم الوقود من أجل خفض العجز فى الموازنة، وكان مورينو قد تخلى عن السياسات اليسارية التى انتهجها سلفه وموجهه السابق رافاييل كوريا.
وأشارت قناة "تيلى سور" الفنزويلية إلى أن شعبية مورينو الذى يحظى بدعم رجال الأعمال والجيش، تراجعت لأقل من 30 % بعد أن كانت أكثر من 70 % عقب انتخابه.
البرازيل ..مظاهرات من أجل الحق فى السكن
خرجت الحركات الشعبية فى 7 أكتوبر الماضى إلى شوارع البلاد للمطالبة بالحق فى السكن حيث يصل عدد المشردين فى هذا البلد إلى 16 مليون برازيلى.
وقال المنسق العام للحركات الشعبية CMP رايموندو بونفيم: "ندعو الشعب البرازيلى إلى إظهار التضامن والشماركة فى نضال الحركات الشعبية من أجل حق المشردين فى السكن".
ويعانى ما يقرب من 13 مليون برازيلى من البطالة، وتعود البرازيل إلى خريطة الجوع من جديد فى عهد الرئيس جايير بولسونارو ، وفقا لقناة تيلى سور.
الأرجنتين..فوز اليسار ينهى ولاية ماكرى المتأزمة
أما فى الأرجنتين فقد فاز اليسار الذى يمثله البيرونى ألبرتو فيرنانديز على خضمه الرئيس الليبرالى المنتهية ولايته ماوريسيو ماكرى.
وينهى ماكرى الذى يبلغ من العمر 60 عاما أيضا، ولايته خلال أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها الأرجنتين منذ 2001، وهى تشهد انكماشًا منذ أكثر من عام وتضخمًا كبيرًا.
كولومبيا.. واحتجاجات ضد المخدرات
وتعيش كولومبيا منذ نوفمبر احتجاجات واسعة ضد الرئيس إيفان دوكى، ويطالب المحتجون بالتصدى لتهريب المخدرات وأعمال العنف وتحسين أوضاع العمال والتقديمات التقاعدية، كما يطالب البعض أيضا بتقديم دعم للتعليم الرسمى وحماية السكان الأصليين والمدافعين عن الحقوق، واحترام اتفاق السلام الموقع عام 2016 مع تنظيم "فارك" المسلح سابقا، والذى يعتبره دوكى اتفاقا متساهلا جدا.
ويطالب السكان الأصليون، الحماية بعد مقتل 126 من السكان الأصليين منذ تولى إيفان دوكى السلطة فى أغسطس 2018 ، وفقًا لأرقام من المنظمة الوطنية للسكان الأصليين فى كولومبيا، وقتل معظمهم فى مناطق الاتجار بالمخدرات.
2020 عام معقد لأمريكا اللاتينية
يرى المحللون أن عام "2020 سيكون السيناريو معقدا للغاية ولكنه مثير للاهتمام، وصعب بالنسبة لتطلعات أمريكا اللاتينية الليبرالية.
واعتبر الزعماء السياسيين لحزب المعارضة البوليفية، أفانزادا بروجريسيستا و كارلوس ميلو، أن المنطقة ستستمر فى العام القادم فى مرحلة من النزاعات السياسية، ولكن بسبب غضب الشعب من الحكومات الحالية.
وأضاف ميلو: "هنا فى أمريكا اللاتينية بحلول عام 2020، أعتقد أن النزاعات والاختلافات ستستمر، وتتعلق بسخط السكان وانتهاك الحكومات للمتظاهرين، فى رأيه، وكل بلد لها وضع مختلف وأسبابه الخاصة، وفى رأى ميلو، سيستجيب شعب بوليفيا وتشيلى لتهدئة الأمور".
وقال جوليو تشافيز، عضو فى الحزب الاشتراكى الموحد لفنزويلا (PSUV)، فإن الانقلاب الذى حدث فى 10 نوفمبر الماضى فى بوليفيا، هو جزء من تخطيط تنفذه الولايات المتحدة لمنع تقدم اليسار فى أمريكا اللاتينية، قبل إعادة ترتيب القوى التقدمية.
ويصر النائب على أنه فى حالة بوليفيا، تحاول هذه المجموعات "إعادة استعمار" أمريكا اللاتينية و "ركزت على البلدان التى لديها إمكانات الاستفادة منها من المعادن مثل حالة بوليفيا مع ليثوم أو فنزويلا."
دور الأطراف الخارجية
مع التسليم بأن الأزمات التى تشهدها العديد من دول أمريكا اللاتينية فى الوقت الراهن، لها جذور داخلية بالأساس، فهناك تبادل للاتهامات بين أطراف داخلية وخارجية، بالمسئولية عن تفاقم حالة عدم الاستقرار المصاحبة للمظاهرات:
1- الحكومات اليمينية: أدان الرئيسان الإكوادورى والتشيلى الدور المزعوم للأنظمة الاستبدادية في فنزويلا وكوبا، في التحريض على الاحتجاجات في بلديهما، وأيدتهما فى ذلك منظمة الدول الأمريكية ،ووجه رئيس الشئون الأمريكية اللاتينية فى وزارة الخارجية الأمريكية، مايكل كوزاك، اتهامًا لروسيا بإشعال المظاهرات فى الإكوادور وتشيلى.
2- الحكومات اليسارية: زعمت بعض الحكومات اليسارية أن هناك أطرافا دولية تقف وراء الاحتجاجات، ومن ذلك "إيفو موراليس"، فى بوليفيا، الذى اتهم الإمبرياليين والرأسماليين بالتخطيط لتنفيذ انقلاب ضده، وعقب إعلانه الاستقالة، انتقد بعض حلفاء موراليس اليساريين فى أمريكا اللاتينية تطورات الأحداث باعتبارها "انقلابا"، بما فى ذلك الرئيس الفنزويلى "نيكولاس مادورو، والرئيس الأرجنتينى المنتخب "البرتو فرنانديز"، والرئيس الكوبى "ميجيل دياز كانيل".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة