فى التاريخ الدينى العديد من الأساطير والحكايات الشعبية، التى تمتد إلى آلاف السنين، بعضها يأخذ طابع المصداقية، وتصبح مع الوقت من المسلمات، وأخرى لا تجد طريقًا فى التاريخ، لتأخذ حجمًا مثل نظيرتها، وتصبح مع الأيام جزءًا من أساطير يتداولها العامة.
فى الكنيسة الكاثوليكية، هناك العديد من القصص الشعبية والأسطورة، حول حياة سيدة تولت المقعد البابوى، باسم البابا جوان، لتجلس على نفس كرسى القديس بطرس، لتصبح المرأة الوحيدة التى تولت بابا روما، ومسئولية القيادة الروحية للكنيسة الكاثوليكية.
ووفقًا للحكايات الشعبية كان البابا جوان، (855 – 857م)، امرأة حكمت لبضع سنوات خلال العصور الوسطى، ظهرت قصتها لأول مرة فى سجلات فى القرن الثالث عشر وانتشرت بعد ذلك فى جميع أنحاء أوروبا، كان يعتقد على نطاق واسع القصة لعدة قرون، ولكن معظم العلماء الحديثين يعتبرونها خيالية.
تصف معظم الأقاويل بأنها امرأة موهوبة ومتعلمة تخفت فى هيئة رجل، غالبًا بناء على طلب من الحبيب، وبسبب قدراتها، ارتفعت من خلال التسلسل الهرمى للكنيسة وانتخبت فى نهاية المطاف فى المنصب البابوى، إلى أن تم الكشف عن جنسها عندما ولدت خلال موكب، وماتت بعد فترة وجيزة.
وبحسب كتاب "أساسيات علم النفس الجنائى ونظرياته" صالح حسن أحمد الداهرى، فإن جوان أو جوانا هى واحدة من المحتالات العظيمات، حيث استطاعت الوصول إلى منصب البابوية وحكمت كـ"بابا" لأكثر من سنتين، وأجهضت أثناء قيادتها للموكب البابوى وماتت بعد أن قامت بعدة احتيالات.
ويشير الكتاب إلى أنه فى الوقت الذى وصمت فيه القصة بالكذب كما أشار رويديس فإن البابا جوان ذكر اسمه فى قائمة البابوات، عن طريق مؤرخ جاد وصادق مثل بلاتينا نفسه سكرتير البابا ومكتب الفاتيكان.
وتطرق الكتاب إلى نشأة تلك المرأة التى يعتقد بأنها وصلت الكرسى الرسولى فى روما، حيث إنها ولدت لامرأة ساقطة تدعى "جودت"، والتى كانت على علاقة مع راهب مسيحى، تم تجريده من وظيفته ككاهن، وكانا يقومان برحلات الصيد معًا، ويصف المؤلف حال الراهب السابق بالشكل الذى لا يرجى إصلاحه، أما عن "جودت" فأكد أنها حملت فى جوان عن طريق لقاء فى الغابة مع الصيادين.
وأشار إلى أن الطفلة جوان فقدت أمها عندما كانت فى الثامنة من عمرها، ولعلها كانت طفلة مبكرة النضج، حتى إنها وعظت فى خدمة جنازة أمها، كما أعالت أبوها المزيف الراهب السابق، مستخدمة موهبتها، وبهذه الطريقة تقدمت فى مستقبلها غير العادى لتصبح فى النهاية الأب المقدس.
وبحسب عدد من المراجع الأجنبية، فإن أقدم ذكر لسيدة البابا فى رواية ميتز، التى كتبها الدومينيكانى جان دى ميللى، فى أوائل القرن الثالث عشر، فى روايته، ومن منتصف القرن الثالث عشر فصاعدًا، تم نشر الأسطورة على نطاق واسع ويعتقد، أن جوان استخدمت كنموذج فى الوعظ الدومينيكى، وكتب بارتولوميو بلاتينا، الباحث الذى كان حاكمًا فى مكتبة الفاتيكان، كتابه فى الجامعة المسيحية فى أمريكا اللاتينية عام 1979 بناء على طلب من راعيه، البابا سيكستوس الرابع، يحتوى الكتاب على ذكر للبابا الأنثى.
فى عام 1601، أعلن البابا كليمنت الثامن أن أسطورة البابا ليست صحيحة، وأمر بتدمير التمثال النصفى الشهير لها، والذى تم نحته لسلسلة من الشخصيات البابوية فى كاتدرائية دى سيينا حوالى عام 1400م.
ويرفض معظم العلماء المعاصرين أسطورة البابا جوان، ويعلن قاموس أكسفورد للباباوات أنه "لا يوجد دليل معاصر على وجود أنثى البابا فى أى من التواريخ المقترحة لحكمها"، ولكن مع ذلك يعترف بأن أسطورة البابا جوان كان يعتقد على نطاق واسع لقرون، حتى من قبل الكاثوليك.
وتشير أغلب الحكايات إلى أن طريقة القتل جاءت خلال مواكب الكنائس، حيث كانت حامل من رفيقها السرى، واستطاعت طوال أشهر الحمل وحتى ساعة الولادة أن تخفى حملها بلبس الملابس الواسعة الفضفاضة، لكن وبينما يمر الموكب فى حارة تسمى فيا ساكرا (الطريق المقدس)، الآن تعرف باسم "الشارع المنبوذ" بين الكولوسيوم وكنيسة سانت كليمنت، جاءها وجع الولادة، وسط دهشة من الكرادلة، الذى ما شاهدوا المشهد حتى قتلوها وقتلوا الوليد بوحشية.