فى بدايات القرن الماضى، وقبل سطو أسطورة أم كلثوم على قلوب وعقول جمهور الأغنية العربية، كانت هناك مطربة أكثر شهرة، تستحوذ على اهتمامات تلك الجماهير، لقبت بالغندورة، ونصبوها سلطانة للطرب، حتى جاءت كوكب الشرق، لتأخذ مكانها، وتملك قلوب الجماهير المصرية والعربية.
وتمر اليوم الذكرى الـ134، على ميلاد سلطنة الطرب الأولى فى مصر، منيرة المهدية (16 مايو 1885 - 11 مارس 1965)، وهى أول سيدة تقف على خشبة المسرح فى مصر والوطن العربى وأول مغنية عربية تسجل لها أسطوانات موسيقية.
وجدت أم كلثوم فى صعودها إلى قمة المجد الفنى مشقة كبيرة لتستحوذ على القمة فى ظل وجود تلك المطربة الكبيرة، كان لها جمهور عريض من البسطاء والنخبة من المفكرين والسياسيين والمثقفين.
وبحسب كتاب "أشهر قصص الغرام" للناقد الدكتور أشرف توفيق، فإن منيرة المهدية كانت المطربة الأولى بلا منازع، وفجأة جاءت أم كلثوم إلى القاهرة، وأحست منيرة أن العرش الغنائى يهتز تحتها وسمعت أن الجماهير جنن بغناء أم كلثوم، فلم تصدق ما سمعت، وفى إحدى الليالى ارتدت ملاية لف سوداء، ووضعت على وجهها برقعا، وارتدت شبشبا فى قدميها حتى تبدو كبنات البلد، وصحبت معها الممثل محمد بهجت، وذهبت إلى مسرح رمسيس حيث كانت تغنى أم كلثوم، وجلست تسمع أم كلثوم والجمهور يهلل وشهدت سيطرة "ثومة" العجيبة على المستمعين، وهى تتحكم فيهم بصوتها الخلاب وتجعلهم يرقصون فى مقاعدهم، ويترنحون على نغماتها.
ولم تحتمل منيرة المهدية أن تحضر أكثر من الوصلة الأولى من غناء أم كلثوم، فتركت المسرح غاضبة ساخطة على غباء الجمهور وجحوده وقلة ذوقه، وعادت إلى عوامتها تكاد تجن غضبا، بل وفكرت كيف تقضى على هذه الفتاة التى تهدد عرشها.
لكن الحياة لا تدوم على وتيرة واحدة، خفت نجم "السلطانة" وتوهج نجم كوكب الشرق، لتبدأ رحلة نجاح أشهر مطربة عربية على الإطلاق، لكن تلك النهاية كانت ترفضها السلطانة، وكان لديها الإصرار على الاستمرار، ورغم اعتزالها قررت العودة من جديد.
وبحسب الكاتبة الكبيرة سناء البيسى، فى مقال لها بعنوان " مـنيرة المهـدية الغـندورة"، ويأتى عام1948، بتغريدة البجعة التى كتب عنها الدكتور زكى نجيب محمود من أن البجعة تصدرها فقط قبل الرحيل ــ فتفكر منيرة فى العودة إلى الأضواء لكنها كانت شبح منيرة على المسرح، وتصر أم كلثوم على حضور الحفل يصحبها مصطفى أمين الذى يلمح دموع أم كلثوم عندما يسدل الستار على منيرة قبل أن تنهى وصلتها الأولى، لعدم قدرة الأخيرة على الاستمرار فى الغناء، بسبب ضعف حنجرتها الصوتيه، ومثل أى ممن انسحبت عنه الأضواء فى بلدنا الحبيب مصر لم يودع سلطانة الطرب بعد وفاتها عام1965 سوى خمسة أشخاص فقط، حفيدها من ابنتها الوحيدة نعمات وثلاثة من أصدقائه وأمين صندوق معاشات الفنانين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة