حازم حسين

أم الدنيا و«نُص»

الأحد، 23 يونيو 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان القلق مشروعًا، ولعلّ بعضنا استشعره قبل خمسة أشهر من الآن، ما جعل مُفاجأة افتتاح كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم «كان 2019» مُدهشةً ومُضاعَفة، بقدر ضخامة الحدث، وضِيق الوقت، والإبهار الذى انطلق من قلب القاهرة مساء الجمعة، ليُصبح حديث العالم حتى الآن.
 
مبعث القلق أن البطولة فى نسختها الثانية والثلاثين توسّعت فى عدد الفرق، وانتقلت للصيف، وأن مُهلة التنظيم الأقصر والأكثر ضغطًا منذ انطلاقها 1957. كان الأمر بكامله استثنائيًّا تمامًا، بدءًا من استبعاد الكاميرون، ثم اختيار مصر بـ16 صوتًا مقابل صوتٍ وحيد لجنوب أفريقيا، فى تصويت المكتب التنفيذى للاتحاد الأفريقى «كاف»، خلال اجتماعه بالعاصمة السنغالية «داكار» 8 يناير الماضى.
 
يتّضح حجم التحدّى إذا علمنا أن البطولة فى كل نُسخها لم تُسنَد لبلدٍ مُضيف قبل موعدها بـ23 أسبوعًا، حتى عندما كانت 3 فرق بنظام المجموعة الواحدة، أو 8 على مجموعتين، بل إن مصر فازت بتنظيم 2006 قبلها بسنتين تقريبًا، وكانت الكاميرون تستعد للنسخة الأخيرة منذ خمس سنوات.
 
فى نوفمبر 2013 كشف «كاف» عن المتقدمين لتنظيم بطولتى 2019 و2021، وأعلن فى 24 يناير 2014 عن 6 مرشحين للأولى، بينهم ملفات ثنائية وثلاثية ورباعية، منها عرض غينيا وغينيا بيساو وليبريا وسيراليون المشترك، وفى سبتمبر التالى فازت الكاميرون بـ2019، وساحل العاج 2021 وغينيا 2023.
 
أُمهلت الدول الثلاث 5 و7 و9 سنوات على الترتيب، وهى مُدَد كافية لإنجاز الاحتياجات الفنية واللوجستية، والخروج ببطولة جيدة ومُنضبطة، لكن متابعة لجان الاتحاد فى السنوات التالية كشفت قصورًا كبيرًا فى استعدادات الكاميرون، وتأكّدت فى الشهور العشرين السابقة على سحب التنظيم استحالة أن تكون نسخة 2019 فى «ياوندى». قال رئيس «كاف» أحمد أحمد فى 2017 إنها لم تُقنع الاتحاد بقدرتها، وفى أغسطس 2018 قال رئيس اللجنة المنظمة أماجو بينيك: «لن ينتزع أحد البطولة»، لكن مع استمرار القصور قرر مكتب الاتحاد فى غانا 30 نوفمبر الماضى، سحب التنظيم بسبب «عدم استيفاء الشروط بما يُعرِّض البطولة لمشكلات، خاصة أن تأجيلها غير وارد، بسبب العقود التجارية».
 
فى 1 ديسمبر أُعلن القرار، وفُتِح باب التقدّم مع وعدٍ بإعلان الفائز قبل نهاية العام، حتى يكون لديه أكبر حيِّز زمنى مُمكن. تقدّمت مصر وجنوب أفريقيا، وفُزنا بأغلبية ساحقةٍ، كان ذلك بعد انقضاء أسبوع من العام الجديد، وليس قبل نهاية 2018، ما قلّص مُهلة التنظيم، الضئيلة أصلاً، لتُصبح 23 أسبوعًا بالكاد!
 
رغم ضآلة الفترة، كان إيقاع العمل لاهثًا. أعادت الدولة تأهيل 6 ملاعب كبيرة فى 4 محافظات، وأعدت منظومة إلكترونية لحجز التذاكر، وبناء قاعدة بيانات تُيسِّر حركة المُشجّعين وتضبط دخولهم وخروجهم أمنيًّا وتنظيميًّا، واستعانت ببواباتٍ مُتطوّرة وطائرات «درون» للتأمين ومطابقة هويات الجمهور ببطاقات الـFan ID، وجهّزت مُعسكرات وملاعب تدريب لـ24 فريقًا، وطوّرت مئات الكيلومترات من الطرق والمحاور المرورية، ووضعت خطة أمنية شاملة، ودفعت بـ800 أتوبيس لخدمة ملاعب بالقاهرة، واستكملت تجهيزات التصوير والبثّ، وأنجزت الافتتاح المبهر.
 
شغل الحفل 14 دقيقة تقريبًا، وقدّم حكايةً بصريّة عن تاريخ مصر وروابطها الأفريقية، عبر النيل وقوافل التجارة. واستخدم مُجسّمات لأهرام الجيزة على أرضية مُنبسطة، توزّعت عليها الصور والموتيفات بوحدات الإضاءة وخطوط الليزر ثلاثية الأبعاد، كما تحوّلت وجوه الهرم إلى شاشات عرض، تتبادل التكوينات مع الشاشة الأرضية الفسيحة، لتصنع تناغُمًا ثريًّا، عزّزته دفقات الألعاب النارية على جوانب المشهد وفى خلفيته. تلا ذلك استعراض راقص على الأغنية الرسمية «متجمّعين»، التى أدّاها حكيم بمصاحبة نجمة كوت ديفوار «دوبيه ناهورى» الفائزة بـ«جرامى» 2004، والنيجيرى فيمى كوتيه المرشح للجائزة نفسها 4 مرات.
 
نقلت الافتتاح ومباراة مصر وزيمبابوى 32 كاميرا أرضية مُوزّعة على مستويات، إلى جانب التصوير الجوى وطائرات «الدرون» وكاميرا «سبايدر» مُعلّقة. وسبق ذلك بأيام وصول 6 سيارات بثّ مُباشر من البرتغال وإسبانيا، تعمل بنظام DTT لنقل الصورة بجودة 4K وfull hd، مع الاستعانة بأعداد كبيرة من الكاميرات، وفق الطاقة الاستيعابية وحجم الفراغ المحيط بكل ملعب.
 
اكتملت الأجواء المدهشة بفوز مصر فى أولى مواجهاتها. كان فوزًا صعبًا فى مباراة سهلةٍ للأسف، فرغم أن منتخب زيمبابوى وصل البطولة مُتصدّرًا المجموعة السابعة فى التصفيات، على حساب الكونغو حاملة لقبى 1968 و1974، فإنه حلّ ضمن الفئة الرابعة لفرق البطولة، ويشغل المركز 110 فى تصنيف الاتحاد الدولى «فيفا»، كما يحتوى سجلّه على 3 مشاركات حديثة، 2004 و2006 و2017، خرج فيها جميعًا من دور المجموعات.
 
لم يكن أداء منتخبنا عظيمًا، بدا الارتباك واضحًا على اللاعبين. الخطوط مفتوحة وقدرة الوصول إلى المرمى منزوعة الفاعلية، الوسط مُفكّك ولاعبوه عاجزون عن تمهيد الاختراقات من الأجناب، وتأثير أصحاب المهام الهجومية يتبخر قبل منطقة الخصم، ولا إنهاء للهجمات. بدا «تريزيجيه» مُشوّشًا، و«الننى» تائهًا، و«صلاح» مُتعاليًا وعاجزًا عن مُراوغة الرقابة اللصيقة، لكن ساهمت الخبرة، واسم الفراعنة، وتأثير الأرض والجمهور والحماس الذى أشعل استاد القاهرة، فى إنهاء المباراة لصالحنا، ما يُعمّق التفاؤل فى ظلّ اقتناصنا 3 ألقاب بالقاهرة، 1959 و1986 و2006، ورغم أن الجيل الحالى أضعف كثيرا من جيل الثلاثية الشهيرة، تظلّ فرصة الأرض والجمهور قادرة على صناعة المفاجأة.
 
ما حدث مساء الجمعة انتصار وبهجة، ليس لأننا أثبتنا للعالم قُدرتنا على إنجاز أشياء كبيرة فى زمن قياسى، ولكن لأننا أثبتنا لأنفسنا أولاً أنه يمكن بسهولة صناعة ما قد يراه الآخرون مُستحيلاً، وأننا قادرون ولا تنقصنا طاقة أو عزيمة، وها نحن ننظم البطولة فى نسخة أولى بـ24 فريقًا بعدما كانت 16، أى أننا إزاء بطولة ونصف، قياسًا على ما فعلناه فى 2006، وما فعله آخرون قبلها وبعدها، وذلك خلال 5 أشهر، بينما يحتاج غيرنا 5 أو 7 أو 9 سنوات. رُبّما كان ذلك بفعل الرصيد الحضارى، ومخزون العظمة الذى لا يُغادر تلك الأرض مهما كانت ظروفها، لذا يحقّ لنا الفخر، لأننا نُؤكِّد اليوم أن مصر «أُمّ الدنيا ونُص».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة