الطب من المهن الإنسانية، كونها تزيح الألم عن المرضى وترسم البسمه من جديد على الوجوه، لذا يطلق على أصحاب "الروب الأبيض" ملائكة الرحمة.
مصر في مقدمة الدول التي نبغ فيها الأطباء، حيث صدرت مشاهير للمشهد، سكنوا قلوب المصريين، بعدما ساهموا في تخفيف الألم عنهم، لعل أبرزهم الجراح العالمي مجدي يعقوب أمير القلوب، الذي لا يدخر جهداً في علاج المرضى بالرغم من كبر سنه، فيسخر وقته وجهده لعلاج المواطنين خاصة البسطاء منهم.
وفي الريف بدلتا مصر والصعيد، ظهر أطباء كبار قرروا تسخير وقتهم وجهدهم لعلاج البسطاء في القرى والنجوع، لا يتقاضون سوى جنيهات معدودات، فالأهم لديهم تخفيف الألم عن المرضى، بغض النظر عن العائد المادي من وراء ذلك.
أعرف طبيباً شهيراً في قريتنا "شطورة" بالصعيد، لم يرفع الـ"فيزيتا" عن جنيهات معدودات، ولم يكتفي بذلك وإنما خصص الجمعة لاستقبال المرضى بالمجان، وأعرف طبيب أسنان شهير في المحلة لم يستغل شهرته في رفع سعر الكشف، وإنما أصر على أن يكون السعر ثابتاً لا يتخطى 10 جنيهات.
هؤلاء وغيرهم اختاروا العمل الإنساني وحجزا أماكن لهم في قلوب الناس، ومساحات كبيرة من دعوات البسطاء والمرضى لهم.
وللآسف، على النقيض تماماً تجد بعض الأطباء انشغلوا بالمادة عن العمل الإنساني، حيث رفعوا "الفيزيتا" لعنان السماء، حتى أصبح سعر الكشف الطبي يتجاوز نصف راتب المواطن أحياناً، فيحصل الطبيب على هذه المبالغ الطائلة مقابل إجراء كشف طبي على مريض لا تتجاوز مدته الخمس دقائق دون رحمة أو شفقة بالمريض، الذي بات يعاني الألم الجسدي من المرض والنفسي من إرتفاع سعر الكشف.
الملفت للانتباه، أنه لا توجد جهة معنية تنظم سعر الكشف الطبي، الذي أصبح جنونياً في بعض المناطق، حيث يسعى البعض لتكوين ثروات طائلة على حساب المرضى، الذين يعانون الأمرين من ارتفاع سعر الكشف وارتفاع أسعار الأدوية.
يلجأ بعض البسطاء في الأرياف والقرى للصيدليات مباشرة للتشخيص والحصول على العلاج تفادياً لإرتفاع سعر "فيزيتا" بعض الأطباء، لكنهم يصطدمون بمشاكل أخرى، أبرزها أنه في كثير من الصيدليات بالأقاليم يديرها حاصلون على دبلومات فنية وغير متخصصين في الطب والصيدلية لتظهر الكوارث ويزداد المريض سواء، ويجد نفسه بين شقي الرحى ما بين أسعار جنونية في الكشف وأخطاء في وصفات العلاج ببعض الصيدليات.
أتمنى أن يكون هناك رقابة حقيقية على أسعار كشف الأطباء، الذين هجر معظمهم المستشفيات الحكومية وخصصوا معظم وقتهم لعيادتهم الخاصة، فأصبح المريض البسيط لا يجد ما يشفي مرضه في المستشفيات الحكومية، لذا يتوجه مجبراً للعيادات الخاصة للأطباء الذين يتنهزون الفرصة لجمع الأموال من المرضى بأسعار جنونية.
أتمنى أن يتكرر نماذج الأطباء الأفاضل الذين يعلون القيم الإنسانية في مهنة الطب عن جمع المال، وأن يسعى الطبيب لكسب ود ودعوات المرضى بسعر معقول للكشف الطبي، أفضل بكثير من كسب الأموال الطائلة.. استقيموا يرحمكم الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة