من الكتب المهمة التى يجب التوقف عندها هى كتاب "حقول الدم.. الدين وتاريخ العنف" لـ كارين آرمسترونج، وقد صدرت ترجمته العربية، عن دار النشر الشبكة العربية للأبحاث والنشر، قام بها أسامة غاوجى.
الجملة الجوهرية فى الكتاب هى أن "العنف لا يرتبط بالدين، ومن الخطأ القول إن الدين عدوانى دائما؛ فالدين الإسلامى لا يختلف عن اليهودية والمسيحية والهندوسية والتقاليد الصينية، والأديان جميعها تدعو إلى السلم والمحبّة والعدل، لكن توظيفها هو المسئول عن هذا الخلط بين العنف والدين".
يذهب الكتاب إلى أن الدين ليس عنيفا بطبيعته، فكل الأديان فسرت وأولت بتأويلات مختلفة ومتناقضة، إذ تحت نفس الدين تجد التأويل العنيف، كما تجد التطبيق السلمى، وفى كل المجتمعات قبل القرنين السابع عشر والثامن عشر، وظف الدين بشكل جعله متورط فى عنف الحكومات والمجتمعات، مع الثورتين الأمريكية والفرنسية خلقت المجتمعات الغربية دينا جديدا متمثلا فى القومية، حيث أصبح العنف مقرونا بالدين الجديد، وكذا الدين القديم مع إحيائه من خلال الإسلام السياسى والحركات الإرهابية، لذلك فالعنف مرتبط بالدولة أساسا وليس بالدين، ولا يعود إلى سبب واحد، وإنما إلى جملة من العوامل الاقتصادية والإيديولوجية والسياسية.
وتؤكد الباحثة أن الحروب كانت جزءا أساسيا وجوهريا فى الدول الزراعية، التى تأسست واستمرت بفضل قوة الجيوش والعدوانية. ولكون الأرض شكلت مصدر الثروة الرئيس، فإن احتلال أقاليم جديدة، والدفاع عن الأراضى الزراعية، مثل الطريقة الوحيدة للممالك لزيادة دخلها. وقد كانت الحروب فى حاجة إلى عنصر مقدس الذى لم يكن سوى الدين، وبذلك شكلت القوة العسكرية والدين مقومين أساسيين للدولة.
والكتاب يستعرض ما يمكن تسميته مجازا بالعنف الديني، بداية من "ملحمة جلجامش البابلية"، إلى "تنظيم القاعدة" فى وقتنا الحاضر، فى محاولة للتدليل على ضرورة التركيز على السياقات السياسية المحيطة بالدين من أجل فهم السبب الذى يجعل العنف يرتدى فى كثير من الأحيان رداء الدين. استعرضت الكاتبة حالات تاريخية اشتهرت كنماذج للعنف، من محاكم التفتيش المسيحية فى إسبانيا، خلال القرن الخامس عشر، إلى الحركات الإسلامية المتطرفة وغيرها فى القرن الحادى والعشرين، وكذلك تطرف وعنف اليهود المتشددين فى إسرائيل. وفى كل نموذج من هذه النماذج تقريبا، نجد أن تلك الميول العنيفة، التى تقدم نفسها كصراعات "دينية"، كانت فى حقيقة الأمر إما صراعات قومية، أو صراعات على الأراضى، أو صراعات نشأت نتيجة مشاعر الاستياء بسبب فقدان السلطة. وفى ضوء ذلك، ترى آرمسترونج أنه خلال معظم التاريخ البشرى القديم، اختارت الشعوب أحيانا أن يكون الدين جزءا من كل ما تقوم به من أنشطة، ليس لأن رجال الكنيسة الطموحين زاوجوا بين نشاطين مختلفين (الدينى والدنيوي)، وإنما لأن الشعوب كانت ترغب فى أن تضفى على كل ما تقوم به أهمية ومعنى.