إعترافات أوروبية متتالية بزعيم المعارضة الفنزويلية خوان جوايدو، كرئيس مؤقت للبلاد فى المرحلة الراهنة، لتنحاز إلى الجانب الأمريكى الذى اتجه نحو وضع أكبر قدر من الضغوط على الرئيس نيكولاس مادورو، لإجباره على التنحى عن السلطة فى البلاد، بينما يبقى الدعم الروسى القوى للنظام الحاكم فى كاراكاس بمثابة الضمانة الأخيرة لبقائه، ليتكرر من جديد مشهد الشد والجذب بين واشنطن وموسكو خارج الحدود، سواء فى مناطقهما الجغرافية أو حتى فى مناطق أخرى من العالم، وهو ما بدا واضحا فى صراعات هيمنت على الساحة الدولية فى السنوات الماضية، فى أوكرانيا وجورجيا وسوريا وغيرها.
الدعم الروسى لنظام مادورو يضع واشنطن وحلفائها فى مأزق جديد، ربما يتشابه مع مواقف سابقة، خاصة فى ظل استمرار دعم المؤسسة العسكرية فى فنزويلا للرئيس الحالى، بينما لم تجد القوى المناوئة سوى التوجه نحو استقطاب المزيد من الاعترافات الدولية برئيس البرلمان فى محاولة لإزالة غطاء الشرعية عن مادورو من جانب، بالإضافة إلى محاولات استقطاب بعض القيادات العسكرية بالجيش الفنزويلى للوقوف إلى جانب جوايدو من جانب أخر، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان الخيار العسكرى يبقى مطروحا فى الأجندة الغربية فى المرحلة المقبلة باعتباره أحد أوراق اللعبة التى طالما استخدمها المعسكر الأمريكى الأوروبى لإسقاط الأنظمة التى قررت اتخاذ منحى مخالف لهم على مدار عقود طويلة من الزمن.
الخيار العسكرى.. هل يسقط ترامب فى "خطايا" أسلافه؟
ولعل الخيار العسكرى لم يكن غائبا عن الحديث الأمريكى حول الأزمة التى تشهدها كاراكاس، خاصة وأن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أكد أن كل الخيارات متاحة فى التعامل مع التطورات المرتقبة، وهو ما يمثل انعكاسا لاستمرار النهج الأمريكى القائم على استخدام القوة "الغاشمة" للإطاحة بالخصوم، وتحقيق المصالح الخاصة، بعيدا عن التداعيات التى قد تسفر عنها مثل هذه الخطوة على الداخل فى فنزويلا، والتى تعانى أزمة اقتصادية طاحنة، أو ما قد تؤدى إليه من إخلال بالتوازن الدولى فى منطقة أمريكا اللاتينية فى المستقبل القريب، خاصة وأن مثل هذه السياسة قد دفع نحو شرعنة "الانقلابات" فى المنطقة.
ترامب انتقد انغماس أسلافه فى المعارك بمختلف مناطق العالم
إلا أن التدخل العسكرى المباشر فى فنزويلا يمثل فى ذاته انقلابا أمريكيا على النهج الذى يحاول ترامب إرسائه منذ وصوله إلى البيت الأبيض، والذى بدا واضحا فى قراره الأخير بالانسحاب العسكرى من سوريا فى صفعة قوية للتحالف الدولى الذى شكلته واشنطن قبل سنوات للحرب على تنظيم داعش الإرهابى، بالإضافة إلى سعيه الدؤوب نحو الوصول إلى اتفاق مع حركة طالبان للانسحاب من أفغانستان، بالإضافة إلى تلويحه المتواتر بالانسحاب من الناتو إذا لم يلتزم الحلفاء بالوفاء بالتزاماتهم، بالإضافة إلى كونه يمثل استحضارا لشبح الحروب التى خاضتها أمريكا على مدى سنوات، وكانت الخسائر الأمريكية جرائها فادحة للغاية، على غرار فيتنام والعراق وأفغانستان وغيرها، وهى الحروب التى اعتبرها ترامب نفسه فى خطاباته بمثابة "الخطايا" التى سقط بها أسلافه.
دبلوماسية التحالفات.. الحل الأخير فى جعبة ترامب
وبالتالى يصبح التدخل العسكرى المباشر ربما يكون بعيدا عن أجندة ترامب، خاصة وأن التورط العسكرى فى المستنقع الفنزويلى سيكلفه الكثير فى مواجهة الداخل الأمريكى، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المرتقبة فى 2020، وحملات خصومه الديمقراطيين، الذين سيتخذون من مثل هذا الإجراء فرصة لتشويه صورة الإدارة الحالية، باعتبارها فشلت فى الالتزام بتعهداتها أمام المواطن الأمريكى، فى ضوء الخلافات الكبيرة وغير المسبوقة بين البيت الأبيض والكونجرس حول العديد من القضايا، وفى القلب منها قضية تمويل الجدار العازل على الحدود الأمريكية المكسيكية.
ترامب يسعى إلى سحب القوات الأمريكية من المناطق الساخنة بالعالم
وهنا يبقى الاعتماد على دول أخرى للقيام بالدور العسكرى فى فنزويلا، وإزاحة مادورو، الحل الأخير فى جعبة الرئيس الأمريكى فى المرحلة المقبلة، فى إطار دبلوماسية "التحالفات" التى يسعى الرئيس ترامب إلى اعتمادها فى مناطق عدة بالعالم لمحاربة خصوم واشنطن عبر حلفائه، بدأها بالشرق الأوسط، عندما دعا إلى تشكيل تحالف إسلامى لمحاربة إيران خلال القمة الأمريكية الإسلامية التى عقدت فى المملكة العربية السعودية بعد شهور قليلة من تنصيبه قبل عامين.
معضلة واشنطن.. كيف يقنع ترامب اللاتينيين بمواجهة موسكو بكاراكاس؟
ولعل الحديث عن فكرة تشكيل تحالف فى أمريكا اللاتينية لزيادة الضغوط على فنزويلا ليس بالأمر الجديد تماما، وإن كانت قاصرة على البعد السياسى، حيث أعلن الرئيس الكولومبى إيفان دوكى فى 14 يناير الماضى، أن هناك مساع لتشكيل تحالف إقليمى جديد، يحمل اسم "بروسور"، لزيادة الضغوط السياسية والدبلوماسية على النظام الحاكم فى فنزويلا، ليحل محل اتحاد دول أمريكا الجنوبية "أوناسور"، والذى تشكل بمبادرة من الرئيس الفنزويلى السابق هوجو شافيز فى عام 2008.
الدعم العسكرى لمادورو معضلة واشنطن
ولكن تبقى المعضلة الرئيسية التى تواجهها واشنطن هى كيفية تحويل وجهة التحالف نحو البعد العسكرى، وهو الأمر الذى سيسعى الرئيس ترامب إلى إقناع الرئيس الكولومبى به خلال لقائهما المرتقب فى 7 فبراير الجارى بالبيت الأبيض، خاصة وأن الدعم الروسى لكاراكاس يمثل تحديا كبيرا لأى محاولة للتدخل العسكرى فى فنزويلا، سواء من حلفاء أمريكا اللاتينيين أو حتى من أى منطقة أخرى فى العالم، فى ظل التجربة الروسية فى سوريا التى ربما لن تكن بعيدة عن الأذهان عند الحديث عن تدخل عسكرى من قبل حلفاء واشنطن اللاتينيين فى كاراكاس لإزاحة مادورو.
وهنا يلوح التساؤل حول ماهية الإغراءات التى يقدمها ترامب لهم لدفعهم نحو التحرك العسكرى فى فنزويلا فى المرحلة المقبلة، فى ظل موقفه الرافض للتدخل الأمريكى المباشر فى المستنقع الجديد، والمخاوف من تكرار مآسى الماضى التى عانتها القوات الأمريكية فى مناطق أخرى من العالم، حيث ربما يسعى إلى إجبار شركائه الأخرين سواء فى أوروبا أو كندا إلى المشاركة فى العمليات العسكرية المرتقبة فى كاراكاس، عبر المشاركة بقوات جوية على الأقل، فى تكرار للمشهد السورى، والذى اعتمدت فيه واشنطن وحلفائها على الميليشيات الموالية لها فى العمليات العسكرية على الأرض، بينما تكتفى واشنطن بتقديم الدعم اللوجيستى والسياسى لهم بعيدا عن أى دور عسكرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة