يناقش المؤرخ والمفكر الفرنسى أوليفييه روا فى كتاب "البحث عن الشرق المفقود" تجربته الطويلة فى رحلاته عبر أفغانستان وآسيا الوسطى وكيف صقلت مفهومه للعالم الإسلامى وتعقيداته فى التاريخ الحديث.
ويستعرض "أوليفييه روا" فى هذا الكتاب مقاربته المميزة لموضوعات الإسلام السياسى و"اختراع الأمم"ما بعد الحقبة السوفياتية، وعلى نحوٍ أوسع مآل الثقافات والأديان والعلمانية فى سياق العولمة المتعثّرة.
والكتاب سرد حى ومثير تكون فيه الأحداث مدخلاً لتسجيل ملاحظات عدّة محفّزة للتفكير فى الوضع الراهن، وهو امتداد لفكر "روا" ومساره منذ سنوات التزامه الطّالبى الأولى فى فرنسا، مروراً بأسفاره إلى تركيا وإيران وباكستان واليمن وأفغانستان، وصولاً إلى تكريسه مرجعاً فى أوساط الباحثين فى الشؤون الإسلامية.
وفى قراءة للكتاب قدمها الدكتور خليل العنانى، أستاذ العلوم السياسية الزائر بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية فى موقع "الخليج الجديد" قال:
يتناول الكتاب الجوانب الشخصية والبحثية لـ"روا"، وكيف جاء اهتمامه بموضوع الإسلام، وتحديداً الإسلام السياسى.
لا يتناول الكتاب حياة "أوليفييه روا"، ليس من منظور بحثى، أو أكاديمى، كما جرت العادة فى مثل هذه الكتب، وإنما من منظور شخص رحّالة يعشق السفر والتعرف على المجتمعات والثقافات الجديدة.
ومن واقع معايشته لمجتمعات الشرق التى كان لديه شغف كبير بالتعرّف عليها، محطات كثيرة لافتة فى حياة الرحالة الأنثروبولوجى من مدارس باريس، مرورا بشوارع إسطنبول فى تركيا، إلى جبال أفغانستان، ومدن وسط آسيا، انتهاء بالعالم العربي، وهى رحلة عكسها عنوان الكتاب "بحثا عن الشرق المفقود".
وجاء "روا" إلى الشرق، وتحديداً أفغانستان، فى مايو 1969، وهو فى التاسعة عشرة عاما من عمره، بعدما أتم دراسته فى مدرسة الليسيه الكبيرة، وذلك من أجل ممارسة هواية "الترحال" فى شوارع كابول وجبالها، بعدما سمع عنها حكاياتٍ كثيرة من الأصدقاء، عندما زار تركيا فى الصيف الذى سبقه.
بدأ "روا" رحلته لاستكشاف الشرق، مع مجموعة من الرحالة، من تركيا مروراً بطهران وصولاً إلى أحياء كابول التى كانت تضج بالحياة أوائل السبعينات، حسبما يشير فى الكتاب، وكان قد بدأ فى تعلم الفارسية، عندما كان فى المدرسة الثانوية، وكان يرغب فى ممارسة اللغة الجديدة فى مناطقها، كى يتقنها بطلاقة، كما يوضح فى الكتاب.
لم يذهب "روا" إلى أفغانستان، بحثا عن الحشيش، كما كان يفعل أقرانه بعد موجة الانفتاح التى جسدتها ثقافة "الهيبز" آنذاك أواخر الستينات، وهو الذى يقول عن نفسه إنه لم يسع إلى تقليدهم، سواء فى شعورهم الطويلة أو فى خروجهم عن المألوف أو جنونهم بالموسيقى، وإنما كان يبحث عن سحر الشرق المفقود الذى قرأ عنه فى كتبه المدرسية.
بعدما وصل فوج الرحالة إلى مدينة هيرات، يقول "روا"، إنه قرّر أن يتركهم، ويبدأ رحلته الاستكشافية وحده، وأن تطأ أقدامه شوارع وطرقات ومدنا لم يصل إليها شخص أبيض قبله، إنه شغف المعرفة الذى كان يحرّك "روا" فى رحلته إلى أفغانستان، وهو ما حدث، عندما وصل إلى مقاطعة نورستان فى شرق أفغانستان، التى تتميز بطبيعتها الخلابة، وجذبها السياح الذين يمارسون هواية الصيد، تنقل روا بين قرى أفغانستان، واستضافته عائلاتها الفقيرة، والكريمة فى الوقت نفسه، حسبما يصفهم.
وخلال الثمانينات، بدأ "روا" جولة أخرى لاستكشاف الشرق، ولكن من بلدان آسيا الوسطى التى ذهب إليها، هذه المرة، فى وظيفة رسمية، وبعدها بدأ فى التركيز على مجال البحث والكتابة، خصوصا عن الإسلام والإسلاميين.