يعد سيدنا أبو ذر الغفارى من خيرة الصالحين، فقد عرف جيدا أن الإسلام دين مجتمعى، جاء كى يصلح أحوالا جاهلية كانت متفشية بين الناس، وأنه جاء كى يقيم العدل ويبعد الظلم ويمنح الناس المساواة فى الحقوق والواجبات.
يمكن لنا أن نكتشف طبيعة سيدنا أبى ذر رضى الله عنه من قصة إسلامه، فقد كان من السابقين إلى الإسلام، ويقال إنه كان رابع الذين اتبعوا النبى محمد عليه الصلاة والسلام، وكان شجاعًا مقدامًا، روى الإمام البخارى أن أبا ذر حين علم بمبعث النبى صلى الله عليه وسلم، قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادى فاعلم لى علم هذا الرجل الذى يزعم أنه نبي، يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبى ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلامًا ما هو بالشعر، فقال أبو ذر: ما شَفَيْتَنِى مما أردتُ، فذهب بنفسه إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ومكث حتى استطاع أن يلتقيه، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: «ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري" قال: والذى نفسى بيده، لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكَبَّ عليه، قال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجاركم إلى الشام، فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، فضربوه وثاروا إليه، فأكَبَّ العباسُ عليه.
وفى غزوة تبوك تخلف أبو ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطأ به بعيره، فما كان من أبى ذر إلا أن نزل من على هذا الجمل وحمل متاعه ومشى حتى يلحق برسول الله وجيشه، ونظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله هذا رجل يمشى على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن أبا ذر»، فلما تأمله القوم قالوا: "يا رسول الله.. هو والله أبو ذر"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده» رواه الحاكم فى المستدرك.
ويظل موقفه مع الخليفة الثالث عثمان ابن عفان، رضى الله عنهما نموذجا للرجل الصالح الذى لا يغير موقفه أبدا، والذى يتحمل المشقة فى سبيل ذلك، فإنه بعد وفاة سيدنا أبى بكر خرج إلى الشام قاصدًا العيش فيها، فلم يزل بها حتى تولى سيدنا عثمان بن عفان الخلافة، ثم استقدمه عثمان لشكوى معاوية بن أبى سفيان واليه على الشام فقد اعترض الغفارى على تعامل معاوية مع بيت مال المسلمين، وظل ثابتا على موقفه حتى رحيله منفيا فى سنة 32 من الهجرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة