كم مرة سمعت عن بور سعيد، كم بائع مر فى دربنا فى القرية الصعيدية البعيدة وهو ينادى "بضائع بور سعيد" كم فيلم عن الحرب ذكرت فيه المدينة وشعبها المدافع عن مصر كلها، كيف أحببتها وتحمست لها دون أن تراها.
يخجل الإنسان من نفسه، عندما يعلم أنه مقصر فى أشياء كثيرة منها زيارة مدن مصر، ينتظر أن يُدعى، أو أن يذهب فى مهمة عمل، ومن ذلك ما حدث مؤخرا مع بورسعيد.
ذهبت إلى المدينة الباسلة، مشاركا فى فعاليات مؤتمر أدباء مصر فى دورته الرابعة والثلاثين التى انتهت مؤخرا، فوجدت مدينة جميلة بالمعنى المكاني، البحر من أمامها وقناة السويس تبدأ منها، مدينة شاهدة على التاريخ بالمعنى الحقيقى للكلمة، العالم كله مر من أمامها، اللغات جميعها تناثرت كلماتها فى هواها.
نعم هناك قدر كبيرمن المبانى التراثية رأيتها تتداعى، هذه المبانى تستدعى من وزارة الثقافة أن تتحرك بقوة لحمايتها، قبل ضياعها عن عمد أو دون عمد، ليست مجرد مبانى والسلام بل نظم تراثية متعددة ومعمار متميز بحق يمثل كنزا مصريا حقيقيا، لا يمكن التفريط فيه، عمارات ومساجد وكنائس بديعة التكوين، بيوت من الخشب وبيوت من الحجر، وفنار قديم لا يعمل لكنه راسخ يرشد التائهين عن الجمال بعدما كان يرشد التائهين فى البحار، أبطلوا عمله وأقاموا فنارا حديديا باهتا، ليس به أى مسحة من جمال.
فى بور سعيد تتخيل كيف وقف الرجال الأبطال يدافعون عن الوطن ضد عصابات أوروبا فى العدوان الثلاثى وضد عصابات اليهود بعد هزيمة 1967، كانت بورسعيد ورجالها جزءا كبيرا من حكايات الماضى المشكلة فى وجداننا، وكانت أغنيات السمسمية كافية كى تبتل عيوننا بالدمع.
عاشت المدينة أياما من الخير وأياما من التعب والمعاناة، لذا تشكلت روحها وصارت لامعة بين الندى والدمع، بها من البحر ما بها وفيها من التجارة ما فيها، ولها ناسها الذين يتحركون فى هدوء تحسدهم عليه.
ثلاثة أيام قضيتها فى بورسعيد، مارا بشوارها ومتأملا فى بحرها، ومستمعا إلى صدى تاريخها، ومتأكدا أن شيئا ما يربطنى بها، أما الجزء الأهم فى بورسعيد فهو أن تلتقى بالروائى المبدع الصديق سامح الجباس، خير سفير لهذه الأرض الطيبة، منذ وصلنا وهو آخذ بنواصينا، مانحا لنا وقته وطاقته ومعلوماته السخية، فشكرا له ولمدينة بورسعيد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة