لى موقف قديم من الخديوى إسماعيل، لم أغيره، هو أنه رجل لم يعرف كيف يدير أموره فقد كانت أحلامه أكبر من إمكاناته، لذا أعترف بفضله جماليا على مصر، لكن فى الوقت نفسه أحمله المسئولية كاملة عن التراجع الاقتصادى الذى صار يطارد البلاد حتى الآن، فقد كان قادرًا على التحرك بالبلاد ناحية الأمام بصورة حقيقية ولم يفعل سقط فى محبة البهرجة وتقليد الآخر ، ومع ذلك لم أستطع أن أحبط كل عمله، والخلاصة أننى متعاطف معه بشكل دائم.
ولعل القارئ، حتى لو بصورة بسيطة، للتاريخ المصرى الحديث، سيعرف أن أحدا من الذين حكموا مصر لم يعانى فى الحياة مثلما عانى الخديوى إسماعيل، بل وبعد مماته أيضا، فالرجل الذى كان يحلم لمصر بصورة جمالية عظيمة وتمنى أن يراها مثل باريس وإيطاليا، وجد نفسه فى نهاية حياته مطرودا من مصر، بينما ابنه "توفيق" يضع يده فى يد طاردى أبيه (الإنجليز والفرنسيين)، بل يموت غريبا فى بلاد الأتراك حالما بالعودة إلى القاهرة دون طائل.
والآن، وبعد سنوات طويلة من موته، وفى عام واحد، تم تشويه تماثيله فى محافظات مصر، مرة فى الإسماعيلية فى شهر أغسطس الماضى، ومرة أخرى فى الإسكندرية منذ أيام قليلة، ويبدو أن موظفى المحليات لا يحبون الخديوى السابق فيختارون له نوعا من "الدوكو" الأسود يطلونه به بينما وزارة الثقافة تتدخل متأخرة لتحاول أن تصلح شيئا مما أفسدته المحليات.
حاولت أن أرى أى جمال فيما حدث لتمثالى الإسماعيلية أو الإسكندرية بعد تشويههما لكننى لم أجد، ولم أعرف، حتى الآن، وجهة نظر هؤلاء المتجرئين على تماثيل مصر، وصرت أشك فى قصدية التشويه، أو على الأقل عدم معرفة المعنى للتمثال الواقفين أمامه، تخيلوا أن يكون الرجل الذى يطلى التمثال لا يعرف شيئا عن الخديوى إسماعيل، وربما لا يعرف أن صاحبه كان يحكم مصر، وأن العالم كله كان يأتى إليه فى قصره معبرا عن امتنانه.
لقد صار الخطأ نفسه يتكرر كثيرا، وأصبح التشويه فى شوارع مصر طريقة تفكير، ورغم صدور قرارات من مجلس الوزراء بمسئولية وزارة الثقافة عن تجميل ميادين مصر، لكن الوزارة حتى الآن لم تبن لها بائنة فى ذلك الشأن.. لكن هذا موضوع آخر سنتحدث عنه لاحقا.