بعد رحلة استمرت لستة أشهر تقريبا مع "القمح"، بدأ الفلاحون يجنون ما غرسوا، ويحصدون ما زرعوا، خاصة أن الحكومة حددت هذا العام سعرا مناسبا للقمح، يتوافق مع الأسعار العالمية ويراعى الفلاحين والمزارعين، الذين طالما انتظروا الحصاد، الذى تزامن هذا العام مع حلول شهر رمضان المبارك.
مافيا التجار والوسطاء بين الفلاح ووزارة التموين التى تتولى عملية التوريد واستلام القمح من المزارعين من خلال هيئة السلع التموينية، تتدخل دائما لتحصد ما جناه الفلاح، وتستغل ظروف الحصاد، وتتجه إلى دفع مقدمات و"رش أموال" على المزارعين تحت شرط تسليم المحصول، خاصة أن الحصاد والدراس يحتاج نفقات ليست بالقليلة مع ارتفاع الأسعار، وزيادة الطلب على العمالة.
مافيا صغار التجار، تنتهى غالبا عند مجموعة من الأباطرة الكبار، الذين يتحكمون فى الأسعار، وآليات الشراء، يقدمون مجموعة من التسهيلات للمزارعين، مثل نقل المحصول من الحقل، وتقديم "الأجولة" مجانا والدفع نقدا، إلا أنها تقدم أسعارا تقل عن التى أعلنتها الحكومة بفارق يصل إلى 50 جنيها فى الإردب الواحد، الأمر الذى يؤشر إلى محاولة لمص دم الفلاح والمزارع مع سبق الإصرار.
الكارثة أن الفلاح يجد المعادلة التى يقدمها تجار القطاع الخاص مرضية بالنسبة له، وتحفظ حقوقه وأمواله، وتكفيه عناء الذهاب إلى الصوامع الخاصة بحفظ الغلال التابعة لهيئة السلع التموينية، أو انتظار أيام أو ربما أسابيع للحصول على مستحقاته من بيع المحصول، وإجراءات إدارية لا يجيدها المزارعون.
مشكلة سماسرة القمح تحمل أبعادا أخرى أكثر خطورة، فهناك جزء من هذه الأقماح لا يتم توريده إلى وزارة التموين، ويتم بيعه بشكل مباشر إلى مصانع الحلويات، بما يشكل ضغطا على المخزون الاحتياطى الاستراتيجى من هذه السلعة الهامة، التى يضغط استيرادها بالتأكيد على احتياطى العملة الصعبة، الموجود لدى البنك المركزى.
النداء العاجل الآن إلى الدكتور على المصيلحى، وكل أجهزة الحكومة، بضرورة تشجيع الفلاح على توريد محصول القمح إلى الصوامع مباشرة، دون الالتفات إلى مافيا التجار، التى لا تسعى سوى للربح دون إدارك خطورة العواقب، والنتائج المترتبة على تلك الخطوة، والسعى نحو تقديم خدمات للمزارعين ومنافسة التجار، واستعادة دور المرشد الزراعى، ورفع الحوافز التى يمكن أن تقدمها وزارة التموين للفلاح للقضاء على مافيا الوسطاء.
تجار الأقماح معروفون فى كل قرية بمصر، ولو أن أى مسئول أو مفتش بوزارة التموين تحرك لممارسة عمله، سوف ينجح بسهولة شديدة فى رصد وتتبع هؤلاء التجار، ومحاسبتهم بالقانون، ولو نجحنا فى هذه الخطوة سوف نتمكن بالتأكيد من محاصرة هذه المافيا، التى تستنزف أقوات الفلاحين، وتبدد خطط الدولة فى توفير السلع الاستراتيجية وتقليل الاستيراد من الخارج.
يذكر أن وزارة التموين والتجارة الداخلية حددت سعر توريد إردب القمح لموسم 2018 - 2019، بعد موافقة الحكومة، ليكون السعر 685 جنيهًا لدرجة نقاوة 23.5، و670 جنيهًا لدرجة نقاوة 23، و655 جنيهًا لدرجة نقاوة 22.5.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة