انتصرت الدولة للفقراء. فبعدما ظلت منظومة الدعم قائمة وفق صيغة مشوهة، تسمح بتسرب الجانب الأكبر منها إلى الأغنياء والمقتدرين والفئات غير المستحقة، بينما يحصل محدودو الدخل على الفتات، أعادت الحكومة بفضل خطة الإصلاح الاقتصادى الجريئة ضبط تلك الاختلالات، وقلصت نزيف الموارد، ووجهت مخصصات الدعم لاستهداف الفئات الفقيرة، مع تعزيز كفاءة الخدمات وبرامج الرعاية الاجتماعية والصحة والتعليم، بفضل ما وفره الإصلاح من أموال كانت مهدرة.
بدأت خطة الإصلاح خلال العام 2014، ومع بدء السنة المالية الجديدة 2019/ 2020 تكتمل مرحلتها الأخيرة، لنصل للمرة الأولى إلى صيغة منضبطة ومُحكمة لإدارة موارد الدولة، وهيكلة مخصصات الدعم، وتصحيح منظومة التسعير للمنتجات البترولية، مع توجيه الفوائض المتولدة عن تلك العملية الناجحة لقطاعات التعليم والصحة والنقل والمواصلات، وحصار السوق السوداء وما كانت تمارسه من استغلال ونهب لثروات الدولة وأموال المواطنين.
يقول الخبراء والمتخصصون، إن برنامج الإصلاح الاقتصادى وما اشتمل عليه من تصحيح منظومة تسعير المنتجات البترولية، كان طفرة كبيرة فى إدارة المالية العامة، وتعزيز كفاءة السوق والأطر الاقتصادية، واستعادة التوازن بين الإيرادات والمصروفات بما يقلص الضغط على الموازنة العامة، وهو ما ساعد الدولة على استهداف مستحقى الدعم بصورة مباشرة وبطريقة أفضل، بدلا من تسرب حصة كبيرة من تلك المخصصات للأغنياء والمقتدرين.
وأوضح الخبراء أن دعم المنتجات البترولية يتأثر بثلاثة عوامل، منها سعر البترول عالميا، وسعر صرف العملات الأجنبية، وحجم استهلاك السوق المحلية، وكلما قلصت الإهدار فى تلك المنظومة كانت إدارة المالية العامة أكثر كفاءة، مع قدر أقل من الأعباء والضغط على الموازنة العامة، وهامش أكبر للحركة على صعيد برامج الرعاية الاجتماعية والمشروعات النوعية التى تستهدف الخدمات الأساسية والفئات الأولى بالرعاية، بينما كان استمرار المنظومة بالصورة التى كانت عليها أمرا خطيرا، ويُنبئ باتساع الفارق بين الإيرادات والمصروفات، وعجز الدولة عن دعم الاستثمار المباشر، وزيادة حجم الخدمات وكفاءتها.
بحسب الخبراء فإن إصلاح منظومة الدعم كان سببا فى تخفيف الأعباء عن الموازنة، وتحسين مستوى الخدمات، وتقليص الإسراف فى استهلاك للمواد البترولية، والحد من انتشار الاستخدامات غير الشرعية لها بما يحافظ على الموارد الطبيعية. وشدد الخبراء على أن هدف الإصلاح تحسين موقف السيولة بما يدعم قطاع البترول، ويزيد حجم المشروعات المنفذة، إضافة إلى الحد من الآثار السلبية الضاغطة على الشركات الأجنبية، مع ارتفاع مستحقاتها لدى الحكومة بما يحدّ من قدرتها على النمو وزيادة أنشطتها فى السوق.
وأضاف الخبراء أن تصحيح منظومة الدعم وإزالة التشوهات التى انطوت عليها بمثابة المنطلق الصحيح لتحقيق العدالة الاجتماعية، عبر توزيع الأعباء على الطبقات الغنية بما يتناسب مع قدراتها، مقابل توجيه قدرات الدولة المالية المحدودة لدعم الفئات الفقيرة ومستحقى الدعم، وهو ما ينعكس فى ارتفاع حجم الأعمال فى قطاعات الصحة والتعليم والنقل، وفى برامج الحماية الاجتماعية و«تكافل وكرامة»، وما أطلقته القيادة السياسية من حزمة إنعاش قوية عبر زيادة المعاشات والرواتب بدءا من السنة المالية الجديدة.
وفق تلك الرؤية المتخصصة، فإن برنامج الإصلاح الاقتصادى وترشيد الدعم فى جوهره يمثل انحيازا صريحا للفئات الفقيرة، لأنه يسيطر على اختلالات الموازنة بما يحد من الدين العام وأعبائه، إضافة إلى إنهاء ظاهرة تسرب الدعم للأغنياء، وتحسين معيشة المواطنين، وزيادة قدرة الدولة على الاستثمار المباشر وتطوير برامج الحماية الاجتماعية، إضافة إلى إصلاح الفوارق الطبقية، وهو الأمر الذى أكده الخبير الاقتصادى رشاد عبده بقوله: «غدا أفضل كثيرا، كل المؤشرات الاقتصادية تؤكد نجاح برنامج الإصلاح، وفى مقدمتها الوكالات الاقتصادية العالمية التى أكدت أن مصر ستكون من أفضل الاقتصاديات فى العالم.
والمواطن يتفهم تلك الصورة ويشعر بها، ويعلم جيدا أنه يؤدى دورا وطنيا لدعم الدولة وصناعة المستقبل، خاصة أن أكثر الأدوية قوة وشفاء هى الأدوية الأكثر مرارة، وقد عبرنا المرحلة الصعبة، ونستعد لجنى الثمار».
توصيل الدعم لمستحقيه