- مناطق الاحتكاك المباشر بين طهران وواشنطن تشمل مياه الخليج العربى و30 قاعدة عسكرية ومعارك بالوكالة فى اليمن وسوريا والعراق
منطقة لا تهدأ، أصبح هذا عنوان الشرق الأوسط وملحقاته، إما حرب دائرة بين أطراف واضحة، أو حرب مستمرة بالوكالة بين أطراف معلومة بالضرورة فوق أرض يدفع شعبها الثمن، أو ميلشيات ترفع راية الإرهاب هنا وهناك وتضرب بلا توقف، لا هدوء فى الشرق الأوسط ولا خريطة تخبرك بإحداثيات انطلاق الرصاصة الأولى ومن يطلقها، الكل متحفز، الكل متأهب، والسيناريوهات دوما مفتوحة.
توتر جديد يزور المنطقة بسبب أجواء من التصعيد والتهديد والترقب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، تصعيد متوقع مؤشر تقدمه لم يتوقف منذ العام الماضى، حيث القرار الأمريكى بالخروج من الاتفاق النووى، شهد مناوشات دبلوماسية وسياسية وتصريحات وتهديدات وجلسات وحصار اقتصادى وتدخلات داعمة للحوار من قبل الاتحاد الأوربى دون أن يتخيل أحد أن يصل إلى مرحلة تحريك قطع عسكرية وتبادل تهديدات الحرب.
أجواء التوتر التى تظلل منطقة الخليج برعاية إيرانية أمريكية لم نشهد لها مثيلا منذ سنوات حادث اعتداء وتخريب غامض ضد الإمارات فى منطقة الفجيرة، وتعرض ناقلتى بترول سعوديتين لمحاولة تخريب وقرار أمريكى بتحريك قطع عسكرية ضخمة بشكل غير معتاد مصحوبا بتحذيرات واضحة وتهديدات مباشرة من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ووزير الخارجية الأمريكية ضد إيران، وهى التصريحات والتهديدات التى وجدت رد فعل فوريا من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية التى خرجت منها أصوات تتحدث عن الرد الفورى وأصوات أخرى تتحدث عن حرب مفتوحة لن تنجو منها مصالح أمريكا فى المنطقة.
السيناريوهات مفتوحة ما بين حرب كبرى تهدف لطحن إيران والإجهاز عليها كما يقول البعض، أو ضربات محدودة للتأديب أو حصار يهدف إلى تحقيق مكاسب على طاولة التفاوض والحوار، أو مناوشات معتادة بلا طائل ولكل سيناريو أسبابه، والتوتر يتضاعف مع مرور الوقت وله مبررات.
القواعد العسكرية المحيطة بإيران
قبل طرح أى سيناريوهات للمواجهة بين أمريكا وإيران، لا بد أولا من إعادة توضيح أسباب التوتر وحالة التصعيد المسيطرة الآن على أجواء منطقة الخليج، عودة للخلف تخبرنا كيف وصلنا إلى نقطة انتظار الحرب الآن، فى 8 مايو 2018 انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشترك أو ما عرف بالاتفاق النووى المبرم عام 2015 والذى يهدف إلى تحجيم أنشطة طهران النووية، وأعادت فرض عقوبات مشددة على إيران، واتهمت التصريحات الأمريكية إيران بأنها تتحدث عن استخدام سلمى للطاقة النووية بينما تشير الممارسات إلى سعى طهران لامتلاك قنابل نووية واعتبرت أن الأنشطة الإيرانية مثيرة للقلق.
الانسحاب الأمريكى الذى جاء مفاجئا وسريعا بقرار من ترامب رغم تحفظ مستشاريه وضغوط حلفائه الأوربيين، كان شرارة لاشتعال نار التوتر وعودة تصريحات التهديد والحصار والعقوبات بين إيران وأمريكا، وكانت أغلب الدراسات والأبحاث المتابعة للشأن الأمريكى الإيرانى تنتظر تلك اللحظة التى وصلنا إليها الآن، لحظة مناوشات السلاح والحرب.
الأيام الماضية شهدت تصعيدا خطيرا فى تلك المواجهة الأمريكية الإيرانية حينما حركت واشنطن بعضا من المعدات العسكرية نحو منطقة الخليج مع إعلان القوات الأمريكية رفع حالة الاستعداد ردا على إعلان إيرانى مشابه، وبالنظر إلى نوعية المعدات العسكرية الأمريكية التى ظهرت على خريطة الأحداث والربط بينها وبين حالة الطوارئ والتعبئة فى القواعد العسكرية الأمريكية التى تحاصر إيران، تكتشف أن التصعيد الأمريكى فى هذه المرة مغاير تماما لما حدث سابقا ومعزز لفكرة وقوع الفعل أيا كان شكله سوا ء حربا أو ضربة محدودة أو حصارا.
واشنطن حركت حاملة الطائرات أبراهام لينكولن إلى الخليج، وهى تضم مجموعة هجومية مكونة من سفن ومدمرات عدة وعددًا من المقاتلات، وقاذفة تابعة لسلاح الجو الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط، كما حركت البارجة الحربية «يو إس إس آرلنجتون» والتى تنقل قوات مشاة البحرية الأمريكية والمعدات البرمائية والطائرات، وأرسلت بطارية الصواريخ باتريوت بعيدة المدى، وقاذفات من طراز «بى 52» وصلت إلى قاعدة أمريكية فى قطر كجزء من قوات إضافية بالشرق الأوسط.
هذا الحشد الأمريكى غير المسبوق فى المنطقة قابله استعراض قوى إيرانى كرد سريع ومباشر مع تصريحات من الجيش الإيرانى ورجال الدين بالانتقام من المنشآت العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط فى حال حدوث أى هجوم على المصالح الإيرانية، وبجوار التعبئة العسكرية قامت طهران بحشد وتعبئة الشعب بتصريحات تطالبه بالوقوف فى وجه «الحرب الاقتصادية» من جانب أمريكا.
أنصار سيناريو الحرب سواء تشجيعا أو توقعا يدللون على ذلك بتصريحات ترامب نفسها التى حذر فيها إيران من الإقدام على أى تحرك ضد أمريكا، وقال ترامب للصحفيين فى البيت الأبيض، إن الولايات المتحدة سترى ما سيحدث مع إيران، لكن إن حاولت فعل أى شىء فسيكون ذلك خطأ كبيرا، بالإضافة إلى أن القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكى باتريك شاناهان، قدم خطة عسكرية مطورة إلى إدارة ترامب تشمل تصورات بإرسال ما يصل إلى 120 ألف جندى إلى الشرق الأوسط إذا هاجمت إيران قوات أمريكية أو سرعت العمل على إنتاج أسلحة نووية، وكشفت صحيفة نيويورك تايمز فى تقريرها أن من بين من حضروا اجتماع الخميس الماضى جون بولتون مستشار ترامب للأمن القومى، وجينا هاسبل مديرة وكالة المخابرات المركزية، ودان كوتس مدير المخابرات الوطنية، وجوزيف دنفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة، وجون بولتون مستشار ترامب المتصدر لمشهد توتر الأجواء الآن هو نفسه «بولتون» الذى كتب فى صحيفة الـ«نيويورك تايمز» الأمريكية عام 2015 قائلا: «لتفادى هجوم إيرانى هاجموا إيران».
يبدو واضحا أن واشنطن تريد أن تكون رسالتها إلى طهران واضحة، رسالة تؤكد لطهران بأن مخططات الاحتكاك غير المباشر عبر الوكلاء فقدت جدواها، ويعزز ذلك تصريحات مساعد وزير الدفاع الأمريكى الأسبق الجنرال مارك كيميت من أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بصدد إعلان حرب ضد إيران، والهدف هو الردع، والرد على أى تهور إيرانى، خاصة أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمتلك قوة عسكرية كبيرة وجيشا يقدر تعداده بحوالى 550 ألف جندى، وترسانة صاروخية ضخمة، وعشرات السفن الصغيرة، التى تمثل واحدة من أكبر التهديدات العسكرية للقوات الأمريكية فى الخليج، بخلاف مسارات النفوذ الإيرانية التى تمتد من بغداد إلى دمشق واليمن وبيروت.
سيناريو الحرب وإن كانت له دلالات واضحة ولكن يبقى سيناريو سيحتاج إلى مزيد من التدقيق، فلا المنطقة ولا إيران ولا أمريكا ولا ترامب نفسه الذى انتقد كثيرا من قبل حروب الشرق الأوسط لديهم القدرة على تحمل كلفة هذه الحرب الضخمة، التى سيكون الخليج العربى أول من يتضرر منها، لذا تبدو تصريحات وزير الخارجية الأمريكى «مايك بومبيو» متوازنة حيث يقول: «لن نخطئ فى التقدير، هدفنا ليس الحرب، هدفنا هو تغيير سلوك القيادة الإيرانية، نأمل أن يحصل الشعب الإيرانى على ما يريد وما يستحقه»، والقوات التى تستخدمها واشنطن فى المنطقة ضرورية لتكون جاهزة للرد فى حال حدوث أمر ما.
الاتحاد الأوربى أيضا يتحرك بكل قوته نحو دعم الحوار والتهدئة، حيث أكدت المفوضة العليا لشئون السياسية الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، فيدريكا موجيرينى أن الاتحاد يشجع على الحوار السياسى حتى مع إيران ودعم أى فرصة للمفاوضات، ولقد تحدثنا مع وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو وسمع منا جيدا أننا نعيش فى لحظة حاسمة وحساسة ومسئولة، وعلينا الهدوء وتجنب أى تصعيد عسكرى محتمل.
سيناريو عدم وقوع الحرب يعززه كل هذه الأسباب السابقة، كما تدعمه أيضا الحالة الأمريكية التى تعلم جيدا أن فاتورة الحرب مع إيران ستكون باهظة عسكريا واقتصاديا وبتروليا، ولن يتحمل حلفاء واشنطن فى الخليج توابعها، أى مواجهة عسكرية فى منطقة الخليج ستعنى اشتعال أسعار النفط إلى مستويات قياسية، كما أن الحرب المفتوحة مع إيران تعنى تهديدا مباشرا ومناطق مشتعلة فى دول كثيرة داخل المنطقة وهو الأمر الذى لن يقبله أحد ولن يتحمله أحد، وطهران تعلم جيدا أن المواجهة المفتوحة مع واشنطن فى ظل قواعدها القريبة من الأراضى الإيرانية ستحتاج إلى ما هو أكثر من التصريحات والتهديدات والشحن والتعبئة.
الأسطول الخامس هو القوة البحرية الرئيسية فى القيادة المركزية للولايات المتحدة، داخل الخليج يقع المقر الرئيسى للبحرية فى البحرين بتمركز 7000 جندى أمريكى، وفى الكويت 13000 جندى أمريكى، بينما تعد الإمارات العربية المتحدة أكبر ميناء للبحرية الأمريكية، خارج الولايات المتحدة، وهناك 5000 من الأفراد العسكريين الأمريكيين، معظمهم فى قاعدة الدفرة الجوية فى أبو ظبى، حيث توجد طائرات مقاتلة بدون طيار وطائرات F-35.
وتعتبر قطر أيضا موطنا لمقر القيادة المركزية الأمريكية، فقاعدة العريض، يتمركز بها 10000 من الأفراد العسكريين، بجانب وجود القوات الأمريكية الخاصة فى اليمن.
وهذا يعنى أن نقاط الاحتكاك المتوقعة بين البلدين القواعد الأمريكية طبقا لتهديد إيران التى حددت 30 قاعدة أمريكية وأدرجتها فى لائحة أهدافها فى حال حدوث هجوم أمريكى، كما ستكون المياه الخليجية إحدى مناطق الاحتكاك المباشر بين واشنطن وطهران، وفى مواجهات قد تكون غير مباشرة وربما بواسطة قوات موالية لإيران فى مناطق مختلفة فى كل من العراق وسوريا وأفغانستان ومضيق هرمز وحيث يوجد الحوثيون عند مضيق باب المندب.
لذا سيبقى سيناريو الحرب هو الأصعب والأخطر حتى لو كان مطروحا بنسبة ضئيلة، بينما تبقى كفة سيناريو الضغط أقرب السيناريوهات التى يمكن أن تشرح هذا التصعيد الأمريكى تجاه طهران، جنبا إلى جنب مع التفسير الاقتصادى الذى يعتبر دوما المحرك الأساسى لعقل ترامب وخطواته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة