"سيكون رئيسا ممتازا للحكومة البريطانية".. هكذا قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب واصفا وزير الخارجية البريطانى السابق بوريس جونسون، مستبقا زيارته إلى العاصمة البريطانية لندن، وهو التصريح الذى أثار استفزاز قطاع عريض من الساسة البريطانيين، وعلى رأسهم زعيم حزب العمال جيريمى كوربين، والذى اعتبره بمثابة تدخل صريح فى الشئون الداخلية البريطانية، مؤكدا أن البريطانيين هم من سيختارون خليفة ماى، وليس ترامب أو حتى حزب المحافظين، الذى لا يحظى بدعم شعبى كبير، على حد وصفه.
وعلى الرغم من أن الدعم الذى قدمه ترامب إلى جونسون ليس بالأمر الجديد تماما، حيث سبق وأن أدلى بتصريحات مشابهة، قبيل زيارته الأولى للعاصمة البريطانية، إلا أن التوقيت فى هذه المرة يبدو أكثر حساسية، حيث إنه يأتى قبل أيام من خروج رئيسة الوزراء تيريزا ماى من مقعد السلطة، بينما تشتعل المنافسة على خلافتها بصورة كبيرة بين قطاع كبير من الساسة البريطانيين، وهو ما يطرح تساؤلات حول السر وراء الانحياز الصريح من قبل ترامب إلى مرشح بعينه دونا عن الأخرين.
النسخة البريطانية.. جونسون صورة أخرى من ترامب
يبدو أن هناك تقاربا كبيرا فى الرؤى بين ترامب وجونسون، خاصة فيما يتعلق بموقفهما المناوئ للاتحاد الأوروبى، خاصة وأن جونسون سبق وأن تقدم باستقالته من منصب وزير الخارجية فى حكومة ماى، قبل نحو عام، احتجاجا على المفاوضات التى أجرتها رئيسة الوزراء مع قادة الاتحاد الأوروبى، معتبرا أن الخطوات التى تتخذها هى محاولة صريحة للالتفاف على إرادة الشعب البريطانى، والتى سبق لهم وأن أعربوا عنها صراحة فى الاستفتاء الذى تم إجراؤه فى عام 2016، والذى قرروا خلال الخروج من الاتحاد الأوروبى.
ترامب وجونسون
إلا أنه بعيدا عن التقارب بين ترامب وجونسون حول قضية الاتحاد الأوروبى، فإن جونسون يعد بمثابة النسخة البريطانية من ترامب، وهو ما يبدو واضحا فى العديد من المواقف الأخرى، وعلى رأسها الانحياز الصريح لصالح إسرائيل، فقد سبق له وأن رفض دعوات أطلقها نشطاء بريطانيين لمقاطعة البضائع الإسرائيلية احتجاجا على انتهاكات الدول العبرية بحق الفلسطينيين، كما أنه أحد المعادين لسياسة الحدود المفتوحة، وهو ما يبدو واضحا فى موقفه الرافض للهجرة، بل أنه يحمل نفس موقف ترامب تجاه الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، والذى سبق وأن اتهمه جونسون بأنه كاره لتراث بريطانيا بسبب أصوله الكينية، بينما وصف هيلارى كلينتون بأنها "ممرضة سادية فى مستشفى للأمراض العقلية".
نسخ جديدة.. ترامب يحاول استنساخ نماذج جديدة لنفسه
وهنا يمكننا القول بأن الدعم الصريح الذى يقدمه الرئيس الأمريكى لجونسون هو بمثابة جزء من مخططه لخلق نسخ جديدة من ترامب، يمكنها أن تسيطر على العالم، وهو الأمر الذى يبدو واضحا فى مواقفه الداعمه للعديد من القادة سواء المنتمين للتيارات اليمينية فى أوروبا أو فى مناطق أخرى من العالم، بينما سعى العديد من القادة الطامحين إلى السلطة إلى استلهام النموذج الذى أرساه ترامب منذ صعوده إلى البيت الأبيض فى عام 2017، للوصول إلى مقاعد السلطة فى بلدانهم، ليصبح الرئيس الأمريكى ليس مجرد رئيس للولايات المتحدة، وإنما نموذج سياسى ربما يساهم فى إعادة تشكيل العالم.
كورتس وأوربان
فلو نظرنا إلى السياسات الأمريكية فى القارة العجوز، نجد أن الرئيس ترامب قدم دعما كبيرا لتيارات اليمين المتطرف فى العديد من دولها، فى محاولة صريحة ليس فقط زرع أيديولوجيته، ولكن لخلق نماذج متطابقة له، تحمل نفس الخطاب، وربما اللهجة التى يتبناها الرئيس الأمريكى فى كافة القضايا سواء فى الداخل أو على المستوى الدولى، وهو الأمر الذى يبدو واضحا فى احتضانه لرئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان، والمستشار النمساوى السابق سابستيان كورتس، واللذين اعتبرهما قطاع كبير من المحللين الأوروبيين بمثابة نماذج أخرى من ترامب.
أوربان وكورتس يتبنان خطابا عنصريا تجاه المسلمين، كما أنهما يتمسكان باستلهام الإرث المسيحى لأوروبا كمرجعية لها، وبالتالى فهما يسيران على نفس الخط الذى يتبناه ترامب، والذى يحاول أن يضع نفسه بمثابة المدافع الأول عن العالم المسيحى، لذا فنجد أنه خلال اللقاء الذى جمع الرئيس الأمريكى برئيس الوزراء المجرى الشهر الماضى، نجد أن ترامب حرص على الإشادة بأوربان بصورة كبيرة، خاصة عندما تحدث الأخير عن ضرورة حماية مسيحيي أوروبا من المهاجرين.
الأيديولوجية لا تكفى.. التحالف مع ترامب يتطلب أن تتقمص شخصيته
وهنا يمكننا القول: إن محاولات ترامب لنشر نموذجه السياسى لا تقتصر فقط على اختيار أذرعه الجديد من الحلفاء الذين يتوافقون مع أيديولوجيا ولكن يقوم اختياره على قيادات تجد انسجاما شخصيا معه، بحيث يتبنون نفس اللهجة التى تتسم بالعنف، بحيث يكون لهم القدرة على فرض كلمتهم على نظرائهم، وفى الوقت نفسه يبحثون عن دور أكثر بروزا على الساحتين الدولية والإقليمية، وهو ما سوف يتحقق لهم إذا ما ساروا على نفس الخط الأمريكى.
الرئيس ترامب
وهنا يصبح ترامب ليس مجرد رئيس للولايات المتحدة، وإنما يتحول إلى زعيم قادر على التأثير فى الساحة الدولية، عبر أذرعه المنتشرة فى مختلف أنحاء العالم، بعيدا عن الوسائل القديمة التى طالما تبنتها واشنطن للحفاظ على مكانتها الدولية، سواء عن طريق قوتها العسكرية، أو المساعدات الأمريكية، أو حتى العقوبات، وهى الوسائل التى مازالت تعتمدها الإدارة الأمريكية لإجبار العالم على الدوران فى فلكها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة