أكرم القصاص - علا الشافعي

حكايات ألف ليلة وليلة.. حكاية مدينة النحاس (3)

الإثنين، 13 مايو 2019 05:00 م
حكايات ألف ليلة وليلة.. حكاية مدينة النحاس (3) ألف ليلة وليلة
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الليلة السابقة حكت شهرزاد أن الوفد الذى كان برفقة الأمير موسى حاول أن يدخل مدينة النحاس ولم يستطع فى البداية لكنه استطاع أخيرا أن يدخل بعدما مات منه عدد من الرجال.
 
وفى الليلة السبعون بعد الخمسمائة قالت: بلغنى أيها الملك السعيد، أن الشيخ عبد الصمد قال لما وصلت أعلى السور رأيت عشر جوار كأنهن الأقمار، وهن يشرن بأيديهن أن تعال إلينا وتخيل لى أن تحتى بحراً من الماء فأردت أن ألقى نفسى كما فعل أصحابنا، فرأيتهم موتى فتماسكت عنهم وتلوت شيئاً من كتاب الله تعالى، فصرف الله عنى كيدهن وانصرفن عنى فلم أرم نفسى ورد الله عنى كيدهن وسحرهن ولاشك إن هذا سحر مكية صنعها أهل تلك المدينة ليردوا عنها كل من أراد أن شرف عليها ويروم الوصول إليها وهؤلاء أصحابنا مطروحون موتى، ثم إنه مشى على السور إلى أن وصل إلى البرجين النحاسيين فرأى لهما بابين من الذهب ولا قفل عليهما وليس فيهما علامة للفتح، ثم وقف الشيخ أمام الباب وتأمل فرأى فى وسط الباب صورة فارس من نحاس له كف ممدود كأنه يشير به وفيه خط مكتوب فقرأه الشيخ عبد الصمد، فإذا فيه افرك المسمار الذى فى سرة الفارس اثنى عشر فركة فإن الباب ينفتح فتأمل الفارس فإذا فى سرته مسمار محكم متقن مكين ففركه اثنى عشر فركة فانفتح الباب فى الحال وله صوت كالرعد فدخل منه الشيخ عبد الصمد وكان رجلاً فاضلاً عالماً بجميع اللغات والأقلام، فمشى إلى أن دخل دهليزاً طويلاً نزل منه على درجات فوجده بدكك حسنة وعليها أقوام موتى وفوق رؤوسهم التروس المكلفة والحسامات المرهفة والقسى الموترة والسهام المفوقة وخلف الباب عامود من حديد ومتاريس من خشب وأقفال رقيقة وآلات محكمة.
 
فقال الشيخ عبد الصمد فى نفسه لعل المفاتيح عند هؤلاء القوم، ثم نظر بعينه، وإذا هو بشيخ يظهر أنه أكبرهم سناً وهو على دكة عالية بين القوم الموتى فقال الشيخ عبد الصمد وما يدريك أن تكون مفاتيح هذه المدينة مع هذا الشيخ ولعله بواب المدينة وهؤلاء من تحت يده، فدنا منه ورفع ثيابه وإذا بالمفاتيح معلقة فى وسطه.
 
فلما رآها الشيخ عبد الصمد فرح فرحاً شديدا وكاد عقله أن يطير من الفرحة، ثم إن الشيخ عبد الصمد أخذ المفاتيح ودنا من الباب وفتح الأقفال وجذب الباب والمتاريس والآلات فانفتحت وانفتح الباب بصوت كالرعد لكبره وهوله وعظم آلاته فعند ذلك كبر الشيخ وكبر القوم معه واستبشروا وفرحوا وفرح الأمير بسلامة الشيخ عبد الصمد وفتح باب المدينة وقد شكره القوم على ما فعله فبادر العسكر كلهم بالدخول من باب فصاح عليهم الأمير موسى وقال لهم يا قوم لا نأمن إذا دخلنا كلنا من أمر يحدث ولكن يدخل النصف ويتأخر النصف.
 
ثم إن الأمير موسى دخل من الباب ومعه نصف القوم وهم حاملون آلات الحرب فنظر القوم إلى أصحابهم وهم ميتون فدفنوهم ورأوا البوابين والخدم والحجاب والنواب راقدين فوق الفراش الحرير موتى كلهم ودخلوا إلى سوق المدينة فنظروا سوقاً عظيمة عالية الأبنية لا يخرج بعضها عن بعض والدكاكين مفتحة والموازين معلقة والنحاس مصفوفاً والخانات ملآنة من جميع البضائع ورأوا التجار موتى على دكاكينهم وقد يبست منهم الجلود ونخرت منهم العظام وصاروا عبرة لمن اعتبر.
 
ونظروا إلى أربعة أسواق مستقلات كالهشيم مملوءة بالمال فتركوها ومضوا إلى سوق الخز، وإذا فيه من الحرير والديباج ما هو منسوج بالذهب الأحمر والفضة البيضاء على اختلاف الألوان وأصحابه موتى رقود على انطاع الأديم يكادون أن ينطقوا فتركوهم ومضوا إلى سوق الجواهر واللؤلؤ والياقوت فتركوه ومضوا إلى سوق الصيارفة، فوجدوهم موتى وتحتهم أنواع الحرير والابريسم ودكاكينهم مملوءة من الذهب والفضة، فتركوهم ومضوا إلى سوق العطارين فإذا دكاكينهم مملوءة بأنواع العطريات ونوافح المسك والعنبر العود والكافور وغير ذلك وأهلها كلهم موتى وليس عندهم شيء من المأكول.
 
فلما طلعوا من سوق العطارين وجدوا قريباً منه قصراً مزخرفاً متقناً، فدخلوه فوجدوا أعلاماً منشورة وسيوفاً مجردة وقسياً موترة وترساً معلقة بسلاسل من الذهب والفضة وخوذاً مطلية بالذهب الأحمر، وفى دهاليز ذلك القصر دكك من العاج المصفح بالذهب الوهاج الابريسم، وعليها رجال قد يبست منهم الجلود على العظام يحتسبهم الجاهل قياماً ولكنهم من عدم القوت ماتوا وذاقوا الحمام، فعند ذلك وقف الأمير موسى يسبح الله تعالى ويقدسه وينظر إلى حسن ذلك القصر ومحكم بنائه وعجيب صنعه بأحسن صفة وأتقن هندسة وأكثر نقشة باللازورد الأخضر مكتوب على دائرة هذه الأبيات:
 
انظر إلى ما ترى يا أيها الـرجـل  وكن على حذر من قبل ترتـحـل
وقدم الزاد من خـير تـفـوز بـه  فكل ساكن داراً سـوف يرتـحـل
وانظر إلى معشر زانوا منازلـهـم  فأصبحوا فى الثرى رهناً بما عملوا
بنوا فما نفع الـبـنـيان وادخـروا  لم ينجهم مالهم لما انقضى الأجـل
كم أملوا غير مقدور لهم فمـضـوا  إلى القبور ولم ينفعـهـم الأمـل
واستنزلوا من أعالى عز رتبتـهـم  لذل ضيق لحد ساء مـا نـزلـوا
فجاءهم صارخ من بعد ما دفـنـوا  أين الأسرة والتيجـان والـحـلـل
أين الوجوه التى كانت مـحـجـبة  من دونها تضرب الأستار والكلـل
فأفصح القبر عنهم حسب سائلـهـم  أما الخدود فعندها الورد منتـقـل
قد طال ما أكلوا يوماً وما شـربـوا  فأصبحوا بعد طيب الأكل قد أكلوا
فبكى الأمير موسى حتى غشى عليه، وأمر بكتابة هذا الشعر ودخل القصر.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
 
 








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة