يعد إطلاق اسم الراحل الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الشريف الراحل، علي أي ميدان ، تكريما وتشريفا للمكان ذاته، فالسر في بقاء اسم الشيخ حتى الآن، هو أنه كان إماما في الدعوة إلي الله تعالي بسلوكه وقدوته قبل كلامه وتوجيهه وهو ما يتفقده الدعاة الجدد، فالشيخ كان إماما صادقا في دعوته وسلوكه وتعاملاته في الحياة، هي التي يتعامل بها مع الجميع وهي جزء منه لم يتغير أبدا، وكان معتز جدا بأصلة الريفي ويحب قريته جدا بالشرقية ويسافر إليها باستمرار، ولم تغيره الحياة بكل ما أعطت له من مناصب بل كان زاهد فى الحياة، وسعى طوال حياته إلي نشر الدين الإسلامي بتعاليمه السمحة.
الرئيس كارتر في صورة مع الشيخ أثناء زيارته لأمريكا
"اليوم السابع" تواصل مع أسرة الشيخ، بعد يومين من قرار رئيس مجلس مدينة بلبيس، إطلاق اسم الشيخ على أهم الميادين بمدينة بلبيس، وهى المرة الأولى التي يتم إطلاق اسم الشيخ علي ميدان بمحافظة الشرقية التي ولد بها بقرية السلام مركز بلبيس.
وقال الدكتور عاصم الشريف استاذ ورئيس أقسام أمراض الباطنة، بكلية الطب بجامعة الأزهر الشريف، أول حفيد للشيخ عبدالحليم محمود، إن جده رحمه الله ،كان يقيم في شقة بالإيجار بـ24 شارع العزيز بالله بحي الزيتون بالقاهرة، قد عرض عليه كثير من الأصدقاء والمسئولين الانتقال إلى فيلا بعد توليه منصب مشيخة الأزهر، لكنه رفض وظل يقيم في منزله وكانت شقة إيجار وبعد وفاته تنازل أبناؤه عنها لصاحب الملك، موضحا أنه قضى فترة كبيرة من نشأته مع جده، وكان الشيخ ، يبدأ يومه قبل الفجر بساعة، يؤدي صلاة القيام ثم يصلي الفجر، ويبدأ عنده النشاط العلمي والبحثي ، وفى الساعة الثامنة صباحا يتوجه إلي مكتبه بالوزارة، وثم يعود للمنزل فى الساعة الثالثة عصرا، يقضي برهة من النوم، ويتناول مشروب القهوة الذي يحب أن يعده بنفسه، ثم يبدأ فى الفترة من العصر للمغرب في عقد صالون ديني، في منزله يستقبل فيه جميع المواطنين من كبار رجال الدولة من الوزراء والشخصيات العامة والبسطاء.
الشيخ
وأضاف الدكتور عاصم، أن جده كان له مواقف قوية منها موقفه الشجاع من قانون الأحوال الشخصية الذي روج له بعض المسؤولين من أجل تعديله، بحيث يقيد الطلاق، ويمنع تعدد الزوجات، فانتفض الشيخ وقال: لا قيود علي الطلاق إلا من ضمير المسلم، ولا قيود علي التعدد إلا من ضمير المسلم، ولم يهدأ حتى أُلغي القرار بالتعديل، حيث وقف في وجهه قبل أن يرى النور، وهناك موقف ثاني له في يوليو سنة 1974 عندما صدر قرار جمهوري خاص بتنظيم شئون الأزهر وتحديد مسؤولياته، علي أن يكون الأزهر تابعا لمسئولية وزير شئون الأزهر، مما أفقد الأزهر استقلاله، فأسرع الشيخ بتقديم استقالته، في واحد أغسطس، احتجاجا علي القرار، وتدخل الحكماء لإقناعه بالعدول عن قراره، لكنه أصر على استقالته، وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول راتبه، وطلب تسوية معاشه، وأحدثت هذه الاستقالة دويا هائلا في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي، وإزاء هذا الموقف الملتهب اضطر الرئيس السادات إلى معاودة النظر في قراره ودراسة المشكلة من جديد، وأصدر قرارا أعاد فيه الأمر إلى نصابه، جاء فيه:" شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي فى كل ما يتصل بالشئون الدينية" فضلا عن موقفه من إعادة أموال الأوقاف للأوقاف، أثناء توليه لوزارة الأوقاف، وجد أن للوزارة أوقاف بالملايين، أخذها الإصلاح الزراعي، لإدارتها لحساب الوزارة، فلم تعد تدر إلا القليل، فاسترد هذه الأوقاف من الإصلاح، لإدارتها لحساب الوزارة، لتدر خير وفير، أستغله في بناء المساجد، حيث عني بالمساجد عناية كبيرة، فأنشأ عددا منها، وضم عددا كبيرا من المساجد الأهلية، وجدد المساجد التاريخية الكبرى مثل جامع عمرو بن العاص ثانى أقدم المساجد في إفريقيا بعد مسجد سادات قريش بمدينة بلبيس محافظة الشرقية.
الشيخ عبد الحليم محمود
وقال العمدة محمود صالح عمدة قرية السلام، ونجل شقيقة الشيخ، الذى شغف على جمع كل ما يخص الإمام فى مكتبة خاصة بمنزله بالقرية، أن عصر الشيخ سمى بالعصر الذهبى للمعاهد الأزهرية، وحينما تقلد منصب شيخ الأزهر ،كانت قبل عهده المعاهد تعد على الأصابع وأنشئ فى عهده آلاف المعاهد على مستوى الجمهورية، وجاب القرى والمدن يدعو الناس للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية، فلبى الناس دعوته وأقبلوا عليه متبرعين، ولم تكن ميزانية الأزهر تسمح بتحقيق آمال الشيخ في التوسع في التعليم الأزهري، وكان يقصد من ذلك نشر التعليم الأزهرى الإسلامى الصحيح وسمح بقبول تحويل الطلاب من التربية والتعليم إلى الأزهر لنشر التعليم الازهري، وبث روح التربية الإسلامية فى النشأة وكان لا ينقطع فى المناسبات الدينية وكان قدوة ومثل أعلى لأهل القرية ويصل الرحم ولا ينقطع عن الاتصال بأهل القرية، لدرجة أنه لا يوجد أسرة بالقرية إلا وتسمى ابنها عبد الحليم، ولا يوجد شخص في العائلة ينجب ولد إلا ويسميه على اسم الشيخ.
اللواء محمد صالح وشقيقه العمدة محمود صالح أبناء شقيقة الشيخ عبد الحليم محمود
وتابع : رأى الشيخ عبد الحليم محمود، قبيل حرب أكتوبر المجيدة، رسول الله فى المنام يعبر قناة السويس ومعه علماء المسلمين وقواتنا المسلحة، فاستبشر خيرا وأيقن بالنصر، وأخبر الرئيس السادات بتلك البشارة، واقترح عليه أن يأخذ قرار الحرب مطمئنا إياه بالنصر، ولم يكتف بهذا، بل انطلق عقب اشتعال الحرب إلى منبر الأزهر الشريف، وألقى خطبة عصماء توجه فيها إلى الجماهير والحكام مبينا أن حربنا مع إسرائيل هى حرب فى سبيل الله، وأن الذى يموت فيها شهيد وله الجنة، وكانت نتيجة الإعداد الجيد الذى قام به الجيش المصرى، مضافا إليه طمأنة الدكتور عبد الحليم محمود لرئيس البلاد وحَفْزه إياه على شن الحرب ضد قوات الصهاينة، التى تحتل جزءا غاليا من تراب مصر، هى ما أسفرت عنه الحرب الرمضانية المجيدة من نصر كبير، و سلم علي يد الشيخ العشرات، حيث سعي الشيخ طول فترة حياته لنشر الدين الاسلامي في جميع أنحاء العالم، وعقد لقاءت في كافة الدول الأوربية والعربية، والرئيس الأمريكي " كارتر " استقبله استقبال حافل، ورحب به ترحيب كبير، لما عرف عنه أنه شيخ أكبر مؤسسة دينية في العالم وعمل لقاءات كبيرة جدا وخطب في الكونجرس الأمريكي، ورافقه في هذه الجولة الشيخ الحصري الذي أذن فى الكونجورس، وبعد زيارة الشيخ لأمريكا، تم تأسيس غرفة في الكونجرس لتأدية الصلاة للمسلمين، وللشيخ أكثر من 60 مؤلفا في التصوف والفلسفة، بعضها بالفرنسية، من أشهر كتبه:"أوروبا والإسلام"، و"التوحيد الخالص "أو "الإسلام والعقل"، و"أسرار العبادات في الإسلام"، و"التفكير الفلسفي في الإسلام"، و"القرآن والنبي"، و"المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي".
اللواء محمد صالح، وشقيقه العمدة محمود صالح أبناء شقيقة الشيخ
وقال اللواء سامي علام رئيس مدينة بلبيس، لـ" اليوم السابع" إنه فور توليه رئاسة مجلس مدينة بلبيس، منذ شهر ونصف، وعلم أن الشيخ عبد الحليم محمود ولد علي أرضها، أرسل مذكرة للمحافظة لاطلاق اسمه علي أهم ميدان بمدينة بلبيس وهو ميدان باتا، تكريما وتخليدا له لكونه من مواليد مدينة بلبيس العريقة، وعلي الفور وافق الدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية وأثني علي ذلك، ويتم حاليا تجهيز تمثال للشيخ لوضعه في الميدان لكي يعرف الأجيال القادمة من أبناء بلبيس فضيلة الشيخ.
الشيخ عبد الحليم محمود مع العمدة محمود صالح نجل شقيقته
علي ضفاف ترعة الإسماعيلية بعزبة أبو أحمد، بقرية السلام التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، ولد الشيخ عبد الحليم محمودسنة 1328هـ، ونشأ فى أسرة كريمة شريفة ميسورة، مشهورة بالصلاح والتقوى، وهو الابن الأكبر لأشقاء "3 ذكور و4 بنات " وكان والده - رحمه الله - صاحب دينٍ وخلقٍ وعلم، وحفظ الشيخ القرآن الكريم فى سِنٍّ مبكر ، ثم دخل الأزهر سنة 1923م، وظل به عامين ينتقل بين حلقاته، حتى تم افتتاح معهد "الزقازيق" سنة 1925م، فألحقه والده به؛ لقربه من قريته، ثم التحق بعدها بمعهد المعلمين المسائي، فجمع بين الدراستين، ونجح فى المعهدين، ثم عُيِّن مُدَرِّسًا، ولكن والده آثر أن يكمل الشيخ عبد الحليم دراسته، ثم تقدم الشيخ لامتحان إتمام الشهادة الثانوية الأزهرية فنالها عام 1928م فى سنة واحدة؛ ثم استكمل الشيخ الإمام دراسته العليا، فنال العَالِمية سنة 1932م، ثم سافر إلى فرنسا؛ لإتمام الدراسة فى جامعاتها، وذلك على نفقته الخاصة، وآثر الشيخُ عبد الحليم أن يَدْرس تاريخَ الأديان والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس، وفى سنة 1938م التحق بالبعثة الأزهرية، التى كانت تَدْرس هناك، وقد تم له النجاح فيما اختاره من علومٍ لعمل دراسة الدكتوراه، وتقلد العديد من المناصب العليا منها وزير الأوقاف، وشيخ الأزهر الشريف، وبعد عودة الشيخ الإمام عبد الحليم محمود من رحلة الحج فى 16 من ذى القعدة 1398هـ، الموافق 17 من أكتوبر 1978م قامب إجراء عملية المرار بمستشفي بالقاهرة، وتوفي بعد 3 أيام من إجراء العملية، وتلقت الأمة الإسلامية نبأ وفاته بالأسى، وصلى عليه ألوف المسلمين الذين احتشدوا بالجامع الأزهر ليشيعوه إلى مثواه الأخير، تاركًا تُرَاثًا فِكْرِيًّا زَاخِرًا، ما زال يعاد نشره وطباعته، وتم دفنه بضريح بناءه شقيقه الشيخ "عبد الغنى" بجوار مسجد القرية بالشرقية، بعد أن تبرع الإمام بجميع ما يملك ومات دون أن يترك شىء سوء سيرته العطرة.
فضيلة الشيخ عبد الحليم محمود
ميدان باتا الذي سوف يتم وضع تمثال الشيخ بع بعد -تجهيزه