نواصل، اليوم، الوقوف مع كلام الإمام القرطبى فى تفسيره المعروف بـ"الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان"، ونقرأ ما قاله فى تفسير سورة البقرة فى الآية الثالثة عشرة "وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ".
قوله تعالى: (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) يعنى المنافقين فى قول مقاتل وغيره. (آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) أى صدقوا بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشرعه، كما صدق المهاجرون والمحققون من أهل يثرب. وألف (آمِنُوا) ألف قطع، لأنك تقول: يؤمن، والكاف فى موضع نصب، لأنها نعت لمصدر محذوف، أى إيمانا كإيمان الناس.
قوله تعالى: (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) يعنى أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن ابن عباس. وعنه أيضا: مؤمنو أهل الكتاب. وهذا القول من المنافقين إنما كانوا يقولونه فى خفاء واستهزاء فأطلع الله نبيه والمؤمنين على ذلك، وقرر أن السفه ورقة الحلوم وفساد البصائر إنما هى فى حيزهم وصفه لهم، وأخبر أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون للرين الذى على قلوبهم.
وروى الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس أنها نزلت فى شأن اليهود، أى وإذا قيل لهم يعنى اليهود آمنوا كما آمن الناس: عبد الله بن سلام وأصحابه، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء يعنى الجهال والخرقاء. وأصل السفه فى كلام العرب: الخفة والرقة، يقال: ثوب سفيه إذا كان ردئ النسج خفيفه، أو كان باليا رقيقا. وتسفهت الريح الشجر: مالت به، قال ذو الرمة: مشين كما اهتزت رماح تسفهت ** أعاليها مر الرياح النواسم
وتسفهت الشىء: استحقرته. والسفه: ضد الحلم. ويقال: إن السفه أن يكثر الرجل شرب الماء فلا يروى. ويجوز فى همزتى السفهاء أربعة أوجه، أجودها أن تحقق الأولى وتقلب الثانية واوا خالصة، وهى قراءة أهل المدينة والمعروف من قراءة أبى عمرو. وإن شئت خففتهما جميعا فجعلت الأولى بين الهمزة والواو وجعلت الثانية واوا خالصة. وإن شئت خففت الأولى وحققت الثانية. وإن شئت حققتهما جميعا.
وقوله تعالى: (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) مثل: (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ)، وقد تقدم. والعلم معرفة المعلوم على ما هو به، تقول: علمت الشيء أعلمه علما عرفته، وعالمت الرجل فعلمته أعلمه بالضم فى المستقبل. غلبته بالعلم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة