هبت العاصفة، وتجاوز الكلام حد المعقول فى حملة التشويه ضد جمال عبدالناصر.. كان التشويه هذه المرة يتعلق باتهامه بأنه قام بتهريب 15 مليون دولار لحسابه فى الخارج، خمسة منها قدمها الملك سعود تبرعا للمجهود الحربى المصرى، وعشرة قدمها قرضا لمصر.
كان الاتهام سخيفا ورخيصا «بوصف الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين فى كتابه «محاوراتى مع السادات».. وأطلقه الكاتب الصحفى جلال الدين الحمامصى، ونشرت تفاصيله «أخبار اليوم» تحت رئاسة مصطفى أمين فى يناير 1976، ثم جمعه مع قضايا أخرى فى كتاب «حوار وراء الأسوار».. ويرى «بهاء الدين»: «هذا الاتهام كان إحدى قمم تلك الحملة الشرسة ضد ثورة 23 يوليو 1952 وجمال عبدالناصر»..ويؤكد: «كان الاعتقاد الشائع – وهو فى تقديرى صحيح تماما – أن السادات هو مخطط وموجه هذه الحملة، وأنه يسخر صفحات الإعلام المصرى لحزب الانتقام من الثورة ومن عبدالناصر، وكان كلما اشتدت الحملة وبدأت تُحدث رد فعل مضاد، انتهز مناسبة فى إحدى خطبه ليعلن أنه أمين على اسم عبدالناصر وسمعته وعائلته، ولكن بطريقة لايخفى على أحد أنها تمثيلية على طريقة خطبة انطونيو المشهورة «ولكن بروتس رجل نبيل».. يضيف بهاء: «صارت عبارة «الله يرحمه»، كلما ذكر السادات اسم جمال عبدالناصر نكتة شائعة، إذ كان كل من يسمعها، يفهمها على أنها تعنى العكس تمامًا».
كان «الملك سعود» يعيش فى مصر بعد إقالته وتنصيب شقيقه فيصل مكانه.. يذكر الحمامصى: «فى غمرة الحماس الذى سيطر على العقول المصرية والعربية كتب الملك سعود فى 28 مايو 1967 شيكين أحدهما بمبلغ ثلاثة ملايين دولار أمريكى، والآخر بمليونى دولار، وكان أحد الشيكين لأمر الرئيس عبدالناصر، وذلك تبرعا لدعم المجهود الحربى، وحدث أن الشيكين حولا للرئيس عبدالناصر، وصدق على التوقيع بالتحويل أحمد فؤاد رئيس مجلس إدارة بنك مصر».. يضيف الحمامصى: «فى اليومين السابقين لإعلان الرئيس عبدالناصر التاريخى باستقالته من رئاسة الجمهورية وإسنادها إلى زكريا محيى الدين «9 يونيو 1967»، كتب الملك سعود شيكا بمبلغ عشرة ملايين دولار على بنك هولندا العام بأمستردام لأمر الرئيس عبدالناصر، دعما للمجهود الحربى مضافا إلى الدعم السابق على اعتبار أنه قرض لمصر..وبعث وزير الاقتصاد الدكتور حسن عباس زكى بخطاب بتاريخ7 يونيو–مثل هذا اليوم–1967 موجه إلى صاحب الجلالة الملك سعود يتعهد فيه نيابة عن حكومة مصر بأن يقوم البنك المركزى المصرى برد هذا القرض إلى البنك الهولندى على ثلاثة أقساط خلال عام، وأن يكون السداد بالدولارات الأمريكية».
يزعم الحمامصى، أن هذه المبالغ اغتصبها عبدالناصر وأودعها باسمه فى حسابه بالخارج.. يتذكر«بهاء الدين»: «كتبت مقالا فى الأهرام تعليقا على الكتاب الذى احتوى على هذا الاتهام، والذى نشر فى الصحف على أوسع نطاق، ولكن المقال مُنع من النشر، إذ صدر من أجله قرار من النائب العام بعدم نشر أى شىء عن الموضوع، وكان المقال بعنوان «بعيدا عن تحقيق النيابة».. يضيف بهاء: «أمر السادات بتشكيل لجنة لبحث الموضوع تحت ضغط الرأى العام، وحين تم التقرير الذى أكد براءة عبدالناصر من هذا الاتهام السخيف الرخيص، كان السادات يلقى خطابا فى البرلمان، فأعلن أن التقرير يبرئ عبدالناصر وأنه يودع التقرير أمانة مجلس الشعب، ولم ينشر التقرير على الناس، فتلك كانت طريقته فى بقاء الشبهة تحوم فى الفضاء».. يذكر الكاتب الصحفى محمد سعد عبدالحفيظ فى مقاله «الحمامصى وعبدالناصر و«حديث الإفك»، موقع «أصوات أون لاين–30 يناير 2019»: «أثبتت اللجنة أن الشيكات تسملها البنك المركزى من بنك مصر بتاريخ 7 يونيو– مثل هذا اليوم-1967، وقدم بنك مصر وفيه الحساب الشخصى لعبدالناصر بيانا إلى البنك المركزى بجميع إيداعات ومصروفات هذا الحساب، وتبين عدم دخول قيمة الشيكين فى حساب عبدالناصر، وفى نفس الوقت أجرى المدعى الاشتراكى مصطفى أبوزيد تحقيقا موسعا شمل جميع الأطراف وانتهى إلى عدم صحة هذه الواقعة».
يتذكر سامى شرف مدير مكتب عبدالناصر فى مذكراته «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر»: «كنت وراء أسوار السجون، وتم استدعائى للتحقيق معى بواسطة المدعى الاشتراكى، وقمت بتفنيد كل هذه الافتراءات، وأصررت على أن يكون التحقيق مكتوبا لأوقع عليه، وتم ذلك فعلا، حيث رفضت أن يكون مناقشة شفوية، وأذكر أننى قلت للمدعى: لسنا فى مقهى ندردش بل نحن أمام اتهام خطير لأنظف رجل يحكم مصر، ومالم يتم فتح محضر تحقيق مكتوب لن أجيبك على أى سؤال».. يطرح محمد حسنين هيكل فى كتابه «لمصر لا لعبدالناصر» سؤالا: «ماذا لو لم تكن الوثائق فى متناول إيد أحمد زندو محافظ البنك المركزى، وكان الرجل يملك من الشجاعة الكافية ليتقدم رغم الجو الخانق ويقول بأمانة: حرام هذا الذى يفترى به، وهذه الوثائق تنطق بالحقيقة؟.
..وللقصة بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة