كشف المؤشر العالمى للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم عن حصاده لعام 2019، مشيرًا إلى أنه قام بالرصد الآلى لنحو 4 ملايين فتوى فى أكثر من 40 دولة حول العالم، وكذلك تفنيد الخطاب الإفتائى لأكثر من 13 تنظيمًا إرهابيًّا فاعلًا. وتوصل المؤشر إلى أن مصر والسعودية والأردن كانت أكثر الدول إصدارًا للفتاوى الرسمية وغير الرسمية على مستوى العالم خلال العام 2019.
ومن خلال رصد فتاوى 500 دار إفتاء رسمية وهيئات عربية وأجنبية، ومتابعة (1500) موقع متخصص فى الفتوى، كشف المؤشر عن استحواذ المواقع القطرية على أكثر من ثلث فتاوى المواقع المتخصصة المصدرة للفتوى فى العالم، حيث استخدمتها لتحقيق أهداف سياسية، ومن أبرز الفتاوى التى أثارت جدلًا عبر تلك المواقع فتوى القرضاوى حول حكم تكرار الحج والعمرة، وفتاوى موقع "إسلام ويب" بتحريم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، واعتبار تشبيه الرئيس المصرى الراحل "محمد مرسي" بسيدنا يوسف أمرًا غير مستنكر.
كما رصد المؤشر فتاوى منشورة بـ (2000) صحيفة وموقع إخباري، فضلًا عن متابعة (100) قناة تليفزيونية تبث فتاوى و(20.000) حساب نشط على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة (شخصيات وهيئات) متخصصة فى نشر الفتوى، وأكد المؤشر أنه خلال عام 2019 برز الوجه القبيح للسوشيال ميديا؛ حيث باتت أرضًا خصبًا لإنبات الشائعات الدينية والفتاوى المغلوطة، واستغلتها الجماعات الإرهابية فى نشر الفتاوى والشائعات الموجهة لصالح أهداف سياسية، ومن أبرزهم الإخوانى وجدى غنيم الذى اتخذ صفحته عبر فيسبوك كمنبر لبث خطابات الكراهية والعنف فى المجتمعات العربية.
وأضاف المؤشر أنه قام بدراسة وتحليل أكثر من 55 قضية دينية وإفتائية مُلحة تنوعت بين قضايا التطرف والعنف المتعلقة بالتنظيمات الإرهابية والإخوان المسلمين، ودراسة وتحليل قضايا الأقليات المسلمة فى دول أوروبا، ودراسة وتحليل قضايا الشأن العام (كقضايا المرأة – الطفل – وزواج القاصرات- والفتاوى الطبية)، فضلًا عن دراسة القضايا المرتبطة بالتكنولوجيا والسوشيال ميديا والألعاب الإلكترونية، وفتاوى حروب الجيل الخامس والأمن السيبراني، الفتاوى الواردة فى رسوم الكاريكاتير، وفتاوى التطبيقات وكيف كان المؤشر أول المحذرين منه، وسار على نهجه حكومات أوروبية "مثل ألمانيا وفرنسا" وطالبت بمنعه، هذا بالإضافة إلى فتاوى المناسبات مثل فتاوى عيد الأم وعيد شم النسيم وغيرها،.
وحول أبرز الإحصاءات المتعلقة بقضايا الشأن العام خلال العام 2019، رصد المؤشر ما يقرب من 50 ألف فتوى حول الطفل والمرأة والطب وغيرها من القضايا الاجتماعية، وتوصل إلى أن 10% من فتاوى السلفيين على مدار العام تدعم زواج القاصرات، وتدور أحكامها حول ألفاظ (حلال – جائز – ومباح).
وحول ظاهرة الطلاق، تصدرت مصر دول العالم فى فتاوى الطلاق على مدار العام بنسبة 28%، بدليل استقبال دار الإفتاء المصرية فقط لأكثر من 4 آلاف فتوى شهريًّا حول تلك الظاهرة.
وكشف المؤشر أيضًا أنه على مدار العام، انتشرت الفتاوى المرتبطة بالعنف الأسرى وأسئلة المستفتين عن كيفية التعامل مع تلك الظاهرة بنسبة 23% من جملة الفتاوى المرتبطة بقضايا العنف ضد المرأة، يليها فتاوى الختان وتشويه الأعضاء الأنثوية بنسبة 20%، وفتاوى الحرمان من الميراث بنسبة 17%... وغيرها من القضايا.
وحول حملات مقاطعة الزواج، توصل المؤشر من خلال استطلاع رأى أجراه إلى أن 84% من المواطنين يرفضون حملات المقاطعة بشكل قاطع، وأن 95% من فتاوى المؤسسات الدينية الرسمية ترسّخ فكرة الزواج الشرعي، فيما جاءت 90% من فتاوى الزواج فى التنظيمات الإرهابية لتنفيذ أيديولوجيات متطرفة وليس لأجل إحياء مبادئ الشريعة وبناء المجتمعات والأوطان.
وحول فتاوى الطفل، أوضح المؤشر أنها شكّلت (4%) من إجمالى الفتاوى المرصودة عالميًّا على مدار العام، ودارت (47%) منها حول العبادات، مثل أحكام صيام الأطفال واصطحابهم إلى المساجد، وغيرها، فيما جاءت (22%) منها محذرة من الألعاب الإلكترونية العنيفة.
ولفت المؤشر أيضًا إلى أن الفتاوى الطبية شكّلت (17%) من جملة الفتاوى المرصودة عالميًّا، استحوذت مصر على 32% منها، وأما الفتاوى الطبية الخاصة بالتنظيمات المتطرفة فوجِد أنها لا تحتل نسبة تذكر بالنسبة لمجمل فتاويها، وهذا يقودنا إلى احتمالين؛ الأول: أن هذه التنظيمات تتعامل مع الطب على أنه وصفات علاجية لا شأن للفتوى بها، والأمر الثانى أن الأمور الطبية يتم تداولها عبر غرف مغلقة، ومن أبرز الفتاوى المتداولة لديهم فى ذلك المجال فتاوى داعش بأن أجساد الكفار ليست محل احترام ويمكن سلبها واستئصالها لعلاج المسلم.
وخلص مؤشر الإفتاء إلى أنه خلال عام 2019؛ جرى رصد أكثر من (3000 فتوى) من أكثر من 2500 إصدار للتنظيمات الإرهابية، وتبين أن 51% منها فتاوى "جهادية"، لافتًا إلى أن تنظيم "داعش" كان الأكثر استخدامًا لتلك الفتاوى الجهادية، حيث بلغت 84% من إجمالى فتاويه.
وبرّر المؤشر ما سبق بمحاولة تعويض هزائم داعش المتكررة وإثبات وجوده من جديد، ومن هذه الفتاوى الصادرة ضد الجيش المصري: "أخرجوا أبناءكم من صفّ الجيش المرتد؛ عميل اليهود والنصارى، وامنعوهم من الدخول فيه .. والله لن نترك كل من وقف فى صف هذا الجيش المرتد يحارب الله ورسوله ويسعى فى الأرض فسادًا، ونحن مستمرون فى قتالهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم بالحق يوم القيامة.".
وحول أبرز إحصاءات فتاوى جماعة الإخوان الإرهابية خلال عام 2019، أوضح المؤشر أن أكثر من (50%) من فتاوى الجماعة تحرِّض دومًا على العنف والحروب الأهلية واستهداف الجيوش الوطنية، كما أن أكثر من (40%) من فتاويها "استقطابية" تتسم بالبعد عن التشدد فى ظاهرها لأجل استقطاب المتلقى وتهيئته لتقبل الفكر المتطرف؛ ومن ثم تشكيله بحسب توجهات الجماعة.
وعن أبرز إحصاءات المؤشر خلال العام 2019 حول فتاوى القضايا المرتبطة بالتكنولوجيا والوسائل الحديثة، كشف المؤشر من خلال اقتحام الغرف المغلقة للتنظيمات الإرهابية أن 60% من محتوى الرسائل المتداولة دارت حول نشر انتصارات وهمية وأناشيد حماسية وتبادل الفتاوى المتطرفة، ومن أبرزها جواز قتل الوالدين فى حال معصية الله، وجواز قطع الرؤوس والأيادى للخوارج، وأن الحاكم المقتول ليس من الشهداء، واعتبار الديمقراطية نظامًا مخالفًا للإسلام والشريعة، وأن الهجرة من ديار الكفار لديار الإسلام أمر واجب.
ومن أشهر القنوات التى بثت رسائل متطرفة وتحريضية وإرهابية عبر التليجرام خلال 2019، "شباب الخلافة – مؤسسة أجناد – جنود الخلافة – المعتصم بالله – وكالة أعماق – إذاعة البيان – أم عمر الجهادية – ابنة الخلافة".
ومن القضايا التكنولوجية التى تطرق إليها المؤشر أيضًا، تأثير فتاوى موقع أسك إف إم على رواد مواقع التواصل، حيث توصل إلى أنه خلال عام 2019 وجد أن أكثر من 20 داعية وباحثًا دينيًّا من جنسيات متعددة عبر الموقع ينشرون ما يزيد عن 200 فتوى يوميًّا، ولفت إلى أنه رغم اعتماد هؤلاء المشايخ للأسلوب الجاذب للشباب فى فهم تعاليم الدين الإسلامى إلا أن استخدامهم لـ "الأسانيد الشرعية" خاصة بالنسبة لفتاوى شهر رمضان الكريم لم يتعدَّ 6%.
وعن فتاوى تطبيقات الهواتف، كشف المؤشر أن الأبلكيشن الإخوانى "يورو فتوى " التابع للمجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث، من أكثر التطبيقات التى استحوذت على الاهتمام خلال العام 2019، وتضمن التطبيق 265 فتوى على مدار العام، وقد حُذف التطبيق عبر جوجل بلاى وآبل لاحتوائه على محتوى عنيف وبسبب التوجه المتطرف لـ "يوسف القرضاوي" (المقيم فى قطر والذى يُعدّ الزعيم الروحى المؤثر للإخوان المسلمين) والذى ترأس المجلس سابقًا؛ ما أثار الذعر فى نفوس الكثير من الغربيين، لترسخ صورة ذهنية سلبية عنه لما يصدره من فتاوى تحمل الكثير من الكراهية والعنف والعداء.
وفى تحليله للفتاوى فى المجتمع الأوروبي، أكد المؤشر العالمى للفتوى أن الأقليات المسلمة فى الغرب تعتمد على المراكز الإسلامية بنسبة 96% مقارنة بالأفراد، وأن ظاهرة الإسلاموفوبيا زادت فى العام 2019 بسبب الفتاوى المتطرفة بنسبة 25%، كما أن 20% من خطابات اليمين المتطرف فى الغرب ارتبطت بالعِرق واللون والهوية الدينية.
ونتيجة لذلك خلص مؤشر الإفتاء إلى أن ترك ساحة الفتوى لبعض الأئمة المنتمين لجماعات متطرفة - فكرًا أو تنفيذًا - يجعل منهم المرجعية الوحيدة المنفردة لدى مسلمى أوروبا، ويُنذر بخطر داهم؛ لأن تلك التنظيمات جعلت من ساحة التواصل الاجتماعى جسرًا لتنفيذ كل مخططاتهم على كافة المستويات.
كما حذر المؤشر من وجود قوانين غربية داعمة ومعززة لظاهرة الإسلاموفوبيا، فقد جعل التجمع الوطنى الفرنسى الإسلام محورا فى حملته الانتخابية الأوروبية الأخيرة فى مارس 2019، حيث ركز على سياسة التخويف من المسلمين والإسلام من خلال تسليط الضوء على أحكام فى الشريعة الإسلامية تتعارض مع القوانين الفرنسية ومنها أحكام المواريث وأحكام وضوابط ارتداء الفتيات للحجاب الإسلامى عند 7 سنوات.
وتضمنت الصفحة الأولى من كتيب الحملة تساؤلا غريبا "غدا، هل ستكون النساء الفرنسيات قادرات على إرتداء ما تفضلن؟
وفى ذلك الإطار، لفت المؤشر إلى أن التنظيمات الإرهابية والجماعات المتشددة تستغل بعض الأوضاع والقوانين فى الدول الأوروبية فى استقطاب المسلمين ونشر فتاوى غير منضبطة، وكذلك استغلال افتقار الدول الغربية للمناهج الإسلامية المعتدلة التى تدرسها، وغياب الأئمة والعلماء لتعويض هذا الدور ببث مناهج متشددة، واستغلال تمسك بعض الدول بمبادئ العلمانية، مثل حالة فرنسا ورفض تدريس الدين فى المدارس، واقتصار التعليم الدينى على المساجد والجمعيات الدينية للسيطرة على أفكار المسلمين.
وبيَّن المؤشر العالمى للفتوى أن (33%) من فتاوى الجماعات المتشددة فى أوروبا تغذى وتنمى ظاهرتى الإسلاموفوبيا والتطرف؛ حيث مثَّلت فتاوى الجهاد نحو (90%) من جملة هذه الفتاوى؛ لافتًا إلى أن تلك الفتاوى منها ما يصدر من الداخل الأوروبى من جانب بعض منتسبى السلفية الجهادية والإخوان المدعومين من تركيا وكذلك الدواعش وأخواتهم عبر منابرهم بالداخل، ومنها ما يكون من مشايخ عبر مواقع التواصل الاجتماعى يجيبون على فتاوى لمستفتين من القارة الأوروبية.
لذلك أكد المؤشر أن هناك اتجاهين إفتائيين يؤثران فى الداخل الأوروبي؛ أحدهما ينشر التشدد والإساءة للمفاهيم الصحيحة للإسلام، والآخر يروِّج للتطرف والإرهاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة