أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد حبوشه

كلبش 3 .. دراما تعزف على أوتار المشاعر الوطنية

السبت، 25 مايو 2019 12:08 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لأنه أول مسلسل مصري يلامس الحقائق المرة في مكافحة الإرهاب، ويعرفك قيمة المؤسسات الساهرة على أمن الوطن والمواطن، ولأنه المسلسل الوحيد الذي يتطرق لظروف وملابسات وصعوبة حياة هؤلاء الأبطال الذين يعملون في تلك الأجهزة، فضلا عن غرس قيم جديدة لدى الشعور الجمعي العام حول طبيعة عمل ضابط الشرطه الذي يواجه الأهوال التي ربما تكلفه الشهادة في سبيل الوطن، لذا ورغم أنف الكارهين والحاقدين على مصر - وعلى رأسه BBC- تصدر مسلسل "كلبش 3" للنجم "أمير كرارة"، قائمة الأكثر مشاهدة وتداولا عبر مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر - فيس بوك" من بداية حلقاته وحتى اليوم، وحتما سيستمر مع تطور الأحداث الدرامية المصنوعة بعناية فائقة الجودة على مستوى الشكل والمضمون، كما أنه سيظل يحقق ذات الشعبية الكبيرة على "السوشيال ميديا" على جناح التشويق والإثارة التى تتفاعل معها ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعى، وذلك بوصفه دراما تعزف على أوتار المشاعر الوطنية المصرية.
 
بعيدا عن الأسلوب الذي استخدمه المخرج "بيتر ميمى" من تكنيك حركى متميز فى تصوير الجزء الثالث من المسلسل، بالإضافة إلى مشاهد الأكشن والمطاردات التى أذهلت الجمهور، خاصة بعدما استعان بفريق أجنبى مخضرم فى عمليات الأكشن والتفجيرات وإطلاق الرصاص، وهو ما جعل صناع العمل يحرصون على تطور معدات التصوير وتنفيذ مشاهد أكثر سخونة ومصممة على الطراز العالمى، تأتي حرفية السيناريو للكاتب "باهر دويدار" في مقدمة العناصر التي كتبت النجاح لهذا العمل الذي ذهب بالمشاهد إلى آفاق أخرى، وأبرزها صناعة دراما مصرية تستطيع أن تتحدى الدراما "التركية والهندية وغيرها من مسلسلات مدبجلة"، والتي كادت أن تسحب البساط من تحت أقدام الدراما العربية، حتى وصل الحال بنا فى مصر مثلا إلى أن نسب مشاهدة تلك المسلسلات كانت تفوق مسلسلاتنا بمراحل.
 
وأعتقد أن السبب في ذلك يتلخص فى فكرة الاستسهال فى صناعة معظم الأعمال التى نراها فى الآونة الأخيرة، والكثير من أهل الفن بات يغمض عينيه عن الحقيقة الصعبة بأن الدراما المصرية تمر بأزمة، فقد أصبح أغلب الممثلين يسعون وراء الظهور على الشاشة بغض النظر عن رداءة العمل، بجانب الاهتمام بالربح المادى بعدما أصبح الشغل الشاغل لمعظم النجوم الكبار والشباب على حد سواء، لكن مسلسل "كلبش3" خالف تلك الرؤى تماما، ليأتي كصناعة مصرية جيدة تحقق هدفين أساسيين: الأول يسعى إلى التأكيد على الهوية المصرية ورصد بطولات الشرطة وأجهزة المخابرت، والثاني التصدي للإرهاب وذلك بعرض التجربة المصرية الرائدة في هذا المجال، ورصده كظاهرة سلبية أصبحت تهدد المنطقة والعالم بأثره.
 
وفي هذا الإطار يمكنني القول أن "كلبش" بأجزائه الثلاثة يعد أول مسلسل مصري وطنى يشد أغلب المصريين والدول العربية في ظاهرة تعيد أجواء مسلسلات الثمانينات، مثل "رأفت الهجان و دموع فى عيون وقحة"، وإذا عدنا إلى أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، لوجدنا أن معظم مسلسلات ذلك الزمان كانت تقوم على احترامِ عقل المشاهد، فتؤكد على قيمِ النبالة والفروسية والكرمِ والمروءة والشجاعة والبطولة - كان ثمة قاسمٍ مشترك آنذاك بين الخبرِ والحكاية التي في الصورة، وبين عذرية العقل والقلب، فالصورة لم تكن تلفق وتكذب على المشاهد كما يحدث الآن، ونستثني منها بالطبع "كلبش3" ذلك المسلسل الذي خلق حالة توحد لدى المصريين ضد الهجمات الشرسة من جانب أعداء مصر، سواء كانت تلك العداوة من جانب "جماعة الإخوان المسلمين الإرهاربية" أو جماعات ودول التمويل الأجنبي، وهو الأمر الذي انعكس إيجابيا - كما شاهدت ورصدت - على فئة المراهقين والشباب من (15 - 25 سنة)، الذين تفاعلوا مع المسلسل خاصة في جزئه الثالث.
 
وأحب أن ألفت النظر إلى أنه خلال الجزأين الأول والثانى من مسلسل "كلبش"، اعتمد الكاتب "باهر دويدار" على فكرة "المظلمة" التى تعرض لها البطل، وحياة القهر التى يعيشها شخص مظلوم، يعاقب على ارتكاب جريمة لم يفعلها، فضلا عن حالة عائلته المزرية عندما يتعرضون لمضايقات واستهداف ومطاردات بسبب جريمة ملفقة، الأمر لم يتوقف فى مخيلة "دويدار" عند "الظلم"، ولكن ذهب بخياله الخصب النابع من حب تراب هذا الوطن، وأصر على أن يجعل من "سليم الأنصارى" محاربا جسورا فى سبيل الحفاظ على حقه،  والبحث عن براءته، ولذلك تعاطف معه الجمهور، ليعود مجددا إلى حلم "البراءة".
 
ويحسب للسيناريو في الجزء الثالث من المسلسل، رصد معاناة عائلة "سليم الأنصارى" وخوفهم ورعبهم من بطش الحياة، بعد دخوله فى معركة جديدة لتصفية البلاد من المجرمين ومخربى أرض الوطن، ليعطى درسا للجميع بضرورة الحفاظ على كل شبر فى مصر حبا فى ترابها، وفي طيات السيناريو تكمن رسائل مهمة ينبغي أن نعلمها لأولادنا، وأولها درس في كيفية الانتماء ومؤداها: "أن مصر وأمنها خط أحمر"، ومن ثم لايمكن المساس بترابها.
 
وهنا لابد لي من التوقف طويلا أمام تساؤلات "BBC" المريبة حول تداعيات سيناريو الجزء الثالث من كلبش، في ذهابه نحو التأكيد على خطر الجماعات الإرهابية وكشفه الفاضح لجماعات التمويل الأجبني الممثلة في "أكرم صفوان"، والتشكيك في وطنية "محمود علوان" المعارض المصري الذي عمل لمصلحة بلاده طوال 25 عاما اختتمها بالشهادة كما تمناه طويلا، وربما كانت الحلقة السابعة هى التي أثارت حفيظة تلك القناة الماسونية عندما شرح "اللواء جلال خطاب" للشباب المصري الجالس أمام الشاشة أسباب تأسيس الوحدة التي يعمل فيها أفراد المخابرات منذ سنة 1979، وهو الأمر الذي أثار حفيظة كثير من شباب هذا الجيل الذي أحب أن يسمع تاريخ بلده - دون ملل - وبعيدا عن الأفلام الوثائقيه التي يتم في العادة رصدها بطريقة جامدة من خلال الكتب، وكأنها تضع المشاهد في حصة تاريخ، لكن الذكاء فى كثير من مشاهد"كلبش 3" يكمن في طريقة السرد السلسه، مع الموسيقي التصويريه الهادئة، كلها كانت عوامل جاذبة للانتباه، بل إنها أجبرت هؤلاء الشباب على الإحساس بالمشهد تلو الآخر، وذلك بمعرفة جزء من تاريخه الوطني المشرف، على العكس تماما من استهداف تلك القنوات والمؤسسات البغيضة في سبيل إخراج شاب مصري غير واعى، وغير مؤسس أومؤهل، بحيث يظل أجوفا لايعى قيمة وطنه.
 
صحيح أن "أمير كرارة" أصر في "كلبش 3" على استكمال النجاح الذى حققه العامين الماضيين بالاتفاق مع مخرجه "بيتر ميمى"، وتعاهدوا على تقديم عمل درامي مكتمل الأركان، والتأكيد على أيقونة "سليم الأنصاري" ضابط الشرطة الشجاع الذي لقب بـ "باشا مصر"، والذي واجه الأهوال خاصة في اختباره الصعب مع إبنه "مالك"، وهنا يبدو لي أن "أمير" عمد إلى استخدام أسلوب "أرتو" المعروف بالقسوة، عندما انشغل بأداء تهيمن عليه الإيماءات والحركات المتأزمة والمتوترة، والتي بدورها صنعت سياقا دراميا دقيقا نادرا، له هدف إلى جانب شييء من الانضباط، وذلك بالتركيز على لغة الجسد، والتعامل معه لا بوصفه جسداً يتحرك، وإنما جسد يفكر وينتج ليصنع التوازن المنشود مع الروح والواقع، ويبدو كل ذلك من خلال التوحد مع شخصية "سليم الأنصاري" كما بدا واضحا في أدائه، من خلال جو من الحوارات المتبادلة بين ذات الممثل الساكن خلف القناع وأدائه الذي يلعب الكلام فيه دورا جوهريا مدعوما بحركة الأيادي والإيماءات الدالة على شخصية ضابط الشرطة، والذي قدمه "كنموذج أصلي" أكد صفة التلاحم بين الذات والأداء، مما جعل "كرارة" هنا هو صانع الشخصية وواهم الصورة بقوة الأثر، ومن ثم نجد تمازجا واضحا بين ذات الممثل وأدائه للدور بحرفية عالية.
 
ولقد شجع "أمير كرارة" على التألق أكثر وأكثر بأنه تم الاستعانه بقدرات تمثيلية من الطراز الفريد، حيث أسندت شخصية اللواء "جلال خطاب" للنجم "أحمد عبد العزيز، الذي عمل وفقا لمنهج "ستاسنلافسكى" عندما قام بحكم خبرته المهنية الطويلة في عالم التمثيل، وفى ضوء ما لديه من معطيات بتأليف سيرة كاملة للشخصية التى يؤديها، وقد جعل فى ذهنه صورة حسية دقيقة لسائر ظروفها المرتبطة بما يجرى من أحداث - ولو ارتباطا غير مباشر - وهذه مهمة صعبة، ولكنها ممكنة إذا اكتملت فى ممثل بحجمه يستطيع أن يحدث الامتزاج والتكامل بينه وبين الدورالذي يؤديه، وهذا ما مافعله "عبد العزيز" بحكم أنه واحد من النجوم أصحاب المهارات الخاصة.
 
كذلك النجم هشام سليم الذى جسد شخصية "أكرم صفوان" شريك سليم الأنصارى فى الأحداث التى تعد مباراة تمثيلية ذات قدرات عالية المستوى، من حيث الأداء والتمثيل والتكنيك، بفضل قدرات "هشام" كممثل يجيد التقمص الفني جيدا، إذ تمتزج لديه العناصر العقلية والنفسية والجسدية في كل مترابط، لخلق الشخصية التي يؤديها، وكأنه هنا فنان يشكل فنه من مادته النفسية والجسدية والعقلية، وتبدو قوة الإرادة الصلبة التي تتوفر لديه هى بالنسبة له عاملا هاما وعظيما، فهي التي تساعده على التركيز على التفاصيل الدقيقة للشخصية، كما أنها تعاونه في استخدام خياله، أو في تنفيذ مراحل أدائه، إن إرادته القوية تلك هى التي جعلته دوما يفعل ما يجب أن يفعله عندما يجب أن يفعله، فقدم قام باستثارة الشعور والانفعالات لديه في وقتها المطلوب، دون زيادة أو نقصان، وهكذا أراد "هشام سليم" أن تكون شخصية "أكرم صفوان" التي خلقها من ذاته حية تتمتع بقوة وصلابة نادرة، وذلك من خلال تحكمه بشكل مذهل في شعوره وانفعالاته وإرادته، ومن هنا نجح في أن يستطيع أن يخلق وأن يعيش الحياة المشابهة والموازية للشخصية التي يجسدها بوضوح على الشاشة.
 
أما مفاجأة المسلسل من العيار الثقيل فكانت شخصية "بروسلي"، والتي جسدها ببراعة وبأداء تلقائي نادر الفنان "أحمد العوضي"، فأداءه يبدو ذو طابع رمزي، بل إنه أعطي لنا بعدا إنسانيا عاما للدور، ولغة الجسد عنده لغة إيمائية إشاريه تقترب من البانتومايوم، كما أن الحركة عنده دائماً تذكر بالأفكار والتفاصيل والأشياء الطبيعية لشخصية ابن البلد الشقي الشهم التلقائي، وذلك باستغلال كل إمكانياته الصوتية والحركية والذاتية الناتجة عن تدريب جسده كممثل على قدرة مقاومة عملياته النفسية، ويبدو لي أن "العوضي" يملك تلك القدرة على إزالة شعوره بجسده كعائق أو كعبئ أمام انطلاقه في التعبير عن أدق المعاني والدلالات التي يريد إيصالها للمتلقي، فقد اهتدى إلى طريقة أداء خاصة به جعلت جسده بحركاته وإيماءاته يتفجر، ليكشف، أو ليعيد اكتشاف العالم الخفي لصاحب السوابق في الماضي القريب من عمله في تلك الخلية التي تعمل لصالح الوطن.
 
ولابد لي من الإشادة بأداء كل من ( ناصر سيف في دور المعارض الوطني "محمود علوان"، يسرا اللوزى في دور المحللة النفسية "ريم"، أشرف مصيلحي في دور الضابط "عوني"، الفنان الكويتي محمد الحداد في دور الضابط "عبد الله"، محمد علي رزق في دور خبير الكمبيوتر "سميح"، عمر الشناوي في دور الضابط "حسام"، محمود حافظ في دور القناص "صدام"، هيدي كرم في دور الإعلامية "شهيرة الملاح")، وبالطبع لابد لي من الإشادة بالسيناريو الرائع لباهر دويدار، وأيضا حامل الفكر والوعي والتصور للعمل الدرامي المخرج "بيتر ميمي" الذي أبدع في إدار فريق الممثلين لتجسيد الشخصيات المختلفة في تناغم، بحيث وفر لكل منهم على حدة المقومات الفيزيقية والفنية التي تمكنه من الاقتراب من الشخصية الفنية التي يقوم بأدائها.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة